غبائي الذي ندمت عليه..
اقتنعت بعد أن قوست الأعوم ظهري، وآذنت شمس العمر بالأفول أني لم أبرح طفولتي الساسية، وأن أفكاري كانت وهما رومانسيا سخيفا،
ظلت أحلم كما يحلم الأغبياء بغد أفضل، وعدالة شاملة، والأدهى أن نفسي سولت لي وقتا ما أني سأعيش أياما من حياتي في المدينة الفاضلة...
في حقبة الحلم تلك عانيت من الخيانة(القطعان في اظهر) وتراكم الخيبات.
(القطعان في اظهر) صناعة محلية صامدة فينا -أهل هذه الديار الغربية الغريبة- لم يشذب الوعيُ الأشعثَ الثائرَ من طباعها، ولم يهذبها التلاقي والتثاقف، ولم يزدها تداول الأيام وتبدل سنن الحياة إلا مناعة ورسوخا..
هل رأيتم آلمَ من تولي من خِيلُوا يوما رسلَ النور إلى سراديب الظلام والبدائية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ لله أبوهم أي عمل أقضى على شرف، وأحط لشأن، وأجلب لهوان وضعة من ردة الأحرار عن دروب الكبرياء؟!
رأيت قامات منحتُها في غفلة من وعيي، وفوران من غبائي مكانة النجوم، وهبتها ما لا تستحق، وهبتها الثقة المطلقة مؤمنا أنها عاضة عليها بنواجذ الشرف والإخلاص، رأيتها تهوي في القاع، نعم رأيت الأصنام التي عبدتها طويلا تتضاءل وتختفي كأنها لم تكن شيئا مذكورا..
رأيت قيما آمنت بها وأغرتني حد الانبهار تنهار، خدعوني أباطرة التمثيل(نعم خدعوني كما أكلوني البراغيث) تعريهم الأطماع، وتثني رقابهم المذلة والهوان، وتنكشف سوآتهم فلا يأسفون ولا يخجلون ولا يخصفون عليهم من العفة والحياء ورقا ولا ريشا...
من يستطيع أن يبني عمارات من الكلام العسلي بطلاء من الأباطيل والأراجيف إلا نحن؟
من يبدع في المواقف المتحورة، والمبادئ المتحولة إلا نحن؟
من يتباهى بتطويع الثوابت والمسلمات، ونترها بالآذان تذكيةً لفجور المطامع إلا نحن؟
لا أرى داعيا لقلق الأنظمة منا فنحن شعب رضيع في دنيا الديمقراطية والنضال، مازالت في أفواهنا (بِيبْرُوهَاتْ) حليب قلْ ولا تفعل، كلْ ونَمْ، كن أسدا في الخصام، حَمَلا في الزحام...
يشعل ساستنا نيران نضالهم بحطب رقيق، ويبتعدون عنها جزعا كما يفر الأطفال من أصوات الألعاب النارية، فتفور كقنبلة لكنها تنطفئ بسرعة كفقاعة صابون..
وتموت قضاياهم وتخبو كما ينطفئ شهاب يتيم تحت غطاء سميك من رماد ليالي الصقيع...
نحن في السياسة مساكين تُسكتنا اللقمة والدرهم وزجاجة العطر الرخيص، ويُغيِّر مسارنا صحن أرز بجناح دجاج مجمد....