تحتاج مواقف "المعارضة" الى الكثير من الدراسة فهي مواقف في اغلبها خارجة عن المنطق والعقل وتتسم بالغموض و صعوبة الفهم سواء كانت هذه المواقف مواقف جماعية او محاوﻻت فردية لكسب موقف آني او التموقعات المحكومة بالمصالح الحزبية والخضوع للسير وفق امﻻءات الحالة العامة لكل حزب او مجموعة سياسية مما فوت على معارضتنا "الوطنية" الكثيرة من الفرص في تعاملها مع اﻷنظمة وخصوصا النظام الحالي فالمراقب للعﻻقة بين الطيف السياسي المعارض يكاد يخيل اليه ان مستوى التنسيق والتفاهم يكون احسن و اجود فيما بين اطراف معارضة في عﻻقتها بالنظام منه في عﻻقة المعارضة فيما بينها مما يشوش على طيف كثير من متابعي الشأن العام ويطرح تساؤﻻت كثيرة حول مشكل الصف المعارض من نخبتنا السياسية من جهة و مدى حضور القضايا الوطنية في اولويات هذا الطيف من جهة اخرى.
الطيف المعارض اليوم يتشكل من ثﻻث جزر يفصل بينها الكثير من بحور التخوين و اﻻتهام و المزايدة مما اعطى فرصة اكبر للنظام في مواصلة تفرده بالكعكة و العمل في جو يطبعه الكثير من الهدوء وراحة البال وخصوصا حين يتعلق اﻷمر بامور مصيرية مثل الحوار و آليات التناوب و سبل التسيير الى غير ذالك من القضايا الكبرى فهو مدعوم بأغلبية برلمانية مطبلة -بطبيعة الحال- و يعايش معارضة يتكفل كل فريق منها بتثبيط الجميع والمواطن العادي غيرمؤهل اصﻻ لتشكيل كابح لطموحات النظام الساسية او للوقوف في وجه الفساد المتمادي والنهب الممنهج لمقدرات هذا الوطن.
الحقيقة التي ﻻ جدال فيها والبادية للعيان هي ان المستفيد اﻷكبر من واقع الصف المعارض اليوم هو النظام و المتضرر بصورة مباشرة من فتور هذه المعارضة و"شيخوختها" سياسيا وغياب اي مبادرة للملمة الشمل هو المواطن البسيط المفتقد الى جو آمن للعيش و البعيد كل البعد عن الحضور ضمن سياسة مهتمة بتخفيض اسعار حاجياته اﻷساسية او اﻻهتمام بتعليمه و العناية به صحيا هذا المواطن وهذا الوطن الضائع المبتلى في نخبه سواء منها المعارض والموالي.
لقد وجهت المعارضة لنفسها ضربة قوية ابان انتخابات الفين وسبعة اﻻنتخابات الرئاسية التي كانت فرصتها للوصول للحكم والقطيعة مع حكم العسكر ولكن ارتماء البعض في احضان السلطة يومها فوت تلك الفرصة على المعارضة ووقفت الحسابات الحزبية الضيقة عائقا امام العبور بالمعارضة الى سدة الحكم.
توالت بعد ذالك اخطاء المعارضة و زادت الهوة فيما بين اطرافها و اتسع الخرق على كل راقع لتتناقض المواقف و تتباين الرؤى و ليختلف الطرح.
فريق مهرول نحو الحوار مع النظام مهرول في الرجوع عنه وفريق ممتنع عن الخروج من الرفض متشبث بموقف مسبق من العملية السياسية مع النظام و فريق عاتب على الكل عاتب على المحاورين ان حاوروا وعلى غيرهم ﻷنهم لم يحاوروا و التخوين وشحن مواقف اﻷتباع هو سيداللحظة.
الوطن والمواطن بحاجة الى معارضة موحدة الصف تتعالى على الحسابات الضيقة وتعتمد التضحية في كل ماله عﻻقة بالوطن.معارضة حاضرة الى جانب المواطن البسيط متى احتاج الى ذالك تصارع من اجل أمنه و تحارب من اجل امور معاشه وصحته معارضة تنزل من ابراجها العالية والعاجية و تترجل عن سياراتها الفارهة لترى حقيقة البؤساء من ساكنة هذا المنكب تتألم ﻵﻻمه ﻻ معارضة تتصارع على الكراسي البرلمانية او المناصب البلدية او وظائف من فتات ما يجود به النظام مساهما بذالك في زيادة الهوة والتباين بين اﻻخوة اﻷعداء.
ان مواصلة المعارضة سياسة تفويت الفرص و السير قدما نحو التباين سيؤدي بها الى السقوط من عين المواطن وستفقد قدرتها في حشده مما يفقدها الهيبة امام النظام و يجعلها بالونات فارغة ستتكفل اﻷيام باهدائها الى الماضي.
بقلم محمد من محمودا