كتب الوزير السابق اسلكو ولد أحمد ازيد بيه على صفحته الآتي:
رحم الله أيقونة الثقافة الشعبية في "كوش"، الراحل "الحاج ولد الطالب اعليَّ". لقد كان له طبل كبير أسطواني الشكل، يثبّته (بحمّالة) بإحكام تحت أحد جناحيه -خلال الأعياد وما على شاكلتها- فيتحرك بسهولة وهو يضرب الطبل، ليتردد صدى إيقاعه الفريد على بعد الكيلومترات. كان -رحمه الله- لا يغني بل يعتبر قليل الكلام، إلا أنه أحيانا كان يتحف موكبه بنكت وحكم شعبية مسلية في ظاهر عباراتها وعميقة في دلالاتها.
تلاميذا في مدرسة "آمرج" الوحيدة، كنا نهرع بمجرد سماع أول ضربة لطبل المرحوم "الحاج"، إذ تنذر دائما بحدث يستحق المتابعة، فالطبول -بنغماته المشفرة- ظلت لفترة ليست بالقصيرة تلعب دور الأبواق وأجهزة الاتصال اللاسلكية الحالية (ومواقع التواصل الاجتماعي!) في المجتمع التقليدي الموريتاني، كما يشهد على ذلك التراث اللامادي لإول إمارة عربية في هذه الربوع، إمارة أولاد امبارك. لقد شكلت خرجات "الحاج" بالنسبة لنا فرصة متجددة للإنصات إلى ما يجود به خيال الرجل الطيب من عبارات نادرة، ليضحك بعضنا ملأ حناجرهم وينغمس البعض الآخر في محاولات يائسة لفك شفرات كلام "حكيم كوش"، حيث فهمنا مبكرا، عبر تعاليق الكبار حينها، أن لِما يجود به المرحوم "الحاج" من ملاحظات علاقة وطيدة بأحداث بعينها.
نسيت الكثير من رصيد الحكم القيمة التي أخذت عنه، وأذكر منها مثلا:
"گَچّه اتگدْ اطّيَّحْ الدّلاَّكْ يا غيرْ ما اتگدْ اتسَنْدُ".
شرح المفردات:
گچّه: فصيل من الفئران داكن اللون وأكبر حجما من الفئران العادية، معروف بحيويته "القضمية"
اطّيَّح :تُسقط
الدلاك: "مرغاية" (خشِنة) أي ملعقة خشبية كبيرة نسبيا "يندلكْ بيهَ العيش"...
اتسندُ:تعيده إلى وضعه السابق.
رحم الله الراحل "الحاج ولد الطالب اعليّ" برحمته الواسعة، ما أبلغ كلماته!