الجهد الصامت لمدير هادئ
من جدّ وجد، ومن زرع حصد.
يتبادر هذا المثل بشكل تلقائي إلى ذهنك وأنت تتابع توشيح المدير العام لقناة الموريتانية محمد محمود أبو المعالي ، يوم الثلاثاء.
لم يكن هذا التوشيح وليد الصدفة أو خبطة عشواء، بل جاء ثمرة لجهد جهيد ومسار جاد وعمل مستمر شكل ثورة قادها الكاتب الصحفي المتميز في مجال العمل التلفزيوني الوطني.
لا شك أنكم تتذكرون يوم "كانت التلفزة الوطنية أحسن وسيلة لجعل الناس ينامون بهدوء" كما وصفها الفقيد حبيب ولد محفوظ معبرا عن الملل المنوّم الذي ينتاب مشاهديها، كما تتذكرون كيف كانت الأسرة تنزعج بشدة عندما تصادفها، في غفلة، قناة الموريتانية فيرتفع صوتها بشدة دون سابق إنذار ليتسابق أفرادها إلى الشاشة من أجل وقف تشغيلها بأي ثمن. كما لا شك تتذكرون كيف اقتصرت تغطية الموريتانية لسنوات عدة على عاصمتي ولايتين هما تيرس زمور وداخلة انواذيبو وحرمت عشرات آلاف الموريتانيين في باقي الولايات من نقل همومهم ومشاغلهم؟
ألم تفكروا، ولو للحظة، كيف كانت وضعية العمال الدائمين والمتعاونين قبل تعيين ولد أبو المعالي، وما هي عليه الآن؟ وكيف كان مقر القناة ووضعية الإستديوهات وأسطول السيارات، ما بين الأمس واليوم من الفروق البيّنة؟
إنها ثورة حقيقية قادها ولد أبو المعالي على جميع المستويات، فأضحى المشاهدون يتسابقون إلى فتح قنوات الموريتانية كل حسب اهتمامه بعد أن هجروها سنينا عددا. وصار بإمكان الموريتاني أن يفخر برزمة التقارير وباقة البرامج التي تُسمعه صوت الرسمي، وصوت الموالي، وصوت المعارض، وصوت المستقل، وصوت المحلل، وصوت الشاكي، وصوت المثمن، وصوت المنتقد، وصوت ذي الصوت، وصوت من لا صوت له.
في عهد ولد أبو المعالي تحسن الكيف مئات المرات وتحسن الكم بأضعاف مضاعفة: زاد نقاء الصورة، وزادت جودتها، وتحسنت نوعية المحتوى، وتحسنت نوعية التجهيزات الفنية المستوردة، وزاد عددها.
وليست شهادات الكادر البشري، على هامش تكريم ولد أبو المعالي، إلا برهانا على مدى الإصلاحات الجبارة التي قادها في قناة الموريتانية، فها قد تميز مستوى التغطية الإخبارية والبرامجية بالشمولية، فتعاطت مع المواطن البسيط في مواقع تواجده، وربطت بين الشرق والغرب والشمال والجنوب عبر القناة والقنوات المشكلة للباقة التي أصبح بالإمكان تسميتها "الباقة الوطنية" دون مبالغة بعدما جعلت موريتانيا قرية واحدة تكمّل فيها كل جهة الجهة الأخرى ثقافة وموروثا حضاريا، فأصبحت "رك الحي" مقبولا لدى الجنوب "والمربط" مقبولا لدى الشمال، وهلم جرا. بمعنى أن قناة الموريتانية، بعد انتشارها الواسع، مكنت المواطن الشرقي من أن يعيش غربا دون أن يكون غريبا، وأن يعيش المواطن المنحدر من الغرب شرقا دون الشعور بالغربة أو العزلة.. لقد صهرت القناة كل الأمة في بوتقة واحدة.
والحقيقة أن ولد أبو المعالي ترك بصمة لاصقة في تاريخ التلفزيون الموريتاني الرسمي: في الشكل والمضمون والسمعة والكادر البشري، ما جعل توشيحه عرفانا مستحقا بجهود قام بها بصمت دون أن يبحث، مقابلها، عن أي تلميع أو تجميل أو دعاية.. لقد ظل كما هو، وكما عهدناه، شخصا يعمل في هدوء مجدٍ وصمت مثمر، ليحقق أضعاف ما يحققه آخرون في هرج وضوضاء. فهنيئا له التوشيح المستحق، وبوركت مساعيه.
سيدى أحمد ولد بيكر سيرى