في ظل دستوري :22 مارس 1959 و20 مايو 1961 لم توجد هيئة دستورية مختصة بمحاكمة المسئولين السامين في الدولة، حيث عهد إلى القضاء بتلك المهمة؛ فحدد دستور 22 مارس 1959 الجهة المختصة بمحاكمة رئيس الوزراء والوزراء حال اتهامهم بالخيانة أو التآمر على أمن الدولة في :(المادة 45) الواردة ضمن:" العنوان السادس حول القضاء" وفيها أنه:" في حالة الخيانة أو التآمر على أمن الدولة، فإن الجمعية الوطنية تتهم الوزير الأول والوزراء وتحيلهم لمحكمة عدل سامية. يحدد القانون تشكيل محكمة العدل السامية وقواعد عملها والإجراءات المطبقة أمامها."
كذلك سار دستور 20 مايو 1961 حيث جاء الحديث فيه عن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء بالنسبة لتهم الخيانة والتآمر على أمن الدولة في:" العنوان السادس المخصص للقضاء"، إذ نصت:( المادة 52) منه على:" في حالة الخيانة أو التآمر على أمن الدولة، توجه الجمعية الوطنية التهمة إلى رئيس الجمهورية والوزراء بأغلبية الثلثين (2/3) في تصويت علني. يحدد القانون تشكيلة المحكمة السامية وقواعد عملها والإجراءات المتبعة أمامها."
في "المواثيق العسكرية" للجان العسكرية ل: الإنقاذ الوطني بتاريخ: 10 يوليو 1978، و للخلاص الوطني بتاريخ: 6 إبريل 1979، و للخلاص الوطني بتاريخ: 4 يناير 1980،و للخلاص الوطني بتاريخ :12دجمير 1980، التي تواترت كلها على النص في المادة الأولى منها على إلغاء بنود دستور 20 مايو 1961 المتعلقة بتنظيم وممارسة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، ورغم أنه لا حديث عن مسئولية أو مساءلة لرؤساء تلك اللجان أو وزراء حكوماتها أمام أي جهة كانت ، إلا أن عدم ذكر إلغاء البنود الخاصة بالقضاء من دستور 20 مايو 1961 يمنح قانونيا أساسا للقول بإمكانية إخضاع رؤساء ووزراء تلك اللجان لمقتضيات :(المادة 52) من ذلك الدستور، لولا أن القانون النظامي الخاص بالهيئة المعنية بمحاكمة الرئيس والوزراء لم يوجد أصلا.
ينطبق نفس الأمر على "الميثاق العسكري" للجنة العسكرية للخلاص الوطني بتاريخ: 25 إبريل 1981، وعلى ميثاق 9 فبراير 1985 وإن تميزا بنصهما فى:(المادة 9) لكل منهما على مسئولية رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني أمام اللجنة.
طرأ مع دستور 20 يوليو 1991 المعذب، أن فصلت محكمة العدل السامية عن السلطة القضائية، حيث غدت مؤسسة دستورية مستقلة، أفرد لها باب خاص بها هو:" الباب الثامن من الدستور حول محكمة العدل السامية" مكون من مادتين: عنيت أولاهما :(المادة 92) بتحديد تشكيل المحكمة، في حين تولت:( المادة 93) تبيان: - حدود مساءلة رئيس الجمهورية قاصرة لها على حالة الخيانة العظمى:" لا يكون رئيس الجمهورية مسئولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى."
- جهة الاتهام:" لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الجمعية الوطنية التي تبت بتصويت عن طريق الاقتراع العلني وبالأغلبية المطلقة لأعضائها".
-ومع تأكيد اختصاص المحكمة الحصري في حالة الخيانة العظمى هذه:" وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية." - اختصاصها بالنسبة للوزير الأول والوزراء المحدد:" في حالة التآمر على أمن الدولة."
مع انقلاب 3 أغسطس 2005، صدر "الميثاق العسكري" المحدد لتنظيم وسير السلطات العمومية الدستورية مدة الفترة الانتقالية الممارسة من طرف المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، لم ترد محكمة العدل السامية ضمن الهيئات التي نصت :(المادة 8) من ذلك الميثاق على استمرارها في ممارسة صلاحياتها طبقا للنصوص المنظمة لها. على عكس مذهب "الأمر العسكري" رقم :2008-002، بتاريخ: 13 أغسطس 2008 الذي يحكم السلطات المؤقتة للمجلس الأعلى للدولة، حيث إن تبنيه النص في: (المادة 8) منه على محكمة العدل السامية ضمن المؤسسات التى تستمر في ممارسة صلاحياتها طبقا للنصوص التي تحكمها يعني فعليا القول باستمرار اختصاصها في ظل إبقاء ذلك "الأمر العسكري" على سلطات البرلمان، ووجود القانون النظامي رقم: 2008-21 بتاريخ 30 إبريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية، الذى لم يوجد قبل الرئيس سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله –رحمات عليه –رغم السياق المتسم بصراعه مع البرلمانيين وخصوصا ما عرف حينها ب : " الكتيبة البرلمانية " المتربصة به.
فى سنة 2017 ألغت: (المادة 5) من مشروع القانون الدستوري المتضمن مراجعة دستور 20 يوليو 1991 والنصوص المعدلة له، مقتضيات:( المادة 92). واقترحت محلها (المادة 92 جديدة) التي أصبحت تنص على:" تلغى محكمة العدل السامية. رئيس الجمهورية، الوزير الأول، وأعضاء الحكومة يحاكمون على الأفعال المقررة في المادة 93 –الموالية، من طرف تشكيلة من أعلى محاكم النظام القضائي. يحدد قانون نظامي تكوين تلك التشكيلة وقواعد سيرها وكذلك المساطر المطبقة أمامها."
لكن حين سقط مشروع التعديل إثر فشله فى الحصول على تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وبمناسبة اعتماد مسطرة الاستفتاء وفق: (المادة 38) من الدستور لتمرير التعديل، وكرد فعل على الحديث عن خشية رئيس الجمهورية من المحاكمة أمام تلك المحكمة، تم التراجع عن إلغاء محكمة العدل السامية التي أخرجت من موضوعات القانون الدستوري الاستفتائي باستثناء ما يتعلق بحذف بعض الكلمات مراعاة للوضعية الجديدة للبرلمان الموريتاني، وليتم تثبيت الصيغة المعتمدة ل:(لمادة 92) من الدستور كما كانت أول مرة.
ذ. يعقوب ولد السيف