قال الدكتور محمد الأمين ولد مولاي ابراهيم نائب رئيس جامعة انواكشوط: إن التجربة النقدية في موريتانيا بمعيار تَجَذُّرِ التقاليد العلمية والأدبية في المجتمعات العربية بصفة عامة هي تجربةٌ ناشئة.
واستعرض ولد مولاي ابراهيم في محاضرة ألقاها بالمركز الثقافي المغربي مساء اليوم أهم المحاولات النقدية المؤسِّسَة في موريتانيا، قائلا: "أقدم أطاريح النقد لدينا هي أطروحة أستاذ الأجيال محمد المختار ولد اباه، التي نشرت لاحقا باسم "الشعر والشعراء في موريتانيا".
مضيفا: "مقدمة هكذا الكتاب تقدم لنا تصورا متسقا ومتماسكا من خلال المنهج النقدي التاريخي الاجتماعي في قراءته للنصوص وفي تصنيفه وتحقيبه لهذا الأدب، وجماليات القول وخصوصيات شعرية النص فيه".
ورغم تقسيم ولد اباه للمدارس الشعرية إلى ثلاث مدارس هي: المدرسة البديعية ومدرسة الشعر القديم والمستقلون، فإن منهج النقد التاريخي لم يسعفه لا بالمصطلحات والمفاهيم ولا بآليات الوصف، فجاءت عباراته قاصرة، تطغى عليها روح المتذوق.
الذين جاءوا بعد ولد اباه - وسماهم المحاضر بجيل الوسط - كانوا أكثر منه تمسكا بالمنهج، وتُمَثِّلُ هذا المنهج - حسب المحاضر- أطروحةُ الأستاذ عبد الله ولد بن احميده: "الشعر الموريتاني الفصيح".
وقد تميزت هذه الأطروحة بإضاءة جوانب لم يقف ولد اباه عندها كثيرا، وبانتقاده ومناقشته في قضايا معينة.
كما أنها ابتعدت عن المنهج التاريخي مستبدلة إياه بسوسيولوجيا الأدب، وارتبطت بالتحولات الثقافية والاجتماعية وتأثيرها على شعرية القول.
بعد هذه الأطروحة جاء عمل الأستاذ المرحوم جمال ولد الحسن الرائد: "الشعر الشنقيطي في القرن الثالث عشر: مساهمة في وصف الأساليب".
وقد علق المحاضر على هذا العمل قائلا: "لئن كان عمل ولد اباه عملا رائدا في الدراسات الأدبية، فإن عمل الأستاذ جمال عملٌ رائد في مجال الدراسات النقدية".
مضيفا: "ويكمن سِرُّ التفريق بين الأمرين هنا في أن جمال التزم منهجا محددا من المناهج الحديثة، هو المنهج الأسلوبي".
وقد انتهى الأستاذ جمال في أطروحته إلى أن مرجع الشعر الشنقيطي إلى حدود نهاية القرن الثالث عشر الهجري وبداية القرن الرابع عشر كان مرجعا ثقافيا هو الشعر العربي.
العمل الأخير هو عمل الأستاذ محمد ولد عبد الحي: "الأدب الحديث في موريتانيا"، ويتناول الشعر الحديث والأعمال السردية والمسرحية.
ولد عبد الحي تحدث في عمله عن ظهور الأنواع الأدبية، وربطها بالتحولات الاجتماعية والتغيرات الثقافية التي عرفها المجتمع الموريتاني إبان انتقاله من الريف إلى الحضر، وصنف النصوص وفقا لهذا.
وهو عمل مُبْتَدَأٌ في هذا المجال، بَنَتْ عليه الأعمال اللاحقة، ومنها عمل الأستاذ محمد الحسن ولد محمد المصطفى: "الرواية الموريتانية: البنية والدلالة".
ما يؤخذ على ولد عبد الحي أنه ظل أسيرَ أدواتٍ تاريخية واجتماعية لا تستطيع كشف جماليات القول ومستويات الإمتاع والمؤانسة في النص، وحتى في التأريخ له.
فأدوات سوسيولوجيا التاريخ والأدب مثلما كانت قاصرة مع العميد ولد اباه كانت قاصرة مع ولد عبد الحي، حيث جاء تأريخه منفصلا عن النص، فلم يعد هذا المدخل اليوم هو الملاصق والكاشف عن جماليات النص.
فالتحولات التي عرفها المجتمع الموريتاني كانت تحولات في الكلام.. في النثر.. ولم يكن تحولا في البنية الاجتماعية، فهو لم يعرف الطبقة المتوسطة إلا في فترة قريبة.
في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كانت هناك زمر اجتماعية تعيش في فضاء مغلق.. وبالتالي فإن مستوى التفاعل فيها وامتلاكها لرأس المال لم يكن ليحقق شروط النظرية القائلة بأن مجتمعات الثقافة لا تعرف ظهور الرواية إلا عندما تظهر فيها طبقة متوسطة.
ولاحظ ولد مولاي ابراهيم في نهاية محاضرته أن "التأريخ الثقافي هو آفة النقد الأدبي"، مضيفا: لا نكاد نجد للباحث كتبا بعد أطروحته إلا نادرا، فالقول يتوقف بعد مناقشة الأطروحة، وهو ما يؤثر على الإبداع والحياة العلمية.
مراسلون