انتقل الى رحمة الله احد بناة موريتانيا الحديثة وابرز رجالات الدولة وأكثرهم كفاءة واستقامة .. انه الاداري والاقتصادي " محمد سالم ولد مخيطيرات" الذي اختاره الله الى جواره اليوم الخميس ٢٨ يناير ٢٠١٦.
كان الراحل من الطبقة الاخيرة من سلك المترجمين وأحد ابرز المدرسين في التعليم الابتدائي ، قبل ان ينتقل الى العمل الاداري والوظائف التسييرية والمالية .
عمل محمد سالم ولد مخيطيرات في منطقة الشرق الموريتاني في النعمة وتمبدغة في بداية مشواره الوظيفي ، وقد أحب هذه المنطقة وربط صلات وثيقة بأعيانها وفي مقدمتهم العلامة القاضي الشيخ المحفوظ بن بيه وأمراء أسرة اهل المحيميد العريقة ، وكان يحلو له أن يقول أن من أراد أن يعرف عمق هذه البلاد لا بد ان يزور منطقة الحوض ويختلط بأهلها الطيبين .
وفي نهاية الخمسينيات وعندما كانت الدولة الجديدة في طور التأسيس اختير الفقيد الى جانب صديقة المرحوم محمد الأمين ولد حامني لتلقي تكوين قوي في الادارة المالية في المدرسة الإدارية الفرنسية لما وراء البحار فلبث في فرنسا سنتين مكنتاه من ان يكون من طليعة النخبة الإدارية التي أسست السياسات والنظم العمومية للبلد الوليد الذي لم تكن له اي من مقومات الوجود المؤسسي الفعلي .
أوكل الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله للفقيد ثلاثا من أهم القطاعات الوزارية هي الداخلية والمالية والصيد ، فاضطلع بمهمته بكل اقتدار وأمانة ، فكان هو أول من وضع أسس النظام الإداري المالي متخذا الإجراءات الاولى للاستقلال المالي عن الخزينة الفرنسية ، كما وضع أسس أول سياسة وطنية للصيد ، وسعى لتطوير العمل الاداري في إدارة السكان وتنظيم الأقاليم الوطنية خلال توليه لوزارة الداخلية التي احتفظ الرئيس ولد داداه بحقيبتها خلال سنوات الاستقلال الاولى .
وبعد تقاعده تولى الفقيد مهمة قيادية في شركة الخطوط الافريقية في آبيدجان قبل أن يرجع للبلد ويعمل لمدة طويلة مستشارا لهيئة أرباب العمل خلال فترة رئاسة صديقه المرحوم " سيدي محمد ولد عباس " الذي كان يقول دوما في حقه "إن أسعد لحظاته هي الليلة التي يقضي سنويا في بادية إكيدي مع محمد سالم ولد مخيطيرات .. فلا يسمع رفثا ولا سوءا ولا إفتانا بشؤون الدنيا الفانية ".
في العقدين الاخيرين رجع الفقيد إلى مضارب الأهل في التاكلالت ، متجردا لعمل الخير وإعانة الناس وخدمة المحتاجين وعابري السبيل، دون أن يرضى بحياة المتقاعد المعزول فسعى إلى إقامة مزرعة نموذجية للصمغ العربي الذي كان أحد اهتماماته القديمة وقد سبق أن قدم حوله عملا بحثيا في نهاية الخمسينيات لا يزال يرجع اليه الباحثون اليوم بكل إعجاب وتنويه .
كان الفقيد قليل الكلام عن تجربته الغنية ومساره النموذجي في الحياة العامة ..وقد ذكر لي أحد الأصدقاء انه زار الرئيس ولد داداه أيام إقامته في تونس بعد خروجه من السلطة فلم يسأله الا عن محمد سالم ولد مخيطيرات من بين كل وزرائه وأعوانه السابقين ، وهو الذي كان يقول عنه : " محمد سالم من القلائل الذين يقنعون المرء أن الورع في الدين والأخلاق يمكن أن يجتمع مع الكفاءة في السياسة والإدارة".
رحم الله محمد سالم ولد مخيطيرات .. وانا لله وانا اليه راجعون