إنشاء إذاعات متخصصة أمر يحسب للإذاعة، وكان من الضروري جدا في ظل محدودية الوقت المتاح داخل المسطرة البرامجية للإذاعة الأم وحاجة السكان لبرامج متخصصة تهتم بمختلف الأنساق الاجتماعية والصحية والثقافية في المجتمع.
هل يمكن لأي مكابر أن ينكر مثلا الدور الطلائعي لإذاعة القرآن الكريم في مجال اختصاصها منذ إنشائها وحتى اليوم.
ألم يكن علماء الجمهورية وحفاظها وأهل الاختصاص في هذا المجال عرضة للاستغلال من طرف جهات معادية للوطن في ظل غياب أبسط توظيف لهذه الطاقات الكبيرة رغم حاجة الوطن إليها.
ألم تقم إذاعة القرآن بتوظيف عدد من هؤلاء وأطلقت مسابقات كبيرة ومهمة كان لها الأثر الطيب وشكلت بداية لثورة إعلامية في هذا المجال.
هل سمعتم عن مسابقة سنوية للقرآن في الجمهورية الإسلامية الموريتانية يشارك فيها الآلاف قبل وجود إذاعة القرآن الكريم.
هل كان هناك عالم أو حافظ واحد يتقاضى رابتا منتظما من الخزينة العامة للدولة مقابل تثقيف الناس في شؤون دينهم وخدمة القرآن الكريم والعلوم الشرعية قبل إذاعة القرآن الكريم..
وفي المجال الثقافي، ألم يكن إنشاء إذاعة ثقافية مطلبا قديما لدى كل النخب الثقافية والفكرية في البلد تحقق أخيرا ويسير الآن بخطى واثقة نحو خدمة الحياة الثقافية في البلد بصورة جامعة لكل أبناء الوطن.
قبل الإذاعة الثقافية هل كان هناك "مداح" واحد أو مسرحي أو شاعر يتقاضى راتبا منتظما من الخزينة العامة مقابل خدمة ثقافة البلد وهويته.
ألم تستغل بعض دول الجوار فنانينا ومداحينا وشعراءنا بشكل وقح يهدد باستنساخ الهوية الثقافية للبلد ووضع بطاقة هوية أخرى عليها ضمن أجندات يختلط فيها السياسي بالثقافي سبيلا إلى رسم خارطة جديدة للمنطقة، على حساب سيادتنا الثقافية.
ثم ونحن نخرج توا من جائحة كورونا، ألم تكن إذاعة التثقيف الصحي العنوان الأبرز خلال هذه المرحلة ؟
هل يمكن لأي من أهل الاختصاص إنكار الجهد الذي قامت به هذه المؤسسة الوليدة خدمة للبلد خلال هذه الفترة الحرجة ؟
ولمن لا يدرك أهمية الإعلام في مواجهة الأمراض والأوبئة تفحصوا تقارير اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية وبرامج الأمم المتحدة للسكان ووزارة الصحة حول موجات الأوبئة والأمراض في منطقة مثلث الأمل قبل وجود المحطة الجهوية لإذاعة موريتانيا في باركيول.
ألم تكن الأمراض بشتى صنوفها تضرب هذه المنطقة من الوطن دون رحمة وتسبب مئات الإصابات وعشرات القتلى سنويا بسبب غياب ثقافة صحية قبل وجود هذه الإذاعة.
هل يمكن تجاهل الدور الذي يمكن أن تقوم به إذاعة التثقيف الصحي في هذا المجال في عموم موريتانيا خصوصا في الأرياف والبوادي التي لا يصلها المدونون ولا منصاتهم التي لا تتجاوز نشاطاتها نقاط التفتيش عند مداخل نواكشوط وتصلها يوميا برامج إذاعة التثقيف الصحي وتشفي الغليل في مختلف الانشغالات والهموم.
نفس الشيء ينطبق على الإذاعة المدرسية التي قامت بدور بارز أيام الإغلاق المدرسي بفعل جائحة كورونا، وما زالت تقوم بأدوار مكملة للإذاعة الأم سبيلا لزيادة الوعي بأهمية التعليم وترسيخ ثقافة المدرسة الجمهورية في أذهان السكان، وإذاعة المجال المعدني (إذاعة الشكات) التي تعتبر المنبر الإعلامي الوحيد الذي يرافق المنقبين في مجاهرهم يوميا وهي الوسيلة الإعلامية الوطنية الوحيدة في تلك المناطق.
أعتقد أن موجة التعليقات التي نشاهدها الآن غير منصفة ولا تحترم عقل المتلقي الذي يتابع المخرجات الإعلامية لهذه المؤسسات ويدرك أهميتها في حياته اليومية.
محمد الحافظ عبد الله