ليس من المألوف أن تعلم الهيئة المكلفة دستوريا برقابة دستورية القوانين بقراراتها بشأن مشاريع قوانين نظامية عن طريق بيان صحفي، وربما قبل تبليغها لمن يهمه الأمر، وقطعيا قبل نشرها في الجريدة الرسمية.
لعله تعالق هذه القوانين مع العملية الانتخابية الحالة ما استدعى ذلك!
من الغريب أيضا في ظل تعدد مشاريع القوانين النظامية المعروضة على المجلس أن يرد الأمر بصيغة التفريد "قرار" كما تكرر في البيان:(" قرر أن كل هذه المشاريع القوانين النظامية"... "وسيبلغ هذا القرار لمن يهمه الأمر وينشر في الجريدة الرسمية.").
الاقتصاد في الموارد والجهد يسمح بالخروج على آلية العمل القارة، تلك أيضا علة واردة!
بدهية انتماء النائب للدائرة التي يترشح فيها ربما أسكتت القوانين عن اشتراطها، لكن القول بعدم دستوريتها عند ما تتضمنها مشاريع القوانين المعروضة على المجلس عصي الفهم، لولا أن المقيمين في الخارج لم يصل باسمهم يوما لقبة البرلمان من يعارض سلطة قائمة!
لكن، ما علة اعتلال قرارات المجلس في كل مرة تحال إليه مقتضيات من القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج؟!
أسس القرار الذى تحدث عنه البيان الصحفي المنسوب للمجلس الدستوري بشأن عدم دستورية:
" الفقرة الثالثة و الأخيرة من المادة: 2 من مشروع القانون النظامي، الذي يعدل بعض أحكام القانون النظامي رقم: 2018 - 007 الصادر بتاريخ: 12 فبراير 2018، المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج التي تنص: (في الدوائر الانتخابية المعنية، لا يمكن أن يترشح لانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج إلا الأشخاص الذين يقيمون فيها)،..." ،في توجهه ذلك على كون اشتراط الإقامة في تلك الدوائر للترشح للانتخاب :
1-"...مخالف لديباجة الدستور": -في انسجام تام مع حسم المجلس بشأن القيمة الدستورية للديباجة:" القرار رقم :004/2009 "- ولكن من دون أن يحدد المقتضيات التي تمت مخالفتها من تلك الديباجة؛ هل يتعلق الأمر بخرق الحق في المساواة باعتبار غياب اشتراط الإقامة بالنسبة للنواب من غير ممثلي الموريتانيين المقيمين في الخارج؟ أم على أساس أن ذلك الشرط يشكل مساسا بالحريات السياسية المؤكد على ضمانها من مدخل كون شرط الإقامة يشكل قيدا على الحق في الترشح! أو ربما على أساس تعارض ذلك مع بند من بنود الاتفاقيات الدولية المنوه عنها في الديباجة!
2-مخالف كذلك ولكن مع تحديد المقتضيات المخالفة ل:
" والمادة: 47 من التي تنص على: (ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات بالاقتراع المباشر. يمثل الموريتانيون المقيمون في الخارج في الجمعية الوطنية. يحق لكل مواطن موريتاني متمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن ينتخب نائبا إذا كان عمره لا يقل عن خمس وعشرين (25) سنة)"، فيتعلق مأخذ القرار في هذه الجزئية على إضافته بالنسبة للنواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج لاشتراط الإقامة فوق ما حددت المادة 47 /جديدة من الدستور من اشتراط: الجنسية والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية السن" خمس وعشرين (25) سنة".
وعلى اعتبار أن القول بعدم دستورية الفقرة المذكورة قد اقتصر في التأسيس على الحيثيتين السابقتين، فيكون قرار المجلس قد تجاهل كون الدستور معني بالأساس بوضع المبادئ العامة و ليس من شأنه مبدئيا أن يتولى التنظيم التفصيلي ، وأن ذلك المبدأ يجد تجسيده في هذا المقام في إحالة الدستور نفسه بخصوص تنظيم شروط انتخاب النواب إلى قانون نظامي ؛ ما يعني أن انتخابية أعضاء البرلمان وشروط الانتخاب لا يرجع بخصوصها للديباجة والمادة 47 /جديدة؛ بل إلى ما وجهت به المادة 48 (جديدة) من الدستور ، التي تنص على أنه:" يحدد قانون نظامي شروط انتخاب أعضاء البرلمان وعددهم وعلاواتهم وشروط الانتخاب، كما يحدد نظام عدم القابلية والتعارض.
كما يحدد القانون النظامي شروط انتخاب الأشخاص الذين يقومون فى حالة شغور منصب، بتبديل النواب لبقية المأمورية النيابية."
هنا تكمن المفارقة بخصوص تأسيس هذا القرار بعدم دستورية الفقرة التي تضيف "شرط الإقامة" بالنسبة للمترشحين لتمثيل الموريتانيين المقيمين في الخارج على مادة ترد ضمن قانون الدستور ذاته هو من أوكل له تحديد شروط انتخاب أعضاء البرلمان، وشروط الانتخاب.
إن اعتماد معيار ما حدد من شروط في المادة 47 /جديدة في الفصل بشان دستورية مقتضيات القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب يوجب بالضرورة المنطقية انسحابه على كل ما تضمن القانون النظامي رقم: 2018 - 007 الصادر بتاريخ: 12 فبراير 2018، المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج ، ما كان ليرتب القول بعدم دستورية أغلب تلك المقتضيات ؛ مثلا ما ورد في المادة الثالثة منه من أنه:" يجب على المترشحين تقديم خمسين توقيعا لموريتانيين يقيمون منذ أكثر من سنة على الأقل في الدائرة الانتخابية الخارجية، تصدق من طرف السلطات الدبلوماسية و/ أو القنصلية المختصة.
ولا يجوز أن يصدر أكثر من نصف هذه التوقيعات من دولة واحدة في الدائرة الانتخابية المعنية."، إذ لا يشترط الحصول على مثل تلك التوقيعات بالنسبة للمترشحين للوظيفة النيابية من غير المترشحين لتمثيل الموريتانيين المقيمين في الخارج، كما يغيب أي أثر قانوني بالنسبة لمكان الإقامة بالنسبة لأعضاء الهيئة الناخبة على المستوى الوطني، فالعبرة بمكان التسجيل فقط.
نفس الشيء بالنسبة لاشتراط الانتماء الحزبي الوارد في المادة 6 من نفس القانون، ولو أن نقاش دستورية ذلك القيد على حرية الترشح أكثر وجاهة من مجرد اشتراط الإقامة.
إن هذا الحول القانوني الذي يعتري -في كل مرة - قرارات المجلس الدستوري بمناسبة كل إحالة لمقتضيات من القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج للتقرير بشأن دستوريتها، يمكن رده إلى ما يسببه تعدد القوانين النظامية الناظمة لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية، رغم أنه من الناحية العملية، وحتى إذا تجاوزنا النقاش الوجيه الدائر بشأن جدوائية وجود مثل ذلك التمثيل أصلا. فإنه لم يكن من داع لوجود تلك الازدواجية بالنسبة لانتخاب نواب جمعية وطنية من غرفة واحدة، وخصوصا بعد اعتماد الاقتراع العام المباشر في اختيار جميع نوابها.
تأثر قرار المجلس الوارد في البيان الصحفي بوجود نصي الدستور والقانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية؛ فجاء القول بوجود خرق متعلق بإضافة شرط الإقامة الوارد في الفقرة 3 من المادة الثانية باعتبار مقتضيات قانون انتخاب النواب في الجمعية الوطنية الذي لا يتحدث عن وجوب إقامة النائب في الدائرة التي يترشح فيها. في حين أن ما رتب على ذلك التفاوت بين مقتضيات من النصين النظاميين المتساويين في الدرجة استخدم للتعبير عنه وصف عدم الدستورية، فلم يكن من بد في تلمس التأسيس من الاستنجاد بما توفره الديباجة من عموميات وإلى مقتضيات المادة 47 في ما تناولت من شروط ليست حصرية، ومع التجاهل التام للمادة 48/جديدة، التي يناقض وجودها عمل الآلية التي يتبناها المجلس بهذا الخصوص.
فى القرار رقم: 2018/ 010 - م. د، بتاريخ 12 فبراير 2018 حول دستورية مشروع القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج، أقر المجلس دستورية المقتضيات التي تعتمد الاقتراع غير المباشر في انتخاب هؤلاء النواب، رغم النص الصريح في المادة 47/جديدة من الدستور على:" ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات بالاقتراع المباشر " بانيا لذلك على تأسيسات من ضمنها :"أن الفقه الدستوري استقر منذ 1992 على انتخاب ممثلي الموريتانيين بالخارج باقتراع غير مباشر حيث كانوا ينتخبون من قبل أعضاء مجلس الشيوخ المنحل والآئل اختصاصه للجمعية الوطنية وفقا للتعديلات الدستورية 2017" وغيرها من التأسيسات التي كان وهنها سببا للجوء إلى التعديل الأخير موضوع البيان الصحفي.
رغم كل ما تقدم، فإن إعلان المجلس في بيانه الصحفي أن:" الفقرة الثالثة والأخيرة من المادة: 2 من مشروع القانون النظامي، الذي يعدل بعض أحكام القانون النظامي رقم: 2018 - 007 الصادر بتاريخ: 12 فبراير 2018، المتعلق بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج" غير دستورية، لا يمنع إصدار القانون لأنه لن يستدعي طلب قراءة جديدة له من طرف الجمعية الوطنية، مادام الأمر مقتصرا على هذه الفقرة التي يمكن فصلها عن مجموع القانون(المادة 23/الأمر القانوني رقم92-04 ،المعدل).
على الأرض ستكشف الممارسة عن صعوبات حقيقية تعترض مشاركة المقيمين في الخارج في الاستحقاقات النيابية؛ صعوبات تشمل النواحي الفنية والتنظيمية بخصوص ضبط اللوائح والحاجة لوجود تنسيق مع سلطات البلاد المضيفة وبامتداد دوائر نطاقها قارات العالم، ما يستحيل معه عمليا ضمان مشاركة فعالة من أفراد الجالية المهمومين أصلا بمشاكل الإقامة في مهاجرهم:" العمل –الدراسة –الاندماج ...".
فكرة مشاركة المقيمين في الخارج على مستوى الهيئة التمثيلية قيمة ومبررة بمنطق المساواة بين المواطنين وحقهم في المشاركة في تدبير شؤونهم، لكنها من الناحية العملية تحتاج لاعتماد التدرج في تطبيقها؛ بحيث يمنح هؤلاء حقهم في التصويت أولا، ثم في الترشح ثانيا، ويمكن أن يأتي ذلك من خلال منحهم حق الترشح على مستوى الدوائر الوطنية، وإلزام الأحزاب السياسية بتبني تلك الترشيحات. أما ضمان أن يكون من يمثلون أولئك المقيمين في الخارج من المقيمين في الخارج فعلا، فإن حضور الدورتين البرلمانيتين العاديتين خلال السنة البرلمانية لمدة مأمورية برلمانية من خمس سنوات مع الاحتفاظ بصفة مقيم بالخارج كاف لمراجعة المفهوم المقدم للإقامة.
يمكن الحد من وجود نصوص قانونية تستمد قوتها من تحصين غير مؤسس يمنحه المجلس الدستوري من خلال التعجيل بدمج المقتضيات الخاصة بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج في الأمر القانوني رقم 91-028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب فى الجمعية الوطنية، المعدل، والاستغناء نهائيا عن القانون النظامي الخاص بانتخاب النواب الممثلين للموريتانيين المقيمين في الخارج، ففي ذلك ما يساعد على سلامة الرؤية لدى المجلس الدستوري، ويدعم مقروئية النصوص الوطنية.
ذ / يعقوب ولد السيف