نازلة العقارات في موريتانيا ... اعتقالات وإحالات أعادت سوق العقارات للمربع الأول ...
دشنت السلطات الموريتانية، قبل أسابيع حملة اعتقالات واسعة في صفوف سماسرة العقارات في العاصمة نواكشوط، وهي الحملة التي لقيت تشجيعا كبيرا من المواطنين، خاصة أنها جاءت بعد تحذيرات أصدرتها وزارة الإسكان للمواطنين من بيع وشراء الأراضي التي قرر مجلس الوزراء مصادرتها وإعلانها ذات نفع عام، كما توعدت بملاحقة كل من يرفض الالتزام بقراراتها، ووصفتهم بـ”مزوري” أملاك وعقارات الدولة.
إلا أنه ومع اتساع نطاق الأزمة وطول أمدها برز الكثير من المشاكل المصاحبة كتعدد مالكي القطعة الأرضية الواحدة، والاستيلاء على الساحات العمومية، وقطع أرضية ليست مسجلة لدى المصالح الحكومية، مادفع الكثير من المواطنين إلى تقديم شكاوى لدى الجهات القضائية للفصل في نزاعات عقارية، وجعلهم يتساءلون عن نهاية النفق المظلم ؟ وجعلتهم يذهبون إلى أن مصادرة الأراضي التي حاز عليها أصحابها بطرق غير قانونية خطوة غير مفهومة ، بل راج في الأوساط العامة أن الدولة تصادر الأراضي لأغراض انتخابية .
مسار الأزمة مضطرب ومحير
مسار طويل ومضطرب ولم تتحدد نهايته بعد ذلك الذي سلكته أزمة العقارات بعد سلسلة الاعتقالات والإحالات التي طالت مجموعة من السماسرة المتهمين بتزوير رخص حيازة قطع الأراضي، ورغم الضغوطات الكبيرة التي تحركت من أجل إطلاق سراحهم، إلا أن متابعة السلطات العليا في البلد لهذا الموضوع والاهتمام به جعلت الشرطة تأخذ الأمر بجدية أكثر.
مصادر متعدد تؤكد في أكثر من مناسبة، أن السلطات العليا متمثلة في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ووزير الداخلية حينها محمد سالم ولد مرزوگ، شددوا على ضرورة عدم التساهل مع أي نوع من الفساد في قطاع العقارات، سواء تعلق الأمر بالموظفين الحكوميين، أو السماسرة والمتداولين.
غير أنه ومع طول المسار، وعدم اكتشاف أي ضوء في آخر النفق المظلم أصبح سوق العقارات يعيش أزمة اضطرابات سلبية، فقد فيها جزءا كبيرا من حجم التداول اليومي، بسبب عزوف المواطنين عن شراء قطع أرضية في مناطق كثيرة من العاصمة، من جهة، والضمانات التي يطلبها السماسرة من البائعين من جهة أخرى، وهو ما جعل كثيرا من المراقبين يرون أن الأزمة أعادت سوق العقارات إلى المربع الأول الذي دخله في غمرة أزمة الشيخ الرضى ، فالبنوك أصبحت تعزف عن أخذ وثائق الملكية كضمانات ، والمستثمرون أصبحوا يشبكون سواعدهم، وسمعة البلد أصبح على الملك بفعل استعصاء الأزمة على الحل .
المواطن البسيط أصبح هو الآخر في حيرة من أمره ــ رغم دعمه للخطوات التي قيم بها في اتجاه محاربة مزوري وثائق الملكية العقارية ــ إلا أنه أصيب بالإحباط، وغم عليه أمره ، ولم يعد يميز بين الصحيح والمزور من وثائق الملكية .
ارتدادات الأزمة الاجتماعية لا يمكن أن تخطئها عين المراقب ، فعشرات الأسر التي كان معيلوها يعتمدون على بيع وتسويق الأراضي عادوا إلى منازلهم بجيوب فارغة ، ولم يعودوا يجدون ما يعيلون به أسرهم، ما يعني أن أرقام البطالة ستتصاعد .
إلى أين تتجه الأزمة ؟
بعد كل هذه الارتدادات يصبح السؤال الأبرز هو إلى أين تتجه الأزمة بعد استحكامها ؟ مع العلم أن لجانا سابقة تم تشكيلها في عهد النظام السابق لرسم خطة إصلاح عقاري ، إلا أن حمارها وقف في العقبة ، وعجزت عن التقدم ، ورأت أن تبعات هذا الإصلاح قد تضر بسمعة البلد ، وتؤثر على سوق العقارات فيه، ما جعلها تتراجع معتبرة أنها بذلك التراجع ترتكب أخف الضررين .
الأكيد أن الجميع مجمعون أن السماسرة المزورين يستحقون السجن والتنكيل إعلان الحرب عليهم ، إلا أن هذه الحرب يجب أن لا تعم بلظاها المستثمرين في القطاع العقاري الذي يعتبر ملجأ كثير من المستثمرين بينهم رجال أعمال كبار ، ونواب ، كما أن الكثير من جالياتنا في الخارج تعتبر سوق العقارات مجأها الوحيد للاستثمار في البلد .
بين هذا وذاك تبدو إلحاحية مطالبة الدولة بالقيام بتسهيلات تجعل المواطن يستعيد ثقته بالمصالح العقارية ، ويميز بين الصحيح والمزور من الوثائق ، وتجعله على بصيرة من أمره .