بين الفكر والسياسة
أظنّ أن أهل الفكر حين ينزلون لتناول تفاصيل السياسة بمفهومها العملي الميداني، يقعون غالبا في أخطاء قد تكون جسيمة سياسيا، لأن من أدوارهم تناول الكليات والأمور الجوهرية التي قد يجتمع في مظلتها من يتباينون في الطرح السياسي التفصيلي ممن يشاطرونهم الفكرة الشاملة، ثم إنهم _ أي أهل الفكر _ مشغولون عادة بالمعرفة والبحث والتأليف بدرجة تبعدهم عن جزئيات سياسية تفصيلية قد تكون أسسا مهمة رغم بساطتها في تناول الواقع السياسي اللحظي تقييما أو نقدا أو ثناء الخ، كما أن قواميس أهل الفكر ومناهجهم تختلف عن أساليب السياسيين الميدانيين ومناهجهم، وقلّ وندر من يجمع بين التعمق في الفكر النظري والتعاطي السياسي الكثيف بتوازن وينجح في الإثنين.
أما أهل السياسة العمَلية الميدانية بصفتها فنّ الممكن في حدود دائرة المباديء، فإن انشغالهم بالتعمق في الفكر قد يعيقهم أو يثقلهم أو يحلق بهم بعيدا، فيخلقون بذلك فجوة بينهم وبين تفاصيل حياة الناس، وتعاطي دقائق السياسة اللحظية وفي ذلك خلل منهجي جلي.
ليس معنى هذا أن تُترك السياسة لمن لا زاد فكري لديهم، فهؤلاء ليسوا سياسيين بالمفهوم المكتمل نظريا وعمليا بل هواة غالبا، ولا أن يُترك الفكر لمن لا يهتمون بسياسة الناس وحياتهم فأؤلئك نصوص جامدة لا تدب فيها الروح مهما كان جمالها أوعمقها، بل يعني أن تكون دائرة السياسة العملية للسياسيين الميدانيين، ودائرة الفكر النظري الشامل للمنشغلين به، وأن يلتقي الجمعان فقط في المساحة المشتركة وهي فوق تفاصيل يوميات السياسة الميدانية وتحت الاهتمام بالكليات الفكرية.
النائب محمد الامين ولد سيدي مولود