نوافذ (مكة المكرمة) ــ أجرى موقع ومنصة "نوافذ" مقابلة خاصة مع النائب الموريتاني عن دائرة آسيا محمد سالم أبو عبد الرحمن، تحدث فيها عن قصته مع الغربة ، وكيف شق طريقه في مجال المال والأعمال، وأبرز المحطات التي أثرت في مسيرته، بالإضافة إلى مواقفه السياسية، ونظرته للحياة، وتجربته الأخيرة في المشاركة في تنظيم وإعاشة الحجيج الموريتاني خلال موسم 1443هــ .
وفي ما يلي نص المقابلة :
أبو عبد الرحمن : أحمل الإقامة المميزة بالسعودية ... وسعيد بأنني شققت طريقي بالاعتماد على النفس
نوافذ : بداية من هو محمد سالم أبو عبد الرحمن؟
النائب أبو عبد الرحمن : أنا رجل موريتاني تغرّب مبكرا ، بدأت حياتي بالدراسة المحظرية على غرار أترابي في موريتانيا، ثم التحقت بالمدرسة النظامية ، حيث درست الابتدائية والإعدادية والثانوية في بتلميت، والجامعة في ليبيا والبحرين ، وصلت المملكة العربية السعودية قبل نحو 28 سنة في عمرة رمضان ، ثم مكثت بها إلى موسم الحج الموالي ، وبعد تأديتي حجة الفرض بدأت البحث عن فرصة عمل وقادني البحث إلى مدينة الرياض، ثم إلى المنطقة الشرقية في الدمام تحديدا، حيث وجدت فرصة عمل في شركة بدأت فيها محاسبا، ثم بعد سنوات أصبحت رئيسا لقسم المحاسبة بها، ثم مديرا ماليا ، ثم نائب رئيس مجلس إدارة ، ثم مسيرا عاما ، وبعد أربع عشرة سنة من العمل بهذه الشركة تفرغت للأعمال الخاصة ، وبدأت بالإيراد والتصدير بين السعودية والصين ، ونجحت في تلك التجربة، ثم بدأت أستثمر في القطاع الخاص حتى كونت اسما تجاريا ، وأصبحت أملك شركة مصنفة في مجال التصريف الصحي ، وتصريف الأمطار، والإعاشة ، وتجارة الأجهزة الكهربائية والمنزلية ، وواصلت مسيرتي حتى حصلت على الإقامة المميزة بالسعودية، والتي مكنتني من تسجيل أملاكي باسم الخاص، مع مزايا كثيرة .
سعيد بأنني شققت طريقي بالاعتماد على ذاتي ، حتى كونت اسما بهذا البلد المضياف .
نوافذ : وما ذا عن موريتانيا ؟
أبو عبد الرحمن : قمت باستثمارات في موريتانيا نجح بعضها وفشل البعض الآخر، كما ساعدت الكثير من الموريتانيين في المنطقة الشرقية من السعودية ، وساهمت في تشغيل المئات منهم .
قادتني طموحاتي إلى قبة البرلمان الموريتاني حيث انتخبت نائبا عن دائرة آسيا، وقد كنت حريصا على أن أتبوأ هذا المنصب لمساعدة المغتربين انطلاقا من معرفتي بمشاكلهم ، ومعايشتي لهم .
بفضل هذا الطموح كونت علاقات جيدة مع جاليتنا التي يبلغ تعدادها نحو ثلاثين ألف نسمة، وهي جالية لا أعتبرها سلبية بالمطلق، فقد قدمت الكثير لموريتانيا خاصة في إيوائها للحجاج والمعتمرين ، وإعطائها صورة مشرقة عن البلد .
وإلى جانب هذه الجالية أهتم بجالياتنا في الإمارات وقطر وتركيا وقد أنشأت مع زملاء لي اتحاد الجاليات الموريتانية في العالم للربط بين الموريتانيين في مختلف القارات ، واستطعنا بفضل هذا الاتحاد توفير الكثير من فرصة العمل ، وبناء شبكة علاقات تخدم المغترب أينما كان .
نوافذ: أثير الكثير من اللغط حول حصولكم على صفقة إعاشة الحجاج الموريتانيين لهذه السنة كيف كان الطريق إلى الفوز بهذه الصفقة ؟
أبو عبد الرحمن: المبدأ عندي هو خدمة الحجاج الموريتانيين، حيث ما كانوا وكيف ما كانوا، بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهم، وتباين الجهات التي قفلوا منها، ومن غير الوارد الجدل حول فوزي بصفقة إعاشة الحجاج لهذا الموسم 1443هـ، فهي حق طبيعي حصلت عليه بوصفي المستثمر الموريتاني الوحيد الذي يملك شركة مصنفة ومعتمدة في المسار السعودي بل والدولي في مجال الإعاشة، ولا نظير لها في الشركات الموريتانية.
ثم إن المنافسة على هذه الصفقة كانت بيني ورجال أعمال سعوديين ، وقد نجحت في مرتنة إعاشة الحجاج لأول مرة في تاريخ الحج الموريتاني، وكانت تجربة جيدة بالنسبة لي أطمح في المستقبل لتطويرها حتى تشمل الحجيج التركي والجزائري والمغربي وقد قطع خطوات مهمة في هذا الاتجاه.
نوافذ: كيف حصلت على هذه الصفقة؟
أبو عبد الرحمن : تقدمت لها كمستثمر موريتاني، حيث قدم عروضا للجانب الموريتاني سنة 2019م، وكانت عروضي مدعمة بوجود فعلي على الأرض، ومعرفة بخصائصها، وتم قبول هذه العروض ثم الوفاء بالالتزامات المترتبة عليها في هذا الموسم بعد تعطل المواسم السابقة بفعل كوفيد19.
هذه الصفقة تتعلق فقط بإعاشة المشاعر (منى وعرفه)، وتميزت بمطبخ موريتاني خالص، في سابقة في تاريخ الحج الموريتاني، حيث تم اختيار المشرفين على هذا المطبح من بين أشهر الطباخين من المغتربين الموريتانيين بالسعودية، وقدمت فيه سبع وجبات موريتانية، بينها وجبة (الكسكس)، وتم التركيز فيه على اللحوم الحمراء تماشيا مع الذائقة الموريتانية، كما كانت مرتنة إعاشة الحجاج فرصة لتوفير فرص عمل لمائة موريتاني في المدينة ونحو ذلك في مكة المكرمة، ولأول مرة في تاريخ الحج الموريتاني كذلك استطاعت شركتنا تقديم 3000 وجبة في يوم عرفة، وتغذية حجاج الوكالات والحجاج من المقيمين، بتميز وانسيابية تامة.
ويمكننا القول بكل ثقة إننا بذلنا الغالي والنفيس من الوقت والإمكانيات ليكون الحج هذه السنة حجا نموذجيا، وميسرا ، ومميزا، وكان مستوى الرضا عن هذه العملية عاليا، فيما كان مستوى الطموح أكبر ، ونرجو من العلي القدير التوفيق في أن تكون المواسم القادمة أفضل.
لقد خرجنا من الحج بخبرة كبيرة ، وهي أول تجربة ناجحة للحج لم يتضرر فيها حاج ، ولم تسجل أمراض في الحجاج، وكان الحج نموذجيا وميسرا، ومغايرا لما عهدناه في السابق سواء على مستوى نظافة المخيمات ، أو الوصول لعرفة التي وصلها كل الحجاج قبل السادسة صباحا ، كما كان السكن في المدينة قريبا من الحرم، وفي مكة كان أقرب بكثير من ما كان عليه في المواسم السابقة ، وتم توفير باصات نقل ترددية للتغلب على مشكل بعد السكن في مكة المكرمة، وقد ساهمت هذه الباصات أيضا في تسوية عمرات للحجاج بعد انتهاء أيام التشريق .
وعلى العموم فإن العمل البشري لا بد فيه من نواقص وهي النواقص التي نطمح للتغلب عليها في المواسم القادمة بحول الله .
لا يفوتني التنويه بأنني سعيد بالعمل مع فريق الإشراف على الحج بقيادة وزير الشؤون الإسلامية الداه ولد أعمر طالب ومدير الحج وكنت شاهدا على حرصهم على أن تكون ظروف الحج جيدة ، حيث كان الوزير يقدم الطعام بيده للحجاج ،ويجلس بينهم وهو ما عبر عن تفانيه وإخلاصه في أداء عمله وغير الصورة النمطية عن المشرفين على الحج.
نوافذ : شكا عديد الحجاج من غياب الإرشاد في الحج لهذا الموسم معتبرين أنه مثل أكبر تحد واجههم بل وعرض مناسكهم للضياع ما رأيكم؟
أبو عبد الرحمن : الإرشاد لست على دراية بملفه إلا أنني أظن أن الوزارة قامت به، وخصصت مرشدا لكل خمسين حاجا، ولست مطلعا على ما جرى في هذا الملف بحكم انشغالي في ملفات أخرى، إلا أنني أطالب بأن يطّلع المرشدون بدورهم، ويستشعروا المسؤولية الدينية والأخلاقية .
نوافذ : لوحظ أيضا أن الحجيج الموريتاني في مخيمه وفي أدائه للمناسك كان ترك العلامة له علامة حتى أن اسم موريتانيا وعلمها كانا غائبين في مدخل مخيمها للحجيج بمنى ؟
أبو عبد الرحمن : المخيمات بالمشاعر لا تتعلق بالجانب الموريتاني ، وأعتقد أنه كانت هنالك لوحات، وربما فعل الاستعجال فعله في هذه القضايا التنظيمية التي لا أنكر أهميتها، فهنالك أفكار مهمة تم طرحها في مجال التنظيم والزي يمكن تطويرها والاستفادة منها في المواسم السابقة .
نوافذ: المقيمون مثلوا تحديا آخر للحجاج في هذا الموسم أدى إلى اكتظاظ مخيمهم وتشريد بعضهم، ويقال إن المشرفين لم يقوموا بدورهم في الوقوف في وجه ما سماه بعض الحجاج زحف المقيمين ؟
أبو عبد الرحمن : المقيمون من أبناء هذا البلد المبارك، وقد قدموا خدمات جليلة له في الماضي ، وصبرنا عليهم في منى وعرفة جزء من رد الجميل الذي أسدوه في الماضي، ومن أتانا منهم لا يمكننا تسليمه إطلاقا للجانب السعودي لإبعاده ، فإذا لم نؤوهم لن يجدوا مؤويا ولا نصيرا هنا ، وشخصيا لا يمكنني أن أقوم بأي تصرف غير لائق تجاه مقيمين ذنبهم الوحيد أنهم جاءو محرمين لمخيم يحمل اسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، وقد تم بين كل هذه الإكراهات حل هذا المشكل .
نوافذ : بالخروج عن الحج وإشكالاته ما أبرز التحديات التي تواجه الجالية الموريتانية بالسعودية ؟
أبو عبد الرحمن : من أبرز التحديات التي تواجه المقيمين الموريتانيين بالسعودية انتهاء صلاحية الإقامات ، وبالتالي وجود بعضهم في وضعية غير نظامية ، ما يكوّن لديه مشاكل في التعليم والصحة والسكن .
إلى جانب ذلك توجد مشكلة التعليم العالي بالنسبة لأبناء الجالية وقد قطعت الدولة خطوات مهمة في حل هذا المشكل، وما زلنا نطالب وزارة التعليم العالي بعقد اتفاقيات مع الجانب السعودي لمنح مائتي كرسي على الأقل لأبناء الجالية في التعليم العالي .
كما نطالب بالتمييز الإيجابي في الاكتتابات داخل البلد والإشعار بها على الأقل ، ومنح قطع أرضية لأبناء الجالية لبنائها واستغلالها عند العودة ، على غرار ما نشاهد في كل العالم من أحياء للمغتربين ، ونحن مستعدون لاستصلاحها وتخطيطها .
كما نطالب بإعفاء القصر من أبناء الجالية وكبار السن من رسوم الأوراق المدنية، ونشكر رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني على الأهمية الكبيرة التي يمنحها للمغتربين عموما، والجالية في المملكة العربية السعودية خصوصا، وتوصيته بالإحسان إليها وإكرامها .
من المشاكل المطروحة للجالية أيضا مشكلة التأمين الصحي وهنا نطالب وزارة الصحة بعقد اتفاقيات مع الجانب السعودي تتيج لأفراد الجالية الاستفادة من خدمات التأمين الصحي ، كما نطالب "تآزر " بإشراك فقراء الجالية في برامج المساعدة التي تقوم بها ، وفي الجانب الرياضي لدينا كفاءات رياضية نطالب الاتحادية ووزارة الشباب بالاستفادة منها.
نوافذ : في حوارنا مع أفراد الجالية هنا بالسعودية كانت رسوم الإقامة أكثر ما يؤرقهم ما الذي قمتم به في هذا الاتجاه؟
أبو عبد الرحمن : رسوم الإقامة شأن سيادي للمملكة العربية السعودية ، وعام على كل الجاليات، وليس من الأعراف الدبلوماسية المطالبة بتغييره، أو إلغائه، وعلى جاليتنا أن تتعامل مع هذه الرسوم بوصفها واقعا معاشا لا بد منه، وتواجهه بالعمل والإنتاج، فالسعودية بلد خير وفرص للمرأة والرجل معا، وهذا ما كرسه الانفتاح الأخير للمملكة، وعلى الجالية أن تستغل هذا الانفتاح لصالحها، وتتحول إلى جالية منتجة .
وأطالب أفراد جاليتا بأن لا يقبلوا بأي حال من الأحوال أن يذهب أطفالنا ضحية لهذه الرسوم ، ويضيع مستقبلهم بسببها ، بتركهم يجلسون في البيوت دون دراسة ، بل يجب أن ندفع عنهم الرسوم أو نسهل لهم العودة إلى وطنهم فالعودة ليست جرما.
نوافذ: هل يطمح أبو عبد الرحمن إلى أن ينتخب في البرلمان لمأمورية جديدة ؟
أبو عبد الرحمن : بكل تأكيد .
نوافذ : وإذا كان الانتخاب في البرلمان ليس متاحا في مقعد آسيا هل سترضون بغيره ؟
أبو عبد الرحمن : أنا رأيت نفسي في هذا النظام ، ومستعد لخدمته من أي موقع ، لكني أعتقد أن ما أقدمه له من موقعي في الخارج أهم من ما يمكنني تقديمه له في الداخل، نتيجة المعرفة والارتباطات.
نوافذ : كيف تسيرون الحملات الانتخابية في دوائركم ؟
أبو عبد الرحمن : نسيرها كما تسير أي حملة ، مثلا حملة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسيات 2019م أنا سعيد بأنني كنت الفاعل الأبرز فيها ، ومولتها على نفقتي الخاصة من الألف إلى الياء ، ولم يشارك في هذا التمويل لا الحزب ولا الجالية ، فقد تكفلت بها نقلا وتموينا، وتسجيلا وقضايا لوجستية؛ ومستعد لبذل المزيد دعما لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وخيارته لبناء موريتانيا قوية ومزدهرة ومتصالحة مع ذاتها.
نوافذ : ما تقييمكم لوضعية البلد بعد ثلاث سنوات من تسلم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة ؟
أبو عبد الرحمن: بلدنا يعيش حالة أمن واستقرار وتصالح مع الذات، بعد نجاحه في الخروج من أزمة كوفيد19 بأقل الأضرار، فمشاريعه أغلبها ممولة من ميزانية الدولة ، ورواتب موظفيه تدفع بانتظام وفي وقتها، والمعيشة فيه مقبولة، ويتطلع للغاز في أفق 2023م ، ما سيتيح له رخاء، هذا فضلا عن روح التسامح والعافية والأخلاق التي يتميز بها الموريتانيون وهي نعمة كبيرة، وبالجملة فإني شخصيا راض عن الوضع القائم في البلد؛ وداعم بقوة لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وبرنامجه الطموح تعهداتي .
نوافذ: هنا سنصل إلى الأسئلة الخفيفية ونبدؤها بالسؤال عن :
ــ سياسي يعجبك ؟
أبو عبد الرحمن: يعجبني السياسي الواقعي الصادق مع نفسه .
نوافذ : هل يمكن أن تذكر اسما ؟
أبو عبد الرحمن : ربما هم كثر
نوافذ: هوايتك المفضلة ؟
أبو عبد الرحمن : السباحة .
نوافذ: كتاب قرأته فأعجبك ؟
أبو عبد الرحمن : كتاب : افعل ولا حرج لعائض القرني وهو بالمناسبة في باب الحج .
نوافذ : موقف بقي معك ؟
أبو عبد الرحمن : تعجبني المواقف التي يساعد فيها الناس الناس، ومنها الخدمات الجليلة التي كان يقدمها المرحوم الشيخ محمد الحسين ولد حبيب الله لضعفاء مكة والمدينة ، وللموريتانيين بشكل عام ، ومنها موقف قدمه لي شخصيا وأنا أحوج ما أكون إليه ، يوم تقطعت بي السبل في مكة وأنا أهم بالسفر إلى الرياض بحثا عن العمل، حيث قدم لي عطاء سخيا مكنني من تغطية تكاليف السفر ، وفتح لي أبواب خير كثيرة رحمة الله عليه ، فما زالت هديته تلك تطوق عنقي .
نوافذ: موقف وقفته وندمت عليه؟
أبو عبد الرحمن: دعمي لأنظمة "خيبة الأمل " التي دعمتها وتنكرت لي .
نوافذ : هل تعني النظام السابق ؟
أبو عبد الرحمن : لا أحب التحديد
نوافذ : هل من كلمة أخيرة تود توجيهها للموريتانيين في الداخل والخارج ؟
أبو عبد الرحمن : أشكركم وأقدر لكم الزيارة والمقابلة، وأرجو ونحن على بعد أمتار من المسجد الحرام أن يوفقنا الله وبلدنا لكل خير ، ويديم عليه نعمة الأمن والاستقرار ، وأقول للموريتانيين إنه لا وطن لهم غير موريتانيا، ويجب عليهم المحافظة عليها بالسكينة والإخاء، فلا شيء يفرقهم، وتجمعهم الكثير من المشتركات كالدين والمصير المشترك، وعليهم المحافظة على وطنهم ببنائه ، والعمل على ازدهاره ونمائه .
نوافذ : شكرا لكم السيد النائب .