بناؤون، كهربائيون وسباكون، حرفيو خراطة، لحامة، صنفرة ونجارة، عمال نظافة وبستنة، فنيو اتصالات وغيرهم، يسابقون الزمن في حركة دائبة لإعطاء قصر العدالة وجها يليق بحدث عظيم صار على الأبواب.
في الظروف العادية، قبل هذه المرة، عرف القصر استنفارات مشابهة لما يعيشه هذه الأيام، وإن بزخم أقل، في المرات القليلة التي استضاف فيها حفل افتتاح السنة القضائية.
طبيعي أن تحتفي السلطة القضائية برئيسها وضامن استقلالها والقيم على حسن سير أدائها.
وارد ذلك لولا أن الوقت مبكر على إقامة ذلك الحفل؛ فالسنة القضائية التي تبدأ رسميا حسب المادة الثالثة من التنظيم القضائي يوم فاتح يناير جرت العادة أن يتأخر حفل افتتاحها لشهر مارس أو إبريل.
حدث آخر وشيك الوقوع وله علاقة بالقصر؛ هو قرار تقديم المشمولين في ملف البحث الذي فتح إثر توصل النيابة العامة ببلاغ من الجمعية الوطنية حول الاشتباه في ممارسات وأعمال قدرت لجنة التحقيق البرلمانية، وأيدها تصويت النواب على ذلك، أنها مجرمة بمقتضى قانوني مكافحة الفساد والعقوبات النافذين، تقديمهم أمام وكيل الجمهورية.
طبيعة الاستعداد ترجح الاحتمال الثاني؛ ففي المرات الفارطة التي استعد فيها القصر لاستقبال رئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح السنة القضائية، كانت الإصلاحات تطال بالأساس الطريق والأماكن التي يستخدمها الضيف السامي ووفده.
هذه المرة مجال الأشغال والإنشاءات أو سع وجهة تركزه غير التي يشملها التعهد في المرات السابقة.
عموما ومهما كلف الصرف على ما يجرى على القصر من تجميل، فسيكون ذلك متفهما لطبيعة المستضافين؛ أكانوا رئيس الجمهورية ووفده، أوالرئيس السابق والواردين معه على القضاء.
آخر مرة حضر فيها الرئيس السابق للقصر كانت بمناسبة افتتاح السنة القضائية، وتم الاحتفاء به من الكافة، ولكن وبشكل لافت من نقيب المحامين حينها فقد أصر على أن يخلع عليه عباءة المحامين، بل وأحرجه بإلحاحه أن يلبسه إياها وتلتقط له صورة جماعية مع من حضروا الواقعة من أعضاء مجلس الهيئة.
النقيب الحالي للمحامين هذه النجعة في الطرف الآخر، أو على الأقل في هذا الملف الذي يستضيف فيه القصر الرئيس السابق، حاله حال سلفه؛ من كان أصر ذات زيارة للرئيس السابق للقصر أن يخلع عليه العباءة الرمز، ومعهما اختار جميع النقباء الطرف الذي يمثل الحكومة القائمة ضد الرئيس السابق والمشمولين معه.
الوافدون مع الرئيس، بحسب قائمة المشمولين في تحقيقات الضبطية القضائية، علية مسؤولي الدولة، وأغلبهم كان في وضعية تسمح له بالتأثير على السلطات العامة في الدولة، بما فيها السلطات القضائية؛ ذاك حال من شغلوا وظيفة وزير أول لمكانته المتميزة داخل السلطة التنفيذية، ومثله من تولوا وظائف وزير للعدل بحكم رئاسته الصريحة لمضيفيهم بالقصر (النيابة العامة)، مثلهم وزير الاقتصاد والمالية بفضل تحكمه في المجال المالي ...
في إعداد مسرح العرض الميلو درامي الذى يستعد له القصر عظة وعبرة، وتزين قصر العدالة لمثل هذه المناسبات لا يأتي بترميم المباني، فالعدالة لا تحتاج إلى قصر أصلا، وتزينها يكون بتكريس ممارسة ترسم صورة مشرقة لعدالة لا ترتهن لسلطة زائلة، وكل سلطة هي كذلك، عدالة تضمن أمنا قانونيا حقيقيا لا يحلم فيه متنفذ بحلمها ولا يخشى ضعيف حيفها، تلك هي الزينة التي يحتاجها المارون بالقصر بهذه المناسبة وفى كل مناسبة وافدون وواردون، وكم من وافد عليه في يومه يساق إليه في غده وردا.