عندما أموتُ لا أريد أن يكون ذلكَ بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، بل أريده أن يكون بعد حوارٍ قصيرٍ مع الموت نفسِه (أو نفسها)!
أريد أن يلقيَ الموتُ تحيةَ المساء بكل أدبٍ، ثم يصطحبني في جولةٍ يجيب فيها على سؤالي المعلق منذ زمن حوله وحولي، و يتوقفُ في مكانٍ لا يعرفنا فيه أحد..
ثم يصفي الحسابَ سريعاً ولا يخبر أحداً.
عندما أموتُ لا أريد أن أنطفئ كمصباحٍ انقطعَ عنه التيارُ الكهربائيُّ فجأةً، بل أريد أن أموتَ كشمعةٍ احترقت واحترقت وهي تسيرُ عن وعيٍ إلى النهاية دون خوفٍ أو قلقٍ أو مقاومةٍ للمصير!
عندما أموتُ لا أريد أن يكون موتي حدَثاً؛ بل أريده أن يكون عابراً كسقوطِ كتابٍ من على رفٍّ، كالتماعِ برقٍ بعد/قبل مطرٍ.. ككشفِ الرِّيحِ عن ساقِ فتاة جميلة وهي تصعدُ سلما ما.
عندما أموت لا أريد لموتي أن يصدم أحداً.. الموتُ هو المتوقَّعُ الوحيدُ الأكيدُ في هذه الحياة، فلماذا يصدمنا؟
عندما أموتُ أريدُ أن أموتَ فعلا، لا أن أبقى.. من قال إن الموتى يهتمون لبقائهم بعد رحيلهم؟! نحن الأحياء قلنا ذلك، وهم الموتى أيضا قالوه ولكن عندما كانوا أحياء.. البقاءُ بعد الموتِ على قيدِ الحياةِ هو فقط أدبٌ وفلسفةٌ!
عندما أموتُ لا أريد أن يبكي علي أحدٌ، ولا أريد أن يعدد أحد خصالي المعلبَةَ، ولا أريد شاهدَ قبر كبيراً..
أريد فقط شيئا من الهدوء!
عندما أموت سأترك إرثاً من النسيانِ يسعُ الجميع.. اقتسموه بينكم عصيراً أو جلابيبَ وذكرياتٍ محنطةً.. ثم واصلوا حياتكم كأن شيئا لم يكن.
عندما أموتُ أريدُ أن أموتَ واقفاً.
كل هذا غباءٌ.. فعندما أموتُ لن أريدَ نفسَ هذه الجملِ المنمقة المكتوبة تحت رعاية الحياة.. عندما أموت ربما سأريدُ فقط ألاَّ أموتَ الآن. وحتى هذه "الإرادة" لستُ واثقا منها..
الموتُ خبيرٌ في قلبِ الطاولة بـ من/ما عليها!
أمير الشعراء محمد ولد إدوم