يومَ أمس حضرتُ نشاطاً للمؤسسة العسكرية نظّمته الثانوية العسكرية بمناسبةِ اختتام العام الدّراسي ، ورغم المستوى العالي للحفلِ الذّي حضرهُ القائد العام لأركان الجيوش ، بالإضافة لقادة القطاعات العسكرية المختلفة ، إلا أنّني لاحظتُ شيئاً لم أعهده غالباً في النّشاطات الرّسمية .
كانت لافتةُ الحفلُ مكتوبةً باللغة العربية فقط ، ولم ينطقْ صاحبُ الرّبطِ بحرفٍ خارجٍ عن لغةِ الضّاد ، بل كانَ ربطهُ لطيفاً متنقّلا بين معاني اللغة الجميلة وأبياتِ شعرائها مثل أحمد شوقي والمتنبي والقاسم الشّابي وغيره .
اعتقدتُ أن الأمر حصرٌ على المدنيين ، واللافتةْ قد تكونُ بمحضُ الصّدفة ، لكنّي لاحظتُ أن كلمة قائد الثانوية كانت بعربيةٍ جميلةٍ أيظا ، وبفصاحةٍ عالية ، وكذا الشّهادات كلّها كتبت بالعربية أيظا ، ولم يقتصر الأمرُ على ذاك فقط ، فكّلُ التلاميذ المتفوقين قدّموا أنفسهم أمام الحضور بتعريفٍ عربي بداية من الإسم وحتّى الأقسام ، هذا رغم أن الثانوية تحتوي أقسام علمية فقط ، أي أنّها تمتلك حجّة حال أرادت التبرير بالفرنسية .
بعدما انتبهتُ للأمر تجولتُ في نواحي الثانوية لأرى هل الأمر محضُ صدفةٍ أم لا ، فلاحظتُ أن الزّي الرسمي كتب عليه بحروفٍ عربية أيظا، ولوحات الإشارات وعناوين المباني كذلك، والأجمل أنّ ممرات الثانوية زّينت بأبياتٍ عربية جميلة تحث على التفاني في الطّلب وعباراتٍ تحفيزية ملهمة .
وأنا أرى هذا المشهد الجميل تذكّرتُ عقدةَ النّقصِ اللغوي التّي تلاحقُ البعض هنا ، واعتبار آخرين للحديثِ بها أو التعبير عنها علامة تخلّفٍ ودليل فشل ، ورأيتُ كيفَ سقطت هذه الحجة الواهية أمام مؤسسة احترمت لغتها رغم تخصصها العلمي فما زادها ذلك إلا رفعة ، إذ حقق طلابها نسبة نجاحٍ 100% في المسابقات الوطنية ، وفاز طلابها في أولمبياد الرياضات في المغرب والنرويج ، وحصلوا على منحةِ الموهوبين العرب في السعودية ، وكانَ أحدُ طلابها صاحبْ أعلى معدّل في مادة الرياضيات في تاريخ البلد ، ومستوى تميّزها لا يجهله أحد .
انتهى الحفلُ منظّما كما بدأ ، وغادر الجميعُ دون امتعاضٍ أو حديثٍ عن إقصاء الآخر ، فمن يحترمُ نفسه سيفرضُ على الجميع احترامه ، وفي هذا نموذجٌ للمؤسسات الواهية وأصحاب الإنجازات التافهة ، ممن يحسبون انسلاخهم من لغتهم سبيلاً نحو التّميز والإنجاز ، هذه الحقيقة ماثلةً أمامكم وهذا حالكم وهذا حالُ غيركم ، فانظروا ماذا ترون !
العربيةُ جمال ، والعربية بهاء ، والعربية تاجُ فخارٍ وعزٍّ لمن استمسك بعراها الغليظة ، والعربية خافضةٌ رافعة ، تعزُّ من اعتزّ بها ، ويُذلُ كل متعالٍ عليها ، وشواهدُ التاريخ لا تكذب .
اعتزّوا بلغتكم
إبراهيم محفوظ