إمارة تگانت مجد تليد و قرون من العطاء
بقلم د.محمد الراظي بن صدفن
لقد بات من المعروف أن انتصار قبائل مغفر على زوايا منطقة «القبلة» في حرب «شرببة» ١٦٤٤-١٦٧٤م ، مكنها من بسط سيطرتها و تأسيس كيانات سياسية خاصة بها عرفت بإسم «الإمارات الحسانية » حيث تأسست إمارة يحي بن عثمان في آدرار و إمارة أولا أحمد بن دمان في الترارزة و إمارة أولاد عبد الله في لبراكنه و إمارة أولاد امبارك في المناطق الممتدة من تگانت بإتجاه الرقيبة و الحوضين .
وقد بسطت هذه الأخيرة (امارة أولاد أمبارك) نفوذها على جميع قبائل تگانت بما فيها إدوعيش الذين خضعوا لسيطرتها التامة في البداية و شكلوا جزءا هاما من جيشها ، على الرغم من أن وجودهم في تگانت سابق وجود أولاد أمبارك بكثير حيث كانوا يشكلون أساس جيش الأمير الصنهاجي أبوبكر بن عمر الذي وافته المنية في رحلته الجهادية قرب القدية في الموقع المعروف عندنا اليوم بإسم مگسم بوبكر بن عامر و ذلك في سنة ١٠٨٨م .
ويعتبر بعض الباحثين أن إنتهاج أولاد أمبارك لنظام حكم يعتمد إعتمادا كليا على المغارم و ممارسة النهب و السلب على نطاق واسع كان سببا كافيا لتمرد إدوعيش الذين أعلنوا وقتها رفضهم المطلق للأساليب المنتهجة في إدارة شؤون الإمارة.
و أمام هذه الوضعية كان لزاما على أولاد أمبارك أن يستعينو ا بكامل قبائل مغفر المتواجدة في الإمارات الأخرى ، و تأسيس حلف جديد يستهدف شوكة إدوعيش و إنهاء عصيانها و فرض المغارم عليها و هو ما كان سببا مباشرا للقيام بحصارها المشهور المعروف بحصار «احنيكات بغدادة» و ذلك في سنة ١١٩٢هـ-١٧٧٨م و الذي استمر لمدة ستة أشهر حسب بعض المصادر .
في ظل هذه الظروف الصعبة أوفد إدوعيش وفدا من كبار قومهم إلى جماعة الحل و العقد في تجگجة طلبا للعون و المساعدة .
و قد كانت المدينة انذاك حاضرة علمية مزدهرة ياتيها الناس من كل حدب و صوب و ذلك بعد رجوع سيدي عبدو الله ولد الحاج إبراهيم من رحلته العلمية سنة ١١٩٠هـ .
و قد أبدى سيدي عبدو لله الذي كان يتولى إمامة المسجد آنذاك تعاطفا كبيرا مع إدوعيش نتيجة للحصار الظالم المفروض عليهم و دعى لهم الله بالإنتصار على عدوهم .
وقد عرف عنه رحمه الله تشبثه القوى بضرورة إرساء قواعد العدل و الإنصاف بين الناس و تطبيق الحدود الشرعية عملا بالكتاب و السنة و الوقوف بحزم في وجه كل ظالم .
كما قام سكان المدينة من العلويين عامة بدور فعال في المؤازرة و الإيواء لإخوانهم إدوعيش و شارك البعض منهم في التخطيط و التدبير لصد العدوان الذي باء بالفشل سنة ١١٩٢هـ ، بعد حسم المعركة و تحقيق النصر النهائي فيها لصالح إدوعيش و نزوح أولاد أمبارك بإتجاه لعصابه و الحوضين .
ويعتبر هاذ الإنتصار إذانا بتأسيس إمارة إدوعيش بتگانت سنة ١١٩٢هـ و تنصيب محمد شين ولد بكار ولد أعمر ولد محمد بخونه أميرا لها .
وقد حكم هاذ الأخير لمدة عشرة سنوات ( ١١٩٢-١٣٠٢هـ) .
و بموته ستعرف الإمارة تصدعات كبيرة في جبهتها الداخلية بفعل الصراع على السلطة بين محمد ول امحمد شين و اخوته من جهة ، وعمهم سيد أحمد ول بكار ول أعمر ولد محمد بخونه من جهة أخرى.
و قد انتهى هاذ الصراع سنة ١٢٠٧هـ بتتويج محمد ولد امحمد شين على رأس الإمارة خلفا لأبيه بعد انتصار جيش إدوعيش الموالي له (بخواگة) على جيش إدوعيش الآخر (المگزوزة) الموالي لعمه .
و تتزامن هذه الفترة مع خروج سيدي عبدو الله بن الحاج إبراهيم من مدينة تجگجة إلى البادية سنة ١٢٠٨هـ ، و ذلك بحكم أن المدينة لم تعد تتسع للمحظرة بعد الإقبال الكبير للطلبة عليها من جميع أنحاء البلاد .
و هو ما شكل فرصة لتوطيد العلاقة بينه و بين أمير إدوعيش الجديد الذي تتلمذ عليه و وعده بتنفيذ الأحكام الشرعية و إرساء دولة العدل و الإنصاف مقابل إضفاء الشرعية على حكمه و الدعاء له فوق المنابر بإعتباره أميرا للمسلمين و ولي أمرهم بدون منازع على هذه الجهة من البلاد .
و يتفق المؤرخون أن فترة حكم محمد ولد امحمد شين تشكل العصر الذهبي و فترة الإزدهار الحقيقية لإمارة إدوعيش التي قويت شوكتها و توسعت حدودها جنوبا حتي و صلت إلى أقصى الجنوب الشرق .
كما وصف الأمير محمد و لد امحمد شين من طرف العامة و الخاصة بالأمير العادل المهاب المطبق لشرع الله الذي لا يخاف في الله لومة لائم .
و بالرغم من التحديات الداخلية و الخارجية العديدة التي تعرضت لها الإمارة من بعده فإنها ظلت تلعب دورها المحوري في فض النزاعات و إبرام الصلح بين المجموعات و ضمان الأمن و السلم الأهلي، كما يحسب لها اسهامها الفاعل في الدفاع عن الحوزة الترابية للبلاد و صون كرامتها و تحقيق استقلالها .
اليوم ، بعد رحيل الأمير الرابع عشر محمد ول عبد الرحمان ولد بكار ولد اسويد أحمد فإني أتقدم أصالة عن نفسي و بإسم المجلس الأعلى لأسرة العلامة سيدي عبدو الله بن الحاج إبراهيم و نيابة عن مشائخ هذه المجموعة و وجهائها و كافة أفرادها بكامل تعازينا القلبية و مواساتنا لأسرة أهل عبد الرحمان ولد بكار ولد اسويد أحمد و لكافة إدوعيش في هاذا الصاب الجلل سائلين المولى عز و جل أن يتغمد الأمير الفقيد بواسع رحمته و أن يدخله فسيح جناته مع النبيئين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أؤلئك رفيقا و أن يبارك في ذريته و ذرية إخوته وبني عمومته الى يوم الدين .
و أن يعين الأمير الجديد على حسن التدبير و يسدد خطاه و يوفقه لما يحبه و يرضاه انه ولي ذلك و القادر عليه.
اللهم آمين و إنا لله و إنا إليه راجعون .