لأن الخوض في تاريخ العبودية في موريتانيا، كممارسة مشينة على مدى العصور ، عصور الظلام الدامس، سيكون حديثا معادا، ولن نأتي بجديد فيه يفيد، سأدخل معكم في صلب الموضوع...تصنف بلادنا الآن من ضمن البلدان التي تمارس فيها ظاهرة العبودية المشينة، لا تذهب بكم عقولكم، إلي التفكير بالعبودية التي كانت تمارس في سالف الأزمان، هذه العبودية من نوع آخر، لا تمارس علي العبيد السابقين "لحراطين" ولا تمارس علي السود فقط، بل هي عبودية ضحيتها، كل فقير جاهل بغض النطر عن لونه، أو شريحته، ولذلك فإن العبودية لن تنتهي في موريتانيا، مادامت الحكومات تصادق على قوانين مجرمة للظاهرة، وتنشئ محاكم مختصة لهذه المجال، بل وتستعين بفتاوى تحت الطلب، لإرضاء الغرب الذي صار يغضب جراء سجن الحقوقيين المدافعين عن هذه القضية، فأصبح النظام يتخبط بحثا عما يخرجه من عنق الزجاجة، فدفعه ذلك لاصدار ترسانة قوانين وإن كانت جيدة، لكنها دفعته للتناقض، إذ يجرم ظاهرة هو نفسه ينفي وجودها في البلاد، أما تلك القوانين، فأنا وأنتم و "الذيب التل ولاته" نعم علم اليقين بأنها لن تطبق على المستعبدين، لقوة القبيلة، وضعف القضاء فالقانون فينا تحت الأقوياء، وفوق الضعفاء، إذن هي قوانين لن توقف استمرار هذه الظاهرة لهذه الأسباب:
1- الجهل: وهو مرض عضال، ينخر جسم العبيد السابقين، ويورثوه إذا ماتوا بنيهم، في دوامة لانهاية لها، والجهل بحد ذاته عبودية، قد يكون أخطر من كل أنواع العبودية، والدولة لم تضع خطة حتى الآن تساعد أبناء العبيد السابقين على التمدرس، فالتعليم لم يعد موجودا، لا في المدن ولا في الأرياف، بل أصبح بضاعة تباع وتشري، مطبوع عليها طابع يقول: التعليم ليس في متناول الفقراء، لكن الدولة لا تضع هذه المشكلة في الحسبان، فإذا كانت تعلم بأن جل المتسربين من التعليم ما قبل الثانوي من أبناء العبيد السابقين والشرائح الهشة، لعرفت بأن القاونين لن توقف استمرار العبودية.
2- الفقر: ينتشر الفقر في كل شرائح البلد، وإن كانت نسبته أكثر في شريحة العبيد، لعوامل كثيرة، سنعرض عن ذكرها، لأنها واضحة للجميع، إلا أنه هو الآخر يساعد على استمرار هذه الظاهرة، فما نشاهده في الشرائك الوطنية، والمؤسسات العمومية والخاصة، من إستغلال للطاقات، وتهميش لليد العاملة، ليس إلا نوعا من العبودية الاقتصادية، لأن العامل يقضي عمره، وأعوام قوته، يخدم في عمل معين، وعندما يتعرض لعطب أو يصل سن التقاعد، بجد نفسه بدون مأوى، ولا إمكانيات للعيش، لشدة ضعف الرواتب، وعدم العمل في ظروف آمنة، وانعدام عقود تضمن له حقه، إذا احتاج الي دليل من أجل إثبات حق ضائع، ورغم أن الدولة قامت بإنشاء وكالة تضانن لمكافحة آثار الاسترقاق ومحاربة الفقر والدمج، ووكالة تشغيل الشباب، إلا إن هذه الوكالات لم تضف جديدا للساحة، فمايزال العبيد السابقون بدون مشاريع مدرة للدخل، وما يزال الشباب يعانون من البطالة في عمر يجب أن يستثمر للعطاء والخدمة.
3-نفي وجود الظاهرة: إن نفي وجود ظاهرة العبودية بكل أنواعها، أمور يحول دون استإصالها من جذورها، لأن كل الأطراف ستنشغل في التجاذب في ما بينها، وسيحضر البحث عن إثبات وجود العبودية من عدمها، وتغيب الحلول، لأن الظاهرة لم يحسم أمرها بعد، ولذلك فلا حاجة لهؤلاء لوضع الحلول، إذا لم يغلب أحدهما الآخر..
تقول الحكومة بأن العبودية ليست موجود، ولا يوجد غير مخلفاتها، وحتى الآن لم نشهد حلول جذرية لتلك المخلافات، فما هو موجود فهو مجرد مشاريع مدرة لجيوب مصاصي الدماء، وأصحاب الأمعاء الكبيرة، التي كلما نهب صاحبها، تقول هل من مزيد؟
ويقول الناشطون بأن الظاهرة موجودة، لكننا لا نراهم في حملات تحسيس في المناطق المشبوهة، ولا نسمع بنشاطات لهم مع الطبقة المسحوقة، بل نجدهم في الفنادق، ووسائل الإعلام، بل واتخذها بعضهم وسيلة للعيش، فمنها يجد التمويل، وبها يتقرب للنظام.
قضية العبودية في موريتانيا، تحتاج أصحاب نفوس صافية وقانعة، وأصحاب أفكار جامعة مانعة، يضعون حلولا لها، ويعملون ليل نهار من أجل تطهير البلد من هذه الظاهرة، ومن أجل إعطاء كل ذي حق حقه، في التوظيف والصحة والتعليم، بدون أن يكون الإنسان بحاجة إلي واسطة، أو الرجوع للقبيلة من أجل حق يكفله له القانون...
أما أبناء العبيد السابقين، يجب أن يستفيدوا من تمييز إيجابي، في كل المجالات، بدون الاجحاف بنظرائهم من الشرائح الأخري، وعندما لا يحصل أي شيئ من هذه المسائل، وعندما يظل الحال على ما هو عليه، فإن العبودية ستظل مستمرة.
السالك عبد الله