تدور حرب لا هوادة فيها هذه الأيام بين الحكومة الموريتانية وحزب "تواصل " ذي التوجهات الإسلامية ، حرب لا سلاح فيها سوى المحاظر والفقهاء والزكاة .
مصادر مطلعة تؤكد أن الحكومة الموريتانية ماضية في قرارها تجفيف منابع حزب "تواصل " ، ومعرفة موارده الاقتصادية ، وهو توجه تقول الحكومة إنه عربي وإسلامي فضلا عن كونه عالمي .
وفي طريقها إلى هدفها المنشود اتخذت الحكومة من وزارة الشؤون الإسلامية درعا وقائيا من هجمات تواصل ، وكلفتها بالمهمة الصعبة التي لا يستبعد مراقبون أن تصل في بعض مراحلها إلى حظر الحزب ، إذا لم تستطع جهود التجفيف المساهمة في انحسار مده الشعبي .
قرار بتزكية الزكاة
الحكومة ــ بحسب مصادرنا ــ حظرت تحويل الزكاة من الدول الإسلامية خاصة دول الخليج إلى موريتانيا بحجة توزيعها على مستحقيها ، ورأت أن أي تحويلات من هذا النوع يجب أن تأتي بصفة رسمية تكون وزارة الشؤون الإسلامية عنوانها ، كما حث وزير الشؤون الإسلامية في جولة له في الخليج هذه الدول على الالتزام بهذا القرار ، وقرار آخر مواز له يحظر أيضا اكتتاب القضاة والأئمة بطرق غير رسمية ، حيث ترى الدولة أن المكتتبين خارج نطاق رسمي كثيرا ما يستخدمون علاقاتهم الشخصية لجمع التبرعات لخدمة أجندات أيديولوجية ، وهي الأجندات نفسها التي تذهب تحويلات الزكاة إليها ــ بحسب تحليل الحكومة ــ
فقهاء خارج التغطية
قرار آخر اتخذته الحكومة بحظر الحديث في وسائل الإعلام الرسمية على 45 عالما تتهمهم بخدمة أجندات "تواصل " ، وهو القرار الذي أصدر به وزير الشؤون الإسلامية مذكرة خاصة ، سلمت لوزير الاتصال وإدارات المؤسسات المعنية ، وفي إطارتنفيذها أوقفت هذه المؤسسات تعاونها مع بعض العلماء المشمولين في اللائحة ، وهو ما فسر حينها على أنه قرار من هذه الإدارات ، في الوقت الذي أكدت فيه مصادرنا أنه قرار فوقي يكتسي طابعا رسميا لا دخل لإدارات هذه المؤسسات فيه .
لم يتوقف الأمر عند حد جعل كثير من الفقهاء خارج التغطية بل تجاوزه إلى قرار آخر يقضي بإغلاق نحو 200 محظرة ومعهد إسلامي ، تتهمهم الدولة بنشر أيديولوجيا "تواصل "، وخدمة أجنداته ، وقد شرعت الدولة بالفعل في إغلاق بعض هذه المؤسسات وهي في طريقها إلى إغلاق البقية ــ حسب مصادرنا ــ .
الخشية من الإيديولوجيا الإسلامية دفعت السلطة إلى تجاوز حزب تواصل بإجراءاتها الاحترازية إلى الطرق الصوفية ، حيث علمنا في "نوافذ " أن الدولة حظرت هذه السنة مشاركة أي أجنبي في تظاهرة "ولد أنحوي " بمناسبة المولد إلا بموافقة دولته بصورة رسمية ، وباتخاذ إجراءات رسمية موريتانية موازية ، وهو الأمر الذي يرى مراقبون أن نقص من حضور التظاهرة هذه السنة وحد من زخمها ، مقارنة بالتظاهرات السابقة .
أزمة قيادة
تأتي حرب الحكومة على حزب "تواصل " في ظرف خاص بالنسبة للحزب الذي يرى مراقبون أنه يعيش أزمة قيادة ، في ظل قرب انتهاء مأمورية رئيسه الحالي جميل ولد منصور ، ومنازعته السلطة من طرف قوى أخرى مشبعة بالجهوية ، كل ذلك يجري في وقت لا يظهر فيه في أفق الحزب خليفة مناسب للرجل الذي عرف بدهائه السياسي وكاريزماه القيادية ، فلا محمد غلام مقنع للتواصليين جميعهم ، ولا محمد موسى قادر على المراهنة على بعده الانتخابي لكسب ثقة شورى تواصل .
أزمة القيادة هذه يزيد من حدتها تعالي الأصوات في الحزب "المعارض " الشاجبة لسلوك قياديين فيه تتهمهم بمهادنة السلطة بل والتحالف معها في الخفاء ، رغم تصريحاتهم النارية في العلن .
تحالف لا يستبعده مراقبون يرون أن الدولة نجحت في زرع قياديين موالين لها في قيادة الحزب ، وقايضتهم بالتغاضي عن مخالفاتهم وتخفيف الضرائب على التجار منهم مقابل نوع من الزبونية لها ، زبونية لا يستبعد المراقبون أن تجر ذيلها على بعض الكبار داخل القبة البرلمانية ، لكن هذه المرة بدافع جهوي وقبلي لا بدافع تجاري .