الناطق باسم الحكومة وخرجة الوداع والوفاء / تحليل

سبت, 22/05/2021 - 22:40

حول بشار بن برد قصيدة كاملة كتبها في مدح إبراهيم بن عبد الله بن حسن:
أبا جعفر ما طول عيش بدائم * ولا سالم عما قليل بسالم 
إلى مديحية لأبى جعفر المنصور بعد مقتل إبراهيم، فجعلها:
أبا مسلم ما طول عيش بدائم * ولا سالم عما قليل بسالم
فكيف يلام من حذف اقتباسا لبيت شعري واحد من تلك القصيدة وقد تأكدت لديه يقينا سلامة (المنصور)
الوزير سيدي ولد سالم (منصور) عصره فعلا؛ فعلى محدودية أدائه النضالي ووزنه الانتخابي، كان أيام معارضته مرشح حزبه لكل منصب يوفره أي تفاهم مع السلطة القائمة. كما واستفاد بصفته تلك من حصانة من المساءلة عما تم الحديث عنه من ملاحظات بخصوص تسييره؛ إذ اعتبرت المعارضة ذلك مجرد محاولة استهداف وتوريط سببها الحقيقي صفة المعارضة لا أكثر!
حين يمم (المنصور) وجهه شطر السلطة الحاكمة حظي بثقة حسده عليها المسبحون بحمد الحاكم: لقد عين مديرا لحملة رئيس لا يواجه منافسة تعرقل إعادة انتخابه، ومع ذلك وجه الوزير (المنصور) رسالة وداع لمحتضنيه السابقين في المعارضة وبأسلوب خلا من أي تحامل كان غيره ليعمد إليه تكفيرا عن سابقية المعارضة وتزلفا وامتنانا للحظوة التي خص بها دون غيره من المولودين على فطرة التأييد والمولاة. 
استوزر (المنصور) بعد إعادة انتخاب الرئيس، وأسندت له بصفة فوق العادة وكامل السلطة مسؤولية القطاع الذي ينتمي له أصلا.
روض الأساتذة؛ فألغى أي مظهر لديمقراطية التعليم العالي، معطيا لنفسه سلطة تعيين الغفير والعميد والرئيس في كل مؤسسات القطاع. وفوق ذلك جاءت كل تلك التعيينات وفق معايير تنتهك أو تكاد مبادئ ثبتها الدستور وتحميها قوانين الوظيفة العمومية، والنظم الخاصة بالقطاع.
تحدى (المنصور) القضاء؛ فرفض تنفيذ أحكام حائزة على قوة الشيء المقضي به، ليس بسبب ما قد يترتب على تنفيذها من أعباء مالية، فقد اتخذ (المنصور) قرارات سمحت له بفتح القطاع لأعداد من المنتسبين لأنه بغض النظر عن تكلفة دمجهم يريدهم، ورفض من حكما قضائيا  لمصلحة غيرهم لأنهم لا يروقون له!
(المنصور) رغم عضويته لحكومة الرئيس الذي سعى للظهور بمظهر العصي على تطويع المستعمر السابق، فاخر بكونه منتجا فرنسيا، وبعثت فرنسا وزير ماليتها ليقلده أرفع أوسمة الجمهورية الفرنسية، دون أن يعرف نوع الخدمة الجليلة التي استحق عليها ذلك التقدير الخاص جدا، فزاده ذلك " نصرا " بمقدار الذي يحظى به كلما "صنع في فرنسا " أو حتى كان مجرد "مستورد من فرنسا"! 
ضيق (المنصور) على الطلاب في ولوجهم للتعليم العالي، وأضرت سياساته بحجم المستفيدين منهم من أفضل التكوينات؛ فالذين كان نبوغهم يؤهلهم لولوج أرقى المدارس في العالم، استضافتهم مؤسسات وطنية، ما ترتب عليه إضافة للتكاليف المعتبرة دفع الذين يلونهم في التميز إلى مراجعة طموحهم لحدود ما دون أفضل التكوينات، مع أن منح المتميزين للخارج وتخصيص تلك المدارس لمن يلونهم كان ليزيد أعداد المتميزين من الطلاب، وفرص حصولهم على التكوين والقبول في مدارس النخبة في الخارج (البعض بفضل نبوغه –والبعض بتأهيله محليا).
حين أسند النطق باسم الحكومة للوزير (المنصور) كانت لأغلب خرجاته شرارت تطال "الصديق" قبل العدو: أشهرها تصريحه أن انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لا يعنى تغيير النهج الذي اختطه الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ورده بتهكم على سؤال حول خرقه للقانون بتأسيسه لشركة فرد بمناسبة حصوله على رخصة صيد كإكرامية من الرئيس المنصرف، "أن من له أن يعاقبه فليعاقبه"!
   لم يمنع تحويل المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة، بعد منع الحضور على أغلب الصحافة المستقلة، إلى نقطة صحفية تعلم فيها الحكومة بما تريد دون أن تسأل فيه أو ينقل لها ما يتداول من الشعب، لم يمنع عرض ال (وان مان شوو) ذاك (المنصور) من ارتكاب الزلات تلو الزلات.
حين وجه الوزير الأول الحالي الحكومة ووزارة التعليم بالذكر بضرورة تنفيذ الأحكام القضائية، أوكل (المنصور) الرد عليه لملحق بالوزارة سفه فعلة الوزير الأول، الذي تحين فرصة المثول أمام الجمعية الوطنية لتقديم عرضه عن تسيير العام المنصرم وبرنامج القابل ليعتذر ل (المنصور) عن تلك الزلة عندما صرح بأن تنفيذ الأحكام الصادرة على الدولة أعقد مما يعتقد، وأن ما تحتاجه تسويتها من إمكانيات غير متاح.
في خرجته الأخيرة "خرجة الوداع والوفاء"، كان الوزير (المنصور) وفيا لطبعه ومنسجما مع اللحظة؛ هو يتحدث لإذاعة البلد الذي انتجه، وعن موضوع لم تزده الصراحة حوله إلا رفعة ومكانة لدى من لهم الأمر، لذلك كان أداؤه بحجم الظرف وتوزعت إجاباته بين: التهرب – المواربة – والتبرير والمناصرة للرئيس السابق دون التنازل عن الرئيس الحالي:
فيرد على السؤال بخصوص انزعاج الرئيس السابق من المساءلة واعتباره أنها مجرد استهداف ب:"مبدئيا كل فرد تمكن مقاضاته سواء سبق له أن كان رئيسا أو وزيرا، الحكومة غير معنية بحكم فصل السلطات، ومن ثم ليس له كناطق باسمها التعليق. ولكل الحق في الدفاع عن نفسه"
هو مع ذلك ورغم صفة النطق باسم الحكومة لا يتوانى في النأي بنفسه عن موقف الحكومة المعبر عنه من خلال الادعاء العام وال 60 محاميا الذين تتحمل حكومته دفع أعباء تمثيلهم لها في اتهام الرئيس السابق وغيره، فيصرح: 
"كنت مدير حملته ووزيره، ولم ألحظ أي تصرفات أو ممارسات خارجة على القانون "، وحين يحس (المنصور) أن تلك شهادة نفي تامة لم تطلب من جهة طرف في ملف تسيير العشرية، يستدرك:" طبعا فيما يتعلق بالقطاع الذي أتولى تسيره."، وكأن الصحافية يعقل أن تطلب منه اعترافا بخرق القانون يطاله حتى قبل الرئيس السابق!
 (المنصور) لا يقف في المقابلة مع الرئيس السابق على حساب الرئيس الحالي بل يتخذ موقفا محايدا يمنعه من التدخل فيما يثار حول العلاقات الشخصية بين الرجلين، وخارج ذلك نجده:
يرد بالنفي القاطع على السؤال: ألم تلحظوا ما يجعلكم تشكون أو تودون مغارة الحكومة؟ وبعد استيضاح في غير محله وقابل للتأويل: أيهما؟ حكومة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أم الحكومة الحالية!
للرئيس السابق كامل الحق في التعبير فتلك حرب شريفة في السياسة، وله الحق في ممارسة السياسة مالم يقع عليه منع من جهة قضائية.
زيادة الإنفاق في ميزانية رئاسة الجمهورية التي تحدث عنها الرئيس السابق واقع، لكن دفاعا عن الرئيس الحالي، مبرر الزيادة يكمن في زيادة الإمكانيات؛ ما جعل تلك الزيادة تطال كل القطاعات.
إجابتان سليمتان لولا أن السؤال كان حول صحة ادعاء الرئيس السابق لمضايقته واستهدافه بمناسبة أو نتيجة لاستخدامه أو تمسكه بتلك الحقوق.
وأن حديث الرئيس السابق عن زيادة ميزانية رئاسة الجمهورية جاء في سياق اتهامه للرئيس الحالي ومدير ديوانه بتبديد الأموال العامة على أوجه صرف غير قانونية وغير منتجة!
وعن الفساد والرشوة الذين تحدث عنهما الرئيس السابق حين تسأل الصحفية هل مازالا حاضرين، يجيب (المنصور) ودون تردد: نعم، قبل أن يستدرك إن ذلك ظاهرة كونية تماما كما محاربتهما.
الوزير الذي جنى زلات لسانه وتحديه للمنطق والرأي العام مكانة وعلو شأن، لن تكون هذه الخرجة التي يتحدث عنها استثناء في مسيرته لسبب بسيط:
إنها ليست أكثر من "خرجة وداع ووفاء" بعد أن أصبحت الطريق سالكة لتمثيل البلد الأم ودولة التصنيع في أروقة الاتحاد الإفريقي كمفوض مكلف بالتعليم العالي والتكنولوجيا والبحث العلمي.
من يدري فقد يوفر المنصب القاري فرصة لزلة من العيار الثقيل، تتزامن مع استحقاق رئاسي يرقى الوزير (المنصور) إلى استكمال لقب سميه "المنصور"، ففي صالحه كونه: فرنسي المصنع ومن شريحة على عتبة الوصول للوظيفة الأعلى في الدولة وإضافة لذلك ينمى لأكثر من مجموعة تقليدية وله جذور جهوية متشعبة. وهو سيكون بحلول ذلك الأجل قد أضاف لأستاذيته وخبرته الوطنية خبرة قارية معتبرة، وحينها لن يستكثر المنكبيون بحقه مجرد حذف بيت من الشعر ورد لحظة انفعال، ولا حتى تحويل قصيدة كاملة على نحو ما فعل بن برد، بل سيتبارون وهم أبناء بلد المليون شاعر والثلاثة ملايين   (...) فى تدبيج أعذب القصائد وأكذبها في مدح الخليفة الجديد!