من يعرف الاستاذ حسنين هيكل عن قرب، يدرك كم كان هذا الرجل عملاقا في ميدانه وقدرته على التحليل، وتوظيف مفاجآته من منظار علمي، اقرب الى الدقة والموضوعيه ذات الطابع العروبي الوطني.
كان هيكل الذي فجعنا بوفاته اليوم ارستقراطيا في كل شيء، رغم جذوره المتواضعة اجتماعيا، انيقا في ملبسه ومظهره، معتدا بنفسه، مؤمنا بقيمه، ووفيا لمبادئه، ومعلمه الاول والاخير الرئيس جمال عبد الناصر.
كثيرون اختلفوا معه، حسدا وغيرة احيانا، ومن منطلقات عقائدية في معظم الاحيان، ولكنهم كانوا يهاجمونه، ويحترمونه، ويعترفون بقامته العليا سياسيا وصحافيا.
الراحل هيكل لم يكن مدرسة، وانما جامعة تخرج من مدرجاتها عشرات، ان لم يكن مئات الآلاف، واثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب السياسية التي تؤرخ لمرحلة من اهم مراحل النهوض العربي نحو القوة والحداثة والتعايش.
تعلم منه تلاميذه كيفية البحث عن المعلومة وتوثيقها، والكتابة بلغة يفهمها العامة قبل النخبة المثقفة، وترتكز الى موقف سياسي واخلاقي قوي، لا يساوم ولا ينحني.
بوصلة الراحل هيكل كانت مصر، وبوصلة مصر في منظوره كانت العروبة التي جوهرها القضية الفلسطينية، وكان عميد كل الذين يؤمنون بعروبتها وعدالتها، وخطر المشروع الصهيوني على الامة العربية بأسرها، والمحرضين على حشد كل الامكانيات، وبذل كل التضحيات من اجل التصدي لهذا الخطر واجتثاثه.
الراحل هيكل عارض اتفاقات كامب ديفيد بشراسة، ووقف موقفا صلبا في مواجهة اتفاقات اوسلو، ومهندسيها وموقعيها، وكان في الخندق المقاوم للاحتلال الامريكي للعراق، رغم عدم وفاقه، او اتفافه، مع الرئيس صدام حسين، وآمن بأن ما تتعرض له سورية “مؤامرة”، ولم يهادن المملكة العربية السعودية واسرتها الحاكمة مطلقا، وكان من اكثر المعارضين لاي تقارب مصري معها، لاعتقاده بأنها وقفت ضد القومية العربية، والمشروع الناصري الذي كان ابرز منظريه ودعاته.
هاجمه الكثيرون، داخل مصر وخارجها، لانه ايد الانقلاب العسكري الذي اطاح بحكم الرئيس محمد مرسي والاخوان المسلمين، واتهموه بدعم حكم العسكر على حساب رئيس منتخب ديمقراطيا، واجهاض الثورة المصرية، ولكنه لم يعبأ بهذه الاتهامات مطلقا، ولم يرد عليها، كعادته دائما في عدم الرد على مهاجميه ومنتقديه، وهو النهج الذي اتبعه على مدى سبعين عاما على الاقل من تربعه على عرش الصحافة العربية.
كان الراحل هيكل هو آخر عمالقة الزمن العربي الجميل، زمن “ارفع رأسك يا اخي انتهى عهد الاستعمار”، ومن ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب، والمسرح القومي، والسينما الهادفة، وتأميم قناة السويس، وحرب الاستنزاف، ونهوض الامة بعد هزيمة حزيران (يونيو)، وظهور المقاومة الفلسطينية، والقائمة طويلة.
نعتز في هذه الصحيفة “راي اليوم” ونفتخر بأننا من خريجي مدرسة الراحل هيكل الاعلامية وان اختلفنا مع بعض مواقفه السياسية، وسيظل قامة كبيرة بالنسبة الينا، لانه ترك ارثا صحافيا وسياسيا سيظل نبراسا للكثيرين من ابناء الاجيال الحالية والقادمة.
نقلا عن “راي اليوم”