علاقة موريتانيا بإيران : تاريخ من الصعود والهبوط يدعمه المال وتدفعه الأيديولوجيا

ثلاثاء, 05/01/2016 - 11:16
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مع الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد

طُبع تاريخ العلاقات الموريتانية الإيرانية بالتغير والتحول منذ بدايته التي كانت في ثمانينيات القرن الماضي من خلال محاولة الثورة الخمينية التمدد في العالم بعد انتصار الخميني على الشاه .

البداية الحذرة

وجد الإيرانيون في النظام العسكري الموريتاني متنفسا لنشر  الفكر الثوري دون إلباسه لبوسا دينيا في البداية ، وهو ما جعلهم يستقطبون قيادات إسلامية موريتانية ، زار بعضها إيران في الثمانينات وحضر ندوات فكرية هناك ، والتقى مراجع شيعية ، دون ان يكون للقاء علاقة بالتشيع ، ومن بين الشخصيات الإسلامية التي زارت إيران الاستاذ اطليل وهو زعيم ما عرف باليسار الاسلامي الذي كان من أعضائه جميل ولد منصور الرئيس الحالي لحزب تواصل .

توتر بعد صفاء

كانت العلاقات الدبلوماسية مع ايران ممتازة في فترة الثمانينات قبل أن تقرر موريتانيا قطع العلاقات مع إيران انتصارا للعراق الذي كانت أياديه بيضاء على النظم الموريتانية وعلى المنشآت الموريتانية ، قطع كان للتيار البعثي الموريتاني دور أساسي فيه .

ورغم محاولة إيران نشر التشيع في المحيط الموريتاني (المغرب والسنغال) حيث تمكن المغاربة من طرد سفارتهم من الرباط بعد اتهامها بنشر التشيع ، فإن الرئيس الموريتاني آنذاك معاوية ولد الطايع استطاع أن يحمي بلاده من التمدد الشيعي ومن أي مطامح إيرانية بهذا الخصوص .

استدعاء التاريخ لخدمة السياسة

عندما أطيح بولد الطايع استبشرت الصحف الإيرانية بانقلاب علي على معاوية وقاموا بإسقاط تاريخي على الاسمين (معاوية - علي) وهم يقصدون انقلاب اعل ولد محمد فال على معاوية ولد الطايع ، مستلهمين قصص التاريخ وباعثين أيام الزمن الغابرة بين الصحابيين الجليلين 

العودة المثيرة

بعد قطعها تعاطفا مع العراق في حربه مع إيران لم تعد العلاقة بين البلدين الا في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عندما اتجه الى محور ايران - سوريا - ليبيا للضغط على الغرب من اجل الاعتراف بانقلابه على الحكم المدني الذي يمثله الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله .

وعن هذه العودة يتحدث الدبلوماسي الموريتاني باباه ولد سيدي عبد الله قائلا : " كان المجلس الأعلى للدولة- الخارج قبل 7 أشهر وبعملية قيصرية من رحِم انقلاب عسكري ضد رئيس منتخب- يسعى إلى سند خارجي من أي نوع، و إلى دعم مادي فى أفق انتخابات رئاسية لا تفصله عنها إلا شهور قليلة. وهكذا وجدت إيران فى موريتانيا ضالتها لتعويض خسارتها الدبلوماسية فى منطقة المغرب العربي.

ولم تكد تمر عشرون يوما على إغلاق السفارة الإيرانية فى الرباط، حتى كان وزير خارجية طهران آنذاك)منوشهر متكي( يجتمع فى انواكشوط، ولمدة ساعتين، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة.

و فى نفس اليوم، كشف مصدر إيراني أن طهران منحت موريتانيا مليوني دولار، ثم قال الوزير الإيراني جملته المشهورة، وهو يلوح بيديْه للطاقم الطبي فى مستشفى الأمراض السرطانية بانواكشوط: "نحن قادمون، والتجهيزات أيضا قادمة"، فى إشارة إلى مانــسب إليه، خلال اجتماعه بولد عبد العزيز، من "استعداد إيران للتكفل بكافة المشاريع التي كانت إسرائيل تنفذها أو التي وعدت بتنفيذها فى موريتانيا، وفى مقدمتها تأهيل وتجهيز مستشفى الأمراض السرطانية". "

إذن كان  النظام الحاكم في موريتانيا والذي يقوده محمد ولد عبد العزيز مضطرا بسبب الظروف المالية الصعبة الناجمة عن الحصار الذي فرض على موريتانيا بسبب الانقلاب العسكري الأخير، للبحث عن متنفس مالي فكانت إيران البلد المرشح لذلك نظرا لإمكاناتها ولبحثها هي الأخرى عن متنفس في المغرب العربي لنشر إيديولوجيتها الشيعية .

في يوم الاثنين الخامس والعشرين يناير 2010م وصل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الى العاصمة الايرانية طهران، في زيارة رسمية التقي خلالها كبار المسؤولين في البلاد  ، ليكون  أول رئيس موريتاني يزور إيران منذ ثورتها الإسلامية سنة 1979

ابرم ولد عبد العزيز خلال الزيارة اتفاقيات اقتصادية كان من نتائجها تزويد طهران نواكشوط بمجموعة باصات قيل انها عبارة عن صفقة تجارية مخفضة وليست هبة ، وقد أشيع يومها أنها ستلحق بمجموعة سيارات صغيرة ايرانية لاستخدامها سيارات اجرة داخل العاصمة إلا أنها لم تأت .

توالت الزيارات المتبادلة بعد ذلك بين كبار المسؤولين فى البلدين( شارك الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد الأغظف في مؤتمر دولي لمحاربة الإرهاب احتضنته طهران أواخر شهر يونيو 2011 ، وزار نائب الرئيس الإيراني انواكشوط فى نفس الأسبوع، حاملا دعوة إلى الرئيس الموريتاني للمشاركة فى قمة عدم الإنحياز التي انعقدت فى طهران نهاية أغسطس الموالي).

بعد ذلك بأقل من شهر، أجرى الرئيس الإيراني توقفا فنيا فى انواكشوط، وهو فى طريق العودة من نيويورك إلى بلاده، بعد مشاركته فى الإجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقبل نهاية العام،زار نائب آخر للرئيس الإيراني موريتانيا غداة اجتماع للقائم بالأعمال فى سفارة بلاده فى انواكشوط مع وزير الدفاع ومدير الأمن الموريتانييْن، لبحث "سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني " بين البلدين.

وكان من نتائج العلاقة الأخيرة بين موريتانيا وإيران تسليم طهران لأبي حفص الموريتاني لنواكشوط بدلا من أمريكا أو احد حلفائها وهو ما يعني أن طهران مهتمة جدا بعلاقاتها مع نواكشوط

الدبلوماسية في خدمة المذهب

خطان متوازيان نشطت فيهما الدبلوماسية الإيرانية إذن خلال فترتها الأخيرة في موريتانيا على عكس الفترة الأولى ، هما الخط السياسي والخط المذهبي  ، فخلال تواجد السفارة الإيرانية في فترة الرئيس عزيز أعلن موريتانيون كثر تشيعهم وبدؤوا في ربط صلات مباشرة ومعلنة مع الحوزات والمراجع الإيرانية .

ومن روافد المد الشيعي في موريتانيا الحوزة الشيعية في السنغال المجاورة التي بدأ ظهور الشيعة فيها عام 1969م بمجيء الشيخ الشيعي عبد المنعم الزين اللبناني للسنغال، بعد سنة واحدة من زيارة قام بها لهذا البلد، المرجع الشيعي المختفي موسى الصدر.

وقبل ما يزيد على عقد من الزمن أعلن مواطن موريتاني يدعى بكار ولد بكار عن اعتناقه للمذهب الشيعي ، ويقوم هذا الرجل بنشاط كبير في مجال نشر المذهب الشيعي وكتبه ومناهجه ، كما أعلن في مقابلات صحفية له أن بموريتانيا ما يزيد على أربعين ألف شيعي وهو الرقم الذي وصف بأنه تهويلي .

ويتزايد الحديث في الأوساط العلمية الموريتانية عن محاولته إقامة حسينية في منطقة عرفات بالعاصمة نواكشوط.

وفي السنوات الأخيرة، كثرت زيارة العديد من أئمة موريتانيا إلي إيران، كما أبدت طهران اهتماما كبيرا بعلاقاتها مع نواكشوط ،

وفي فبراير 2015م قام رجل الدين الشيعي اللبناني محمد قانصو بزيارة لموريتانيا، صاحبها الكثير من اللغط في الأوساط الدينية والإعلامية ، بعدما دشن مدرسة قرآنية صغيرة باسم الزعيم الروحي لشيعة غرب أفريقيا عبد المنعم الزين.

وفي الإطار نفسه نقل الدبلوماسي الموريتاني باباه سيدي عبد الله عن  دبلوماسي غربي، فى نيويوك قوله : " إن إيران حاولت عبر أطراف مقربة من النظام الموريتاني، الاستحواذ على إحدى القنوات التلفزيونية ومحطة إذاعية في موريتانيا " وهي المعلومات التي زكاها ولد سيدي عبد الله .

الانحسار المنذر بالتدهور

يرى مراقبون أن العلاقات الموريتانية الإيرانية تراجعت في السنوات الثلاث الأخيرة  بسبب التقارب الملحوظ لنواكشوط مع الرياض، تقارب ترجمته السعودية بدفع  ( 4مليارات أوقية  لموريتانيا ) وعلى غرارها دفعت الإمارات( 800 مليون أوقية من صندوق أبو ظبي للتنمية ) وهو ما قد يكون رد فعل من الدولتين على التحرك الإيراني السابق .

في المقابل انخرطت موريتانيا في حلف عاصفة الحزم خلال السنة المنصرمة ، وطالب ثلاثة وعشرون من نوابها بقطع العلاقات مع  إيران في يونيو 2015م ، وجرى الحديث حينها عن عزم النظام قطع العلاقات مع إيران تنفيذا لالتزاماته للسعودية .

اليوم وبعد إعلان المملكة العربية السعودية قطع العلاقات مع إيران قد تكون العلاقة بين البلدين دخلت مرحلة الخطر خاصة بعد بيان الخارجية الموريتانية الذي نددت فيه بالاعتداء على الدبلوماسيين السعوديين بطهران ، وهو ما يمثل انحيازا للسعودية على حساب إيران ، لا يستبعد أن يتطور إلى أبعد من ذلك حين يعود الرئيس محمد ولد عبد العزيز من عطلته في تيرس زمور ، خاصة مع تزايد المطالبات بمراجعة هذه العلاقات صونا لسنية البلد ، وحماية لمالكية مذهبه .

عبد المجيد إبراهيم