في مقابلة له في برنامج "ضيف وحوار " على قناة شنقيط تحدث الأستاذ بجامعة نواكشوط يعقوب ولد السيف عن المسكوت عنه في حوارات المعارضة والأغلبية ومفهوم تدوير النخبة وقضايا أخرى ثقافية وسياسية واجتماعية .
وهذا نص المقابلة كاملة :
الصحفي : كيف تنظرون إلى تاريخ الحوارات في موريتانيا وهل هو تاريخ مشجع ؟
السيف : ــ الحوار مسألة مرغوب فيها ، وسنة من سنن الحياة لكن تاريخ الحوارات في موريتانيا يظهر تفاوتا بين حقبتين أساسيتين ، حقبة التأسيس وفيها كانت الحوارت تفضي إلى اندماج وتقارب بين متحاورين ، وإن كان ما فرق تلك الأطراف كبير جدا ، كالحوارات التي أفضت إلى اندماج حركة الشباب والنهضة وحزب الوفاق في حزب واحد هو حزب الشعب .
وفي مرحلة تجربة الجمهورية الثانية التي بدأت من 2005م بعد الانقلاب الذي أطاح بجمهورية دستور يوليو في صيغته الأولى ، بدأ الحوارأول ما بدأ بالحوارات التي تمت في الفترة الانتقالية وكانت صبغتها الأساسية هي التسيير عن بعد المفضي إلى اتفاق واضح ، فما تم نقاشه في فترات وجيزة كانت نقاط لو طرحت ونوقشت بطريقة طبيعية لأدت إلى خلاف لكنه كانت هنالك يد خفية توجه هذا الحوار أفضت إلى ما صور على أنه إجماع وطني على ما تم الاتفاق عليه .
الصحفي : يد خفية لمن ؟
السيف :
ربما كانت الأطراف منشغلة بما بعد الفترة الانتقالية ، وغابت النبرة المعارضة الحادة ،على اعتبار أن الفترة الانتقالية متجاوزة والمهم هو ما بعدها ، وبالتالي لم يكن هنالك طرف سياسي يتصدى للعسكر الذين بإمكانهم أن يؤثروا على ما بعد المرحلة الانتقالية ، كانت الموافقات تأتي بسهولة ، وكانت المشاركة من الكافة تقريبا .
ثم بعد ذلك كانت مناسبة الحوار بعد الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله في حوار دكار ، الذي بداية الحوارات الفعلية في عهد الجمهورية الثانية ، وهو حوار ربما أنه يدلل على الحوارات التي أعقبته لأنه جاء لحل أزمة ، وربما ما زال الحديث عن أن هذا الحوار تحول من أساس لحل الصراع إلى شرارة للاختلاف بشكل دائم لأنه لم يؤد إلى إجماع وطني في أعقاب تلك المرحلة .
بعد ذلك كان الحوار مع المعارضة المحاورة في 2011م ، والذي تمخضت عنه تعديلات متعلقة بقانون الأحزاب ، وتغيير تشكلة المجلس الدستوري ...وهو حوار نتائجه لم تكن مشجعة باعتبار ما أشار إليه الرئيس مسعود من أنه ندم على هذا الحوار أوأنه لم يتم الوفاء بما اتفق عليه ، كما أن نتائجه من حيث تضمينها في الدستور كانت محل نقاش دستوري حول قيمتها الفعلية .
الصحفي : قلتم إن الحوارات في عهد التأسيس كانت تفضى إلى توافقات هل يعني ذلك أن هذه الحوارات التي أتت بعدها لم تكن لها نتائج إيجابية ؟
السيف: أعجبني مصطلح استخدمتموه وهو المتعلق بالمسكوت عنه ، فهذه الحوارات هي حوارات تغفل أو تتحاشى الحديث في الذي يحاور المحاورون من أجله وهو السلطة ، بمعنى أن هدفها الأساسي هو السلطة في حين أن الحورات الأولى كانت بين رؤى مختلفة يتم التوفيق بينها .
فالسلطة هي المسكوت عنه في هذه الحوارات ، ففي اتفاق داكار وبتصريح أطراف المعارضة الذين شاركوا في هذا الحوار اعتبروا أنهم وافقوا على ما تم في دكار ، وما تم من انتهاكات للاتفاق حتى قبل إجراء الانتخابات على اعتبار أنهم ضمنوا بخروج الرئيس من القصر أن لا يعود إليه ،معناه أنهم من أجل إخراجه كانوا على استعداد للقبول بكل شيء ، والرئيس قبل بالاتفاق لأنه من خلاله يضمن أن يعود إلى القصر ، معناه أن الحديث حول السلطة والوصول إلى السلطة وهذا حق مشروع ، لكنه أدى إلى تغييب العناصر الأساسية المطلوبة في الحوار ، أو القضايا المطروحة أساسا والتي لا يجب أن تكون السلطة هي محورها .
الصحفي : برأيكم ما هي أبرز القضايا المسكوت عنها في هذه الحوارات ؟
السيف: قد يكون أحيانا مسكوتا عنه وقد يثار بشكل غير مطلوب ، بمعنى انه مثلا مسألة دور الجيش في السلطة ، على اعتبار أن ما يتم من إصلاحات تكون إصلاحات بمناسبة ملاحظة خروقات أو وهن في المسار الديمقراطي خلال مسار معين ، فمثلا فترة الرئيس معاوية طبعتها الاستمرارية لغياب تحديد المأمورية الرئاسية ، فكان أول إصلاح تم اتخاذه هو تحديد هذه الفترة ، بعد الانقلاب على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله لوحظ أن الانقلابات قد تكون عائقا أساسيا أمام الديمقراطية فعد تجريم الانقلابات مكسبا أساسيا ، الآن الحديث عن دور الجيش وتأثير الجيش في المسار الديمقراطي أعتقد أنه مسألة محسومة ، بمعنى أنه المشكلة الأساسية للديمقراطية في موريتانيا هي تدخل الجيش ، هذا الإشكال حله لا يكون بما يتم طرحه ، أو لا يمكن أن يكون دور الجيش موضوعا لنقاش جماهيري أو فلكوري ، لما ذا ؟ لأنه تم الحديث عن حل الحرس الرئاسي ، والواقع أن هذا الحديث لا يخدم تجذير الديمقراطية وحماية الديمقراطية من الجيش ، لسبب بسيط وهو أن كتيبة الحرس الرئاسي أوجدتها الأنظمة العسكرية التي كانت فيها انقلابات لمواجهة الجيش وليس لمواجهة المدنيين ، ولا خطر على الديمقراطية من الحرس الرئاسي لأن أي حرس رئاسي كان وجد لمواجهة الجيش وليس لمواجهة السياسيين ، والمطالبة بحله تظهر الأهداف الآنية التكتيكية للمعارضة ، لأن الانقلابين الأخيرين جاءا عن طريق هذه القوة كأنها أصبحت هي الخطر المحدق الذي تواجهه الديمقراطية .
هب أنها غير موجودة لكان بإمكان الحارس الخاص للرئيس حتى ولو بدون فرقته أن ينقلب عليه ، أو قائد الأركان لما ذا ؟ لأنه ما الذي يمنع الجيش كقوى منظمة لديها وسائل معينة ، من الانقلاب على رئيس منتخب ديمقراطيا ، هل هنالك رأي عام وازن يمكنه أن يقف في وجه ذلك ؟ إذن معناه أن حل فرقة معينة لا يعني إلغاء دور الجيش ، إذن كان ينبغي أن يكون النقاش حول ما ذا ؟ حول دسترة دور للجيش بشكل يضمن معه الجيش نفسه أنه لا يتدخل .
الصحفي : كيف تكون هذه الدسترة لدور الجيش في السلطة ؟
السيف : تكون بتكييف دور له يقوم على تنظيم هذه المؤسسة ، نحن دائما نرفض حكم العسكر هل الذي حكمنا هو الجيش كمؤسسة أم أفراد من الجيش ؟
الصحفي : إذن أيهما ؟
السيف : نحن آخر انقلاب عندنا كان انقلاب فرد ليس انقلاب حتى جماعة ، الانقلاب الأخير كان رد فعل على إقالة الجنرالات ، إذن فيجب أن نعطي دورا للمؤسسة وليس لأفرادها .
الصحفي : كيف ذلك ؟
السيف : بالنص على ذلك في الدستور بحيث تكون هنالك قيادة في هذه المؤسسة منبثقة عن فرز موضوعي منصف عادل ، بموجبه يتولى قادة هذه المؤسسة الذين ترقوا وفق معايير موضوعية ، إدارة هذه المؤسسة بحيث تكون مضمونة المؤسسة من طرف هؤلاء ، وبحيث يكون لهؤلاء عين على المسار والديمقراطي ، وهنالك ومضة جاءت يجب أخذها بعين الاعتبار ، حين كان هنالك صراع بين الجنرالات والرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله كان هنالك صوت للبرلمان ، وما سمي كتيبة برلمانية مارست دور البرلمان بامتياز ، من حيث حجب الثقة والندية مع السلطة التنفيذية ، لكن ذلك ما كان ليكون لولا السند العسكري ، إذن لو أن هذا السند العسكري كان قارا وثابتا وليس فرديا وإنما مؤسسيا ، ألا يكون ذلك مدعاة لتفاعل ديمقراطي سليم ؟ ولما ذا لا تؤخذ هذه التجربة وتقنن ؟ لأنه ببساطة ليس لدينا ما نضمن به عدم تدخل الجيش في السلطة ، إذا حلت جميع الوحدات العسكرية أو التي تتهم بأنها مشاركة في الانقلاب ، أو الحرس الرئاسي أو بازب معنى ذلك أن القائد المعين للأركان بإمكانه أن ينقلب على النظام السياسي ، لأنه لا سند له جماهيري ، هذه ديمقراطية ببنية فوقية غير متجذرة ، ليس هنالك شعب يحميها ، والسلطة السياسية هي محور السلطات في موريتانيا .
الصحفي: السياسيون يريدون تحييد الجيش عن السياسة وأنت تريد دسترة دور الجيش في السياسة كيف نستسيغ هذا من قانوني ؟
السيف : أنا أعتقد أن ما يتم الحديث عنه في المعارضة ينصب على فرقة بعينها لأنها هي من قامت بالانقلاب الأخير .
الصحفي : هم لا يطالبون بحل فرقة الحرس الرئاسي وإنما بأن تدمج في الجيش وهنالك طلب آخر وهو تحييد الجيش عن ممارسة السياسة ؟
السيف : تحييد الجيش من تلقاء نفسه ؟ دور الجيش إما أن يأخذه أفراد أو مؤسسة أيهما الأجدر ؟، فالمسألة محسومة ما دام لا يوجد سند لحكومة ديمقراطية يمنعها من تدخل الجيش ، فيجب أن يكون الجيش نفسه هو ذاك السند ، وذلك بإعطائه دورا ، بضبط مؤسسته بما يبعدها عن السياسة ويضمن أيضا أداء وتفاعل الفاعلين السياسيين ، لأننا في بلد هش والجيش فيه له دور محوري .
الصحفي : كيف يكون هذا الدور اقترح شيئا واقعيا على السياسيين ؟
السيف : من تبسيط الأمور أن يكون المقترح شخصيا لأنه يجب تقديم أكثر من رأي في الموضوع من فنيين ودستوريين .
س : لكن رايك أنت شخصيا في الموضوع كدستوري وقانوني ؟
ج : أنا لست دستوري ولا حتى قانوني ، لكن كدارس للقانون وكمهتم بالشأن العام أعتقد أن أول ما يجب أن يكون في هذا الاتجاه هو ضبط مؤسسة الجيش ، بحيث يكون الاكتتاب والترقية والتكوين والتدريب وغيره والجزاءات وغيرها بشكل موضوعي بحيث يكون جيشا جمهوريا ، أي أن من يترقى إلى رتبة معينة يكون ذلك عن جدارة واستحقاق بحيث يكون مما يترتب عليه إقرار من مرؤوسيه بتلك المكانة ، فمن وصل إلى هذه المكانة بتك الخطوات لن يكون بالمنطق متعطشا إلى السلطة أو ستكون له أهداف وطنية كبرى لأن ذاته في المؤسسة التي أراد ، هؤلاء القادة بإمكانهم أن يحموا الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطيا من الجيش ، لأنه بكل بساطة إذا لم تكن هذه الحماية من الجيش سنعرف في السنوات المقبلة انقلاب حتى الضباط الصغار ، أو وحدة معينة ، لأنه إذا لم يكن هنالك حرس خاص أو حرس جمهوري أو قوات خاصة معنى ذلك ان كل كتيبة بإمكانها أن تستولي على القصر الرئاسي ، فبإعطاء الجيش دور حماية الحكومة المدنية بإمكاننا نكون قد ضمنا مسارا ديمقراطيا بإمكانه أن يتطور .
الصحفي : ما هي الصيغة القانونية التي تمكننا من إعطاء الجيش دور حفظ النظام السياسي الديمقراطي ؟
السيف: ضمان تفاعل معين غير مفني ، أنت في بلد به من التجاذبات ومن سياسة السياسة ما قد يؤدي إلى إفناء الدولة ، والمدافع الأول عن الدولة هو الجيش ، إذن يجب أن يكون له دور استباقي يمنع ما قد يؤدي إلى مساس بالكيان الوطني إذن سيكون له دور على هذا النحو بضمان إيقاع تفاعل الفاعلين حتى لا ينجرف إلى ما لا تحمد عقباه .
الصحفي : هل ترى أن حديث المدنيين بهذه الطريقة عن الجيش يساعد في حل الأزمة ؟
ج : أي مدنيين ؟ السياسيين انتهازيين الحديث عن فرقة معينة هو كما أشرت إليه فقط آخر ما عانت منه المعارضة هو مجال موضوع الحوار ، فتمظهرات الأزمة على أساسها يقاس الحوار .
الصحفي : إذن ما المسكوت عنه أيضا في مجال الحوار ؟
السيف : العبودية ...الحوار من اجل الحوار والوصول إلى نتائج معينة هذا يدخل في إطار تسجيل النقاط بين السياسيين لكن ما حجم تأثير ذلك على الواقع الفعلي ...في ما يتعلق بالعبودية هنالك حركة "إيرا " هذه رئيسها شارك في انتخابات وحصل على نسبة معتبرة من الأصوات كيف يكون الحوار وطني في ظل غياب شخص بهذا الوزن ...فموضوع العبودية أكثر طرف حدة في طرحه هو هذه الحركة وهذه الحركة رئيسها شارك في الانتخابات وحصل على نسبة معينة فكيف يكون حوارا وطنيا في غيابه .
دعك من "إيرا " ميثاق لحراطين هو الآخر هل تم التعرض لمطالبه في هذا الحوار والمتعلقة بالمحاصصة وبلغة لم تسد خلال الحوار .
الصحفي : لكن الحكومة تقول إن العبودية ليست موجودة في موريتانيا وأنه سنت قوانين لعقاب كل من يثبت تورطه فيها ألا يكفي هذا لحل المشكل ؟
السيف : العبودية ليست فقط موجودة العبودية بل موجودة ويتم إنتاجها بشكل يومي .
الصحفي : كيف ذلك ؟
السيف : الخدمة المنزلية نوع من العبودية ، فليس هنالك خدم منازل إلا من الأرقاء السابقين ، الخدمة المنزلية تتقاطع مع العبودية في أن مهام الخادم غير محددة ، أي عمل يقوم به ويقوم به لكل من في المنزل ، معناه أن العبودية تنتج في كل يوم ، هذا تجل من تجليات العبودية وهنالك الفقر والجهل .
الصحفي : هذه آثار وهنالك مؤسسات مكلفة بمعالجتها هل يعني هذا أنها لا تقوم بدورها ؟
السيف : نحن لا ننفي أن هنالك جهود ، لكنها لتسجيل النقاط بين السياسيين وأنا لست سياسيا ، أنا أعتقد أن ما يتم يستهدف منه إحداث أثر لكن من خلفية تسجيل النقاط ، معناه أن العبودية من 2007م إلى الآن كم قانون اتخذناه في هذا المجال وما هو أثره الفعلي على الظاهرة ؟ معناه أن المجهود يذكر فيشكر لكن ما هو التأثير في الواقع ؟ ما أقصد أن العبودية لا نقاش حول وجودها ، النقاش حول وجودها كالنقاش حول وجود الشمس .
والمسألة ليست موجودة أو غير موجودة المسألة في مواجهة الآثار المترتبة على وجودها ، وعلى آثارها الفعلية .
الصحفي : أن تقول إن العبودية موجودة وان الخدمة المنزلية تجل من تجلياتها هل يعني هذا أن ضالع في ممارسة العبودية ؟
السيف : طبعا
الصحفي : فلما ذا تصر على اقتراف هذا الذنب ؟
السيف : لأن المجتمع الذي أنا أعيش فيه يسيطر نظام البيظان وهو نظام بائد إذا لم يتم إلغاؤه لا يمكن ان نتخلص من العبودية ، فهو نظام قائم على مؤسسة وانقسام طولي ، بحيث ان كل قبيلة فيها سادة ، وغارمين ، وتابعين ، وعبيد ، فحين تقول بيظان معناه قبائل ، حين تقول قبائل معناه فيها سادة وعبيد ، إذن بقاء النظام نفسه كاف للتدليل على أننا لا زلنا نراوح مكاننا .
البظان كنظام مثله مثل الإقطاع إذا لم يفكك ويتم تجاوزه لا مجال للحديث عن التحديث ، ولا عن الدولة ، لأن المنظومة القيمية لهذا النظام مناقضة للدولة ، فنحن حتى الآن نجاحنا في الاندماج القومي كم نسبته ؟ تراجعت كان هنالك تقاطع بين الشرائح والأعراق بفعل التفسير الديني الخاطئ الذي يقول بأن بإمكان السيد أن يأتي أمته دون طقوس .
اسمح لي أقول لك إن المشكلة الأساسية في مواجهة العبودية كانت هي الخوف من ردة فعل السادة فجاء قانون إلغاء الرق سنة 1981م وطرح فكرة التعويض ، على اعتبار أن هذا مسألة شرعية وكان البحث عن ممول يمول تحرير العبيد ، الآن تم التجريم بما يفيد تجاوز الإلغاء ، وتحدث الفقهاء وتسابقوا على المنابر للتذكير بأن الاسلام بريء من هذه الظاهرة ، ألا يظهر هذا حجم تبعية الدين للدنيوي ، بمعنى أنه التفصيل حسب الحاجة .
الصحفي : إذن فقهاؤنا يفصلون الدين حسب الحاجة ؟
السيف : ألم يقل فقهاؤنا سنة 1981م أن إلغاء الرق يحتاج إلى تعويض السادة لأنهم يملكون الرقاب ، ألم يقولوا سنة 2015م بأن لا حاجة لذلك ما الذي تغير ؟
الأساسي أن نظام البيظان كنظام اجتماعي هذا النموذج مثله مثل النظام الإقطاعي بالتالي ما دام قائما لا مجال للحديث عن الدولة ، لأن بنياته مناقضة لبناء الدولة ، ولذلك تجد أنه في الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال نتحدث عن القبيلة نتحدث عن الجهة كما لم نتحدث عنها من قبل ما مرد ذلك ؟ هو تفسير لفشل في تحقيق اندماج وطني لأن العلاقات حتى على مستوى السادة تحكمها العلاقات التقليدية ، فكيف بفئة العبيد والأرقاء السابقين وغيرهم من الفئات الغارمة .
الصحفي : كيف نحقق هذا الاندماج إذن ؟
ج : هذا التفكيك يتم على المستوى الفكري ومنه ما يتم على مستوى المعالجة على ارض الواقع وقد تم بعض ذلك ، إلغاء أي مسائل ذات شحن تدعم تكريس عدم الاندماج .
اسمح لي أقول لك إن لدينا مفارقات عجيبة فيسارنا الذي وصل بفكره إلى الشيوعية هؤلاء الذين أرادوا أن نطبقوا شيوعية "ماو " وغيره ، لم يتجاوز اعتقادهم الفكري ذلك الدعوة ، لكن على مستوى الاندماج القومي كان ارتباطهم بالأساس ببنات أسرهم بالأساس وليس حتى بقبائل أخرى ، فاليسار عندنا لم يستطع التخلص من البنيات الاجتماعية التقليدية ، ما يدل على أن منظومة البيظان تفكيكها ليس سهلا .
استطاعت أن تحور اليسار وتجعله رجعيا بهذا المعنى لأن إيمانه بالأممية وقهر البوريتيريا وهو مع ذلك لم يستطع أن يتجاوز البنيات الاجتماعية التقليدية ، كم من اليساريين المعروفين استطاع أن تزوج من غير محيطه الاجتماعي ...لا يتم الحديث عن توجهات قبلية حتى الأمويين ...منظومة البيظان إذا لم تفكك لا مجال للحديث عن دولة ولا تطور ولا ازدهار .
اتهيدين يكرس نظام الإقطاع
الحديث في البرامج التراثية عن اتهيدين وشكر الأمراء ..الأمير سلطته منبثقة من الهيمنة على من هم تحته ...نحن قبلنا حرق الكتب ...لم تقع جزاءات حديث اللحظة الآنية ...
الفقه المالكي تم تجاوزه في العبودية وأصبح مضحكا ...
بعد ذلك تعرض ولد السيف في المحور الثاني من المقابلة لوضعية جامعة نواكشوط حيث إن كلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة نواكشوط في حالة يرثى لها حيث توفي عميدها قبل أكثر من سنة ودخل عليها أجانب في العدة ....و لم تسير حتى الآن من هيئة منتخبة ، وليست فيها مجالس علمية وهيئاتها منتهية الآجال ، وتسير بالبركة ــ حسب تعبيره ــ
وأضاف أن من بين أساتذة الكلية من يبذل جهودا في تسييرها لكنه تسيير خارج القانون . وفي رد على سؤال عن تفسيره لكون جامعة نواكشوط خارج التصنيف العالمي للجامعات قال ولد السيف : إنها لم تأخذ طريقه ففيها سنويا لا تعقد ندوة واحدة ...
نظام LMDوسنة التعليم
وعن ملاحظاته على سنة التعليم قال ولد السيف : لم ألاحظ استفادة في سنة التعليم ولم يتغير شيء في سنة التعليم ...وسنة التعليم أعتقد أن الناس تريد منها شيئا ليس هو المقصود منها ، فالتعليم لا يغير في سنة والهدف من سنة التعليم زيادة الاهتمام فقط ...وليس معناه قضاء على الجهل أو تحقيق التعليم في سنة .
وعن الجامعة كلها أكد ولد السيف أنها في حالة تعب شديد وأن من أبرز معيقاتها نظام LMD الذي أفرغ من معناه حيث ينص في بنوده أنه اقر لأنه متجانس في بنيته مع أنظمة التكوين العالي الدولية ويدمج ضمن التكوين التقوية في اللغات والتواصل والمعلوماتية ، أما عندنا فدفعاتنا تخرجت ولم تمس الآلة الطابعة يوما ولم تدرس المعلوماتية ، وترقية اللغات لم يساهم النظام فيها ، لأنهم لم يعرفوا هل سيدرسون اللغة أم المصطلحات ، وليس لديهم من يدرس اللغة ، كأساتذة لغة ، والمصطلحات ليست هي اللغة ، إذن فيجب حذف تقوية اللغات والتواصل والمعلوماتية .
وحين نلغي هذين العاملين ، نكون قد مسسنا النظام من الداخل ، لأنه يعتمد على البحث ولغة الباحث لا يمكن أن تكون واحدة ، وحين نلغي المعلوماتية والتواصل معناه عجز عن الاطلاع على المعلومات الهائلة المتاحة ، وعدم معرفة اللغة وعدم القدرة على المكتبية ، معناه فشل مضاعف للنظام لأن أدوات الطلاب في البحث غير موجودة .
وأيضا ينص النظام أنه "يسمح للطالب بالاختيار بين مسلك ذي صبغة عامة ومسلك ذي صبغة مهنية وهذا على مستوى كليتنا غير موجود لأن نفس المسميات التي كانت عندنا هي التي ما زالت عندنا لم يطرأ جديد . ينص النظام كذلك على أنه يسمح للطالب بإعادة التوجيه داخل مؤسسته أو الانتقال من مؤسسة إلى أخرى ، وهذا هو أبعد شيء عن الواقع عندنا ، فكليتنا الآن فيها لجنة التوجيه والبحث العلمي توجه الطلاب وحتى الآن ما زال الطلاب يريدون إعادة التوجيه لما ذا لأن حجم الاستيعاب محدود ، وعلى مستوى كلية القانون ، وهي أتعب من الكليات الأخرى الأخرى المشكلة أن طلاب التخطيط يريدون التحويل وممنوعين معناه أن الحديث عن تمكين الطالب من اختيار مساره غير موجود لأنه مجبر لا مخير .
السياسة مصدر استنزاف وفشل
وعن دور السياسة في هذا الواقع المأساوي في الجامعة قال ولد السيف : السياسة هي مصدر الفشل في الجامعة ، وذلك يعود إلى تسجيل النقاط بين السياسيين معناه أن تدخل الفاعلين السياسيين في المجال التعليمي سافر وقاتل فلما ذا الصراع على الساسة ؟ لأنها هي التي عن طريقها يمكن للفاعلين السياسيين إيصال الخطاب إذا هذا مفهوم ، ما يتم على مستوى الكليات هو عبارة عن تسجيل النقاط بين المعارضة والأغلبية ، فالسلطة هدفها أن يتم افتتاح العام الدراسي وانتهاء بسلام دون إضراب ، في سبيل هذا الهدف يتم تجاوز المعايير الأكاديمية والموضوعية ، ويتم احتواء كل تطلع نقابي للتعبير من الأساتذة أو من الطلاب .
أما المعارضة فتسعى للتغلغل داخل النقابات لتوجيه الضربات تلو الضربات للسلطة ، من خلال تحريك الساحة الطلابية ، إذن ضاعت العلمية والأكاديمية في ظل هذا الصراع ، الذي أدى إلى معركة تسجيل النقاط ...بين الفاعلين إلى أن أصبح ذلك هو الهدف والغاية ، هدف الإدارة عام دراسي بدون إضراب ، وهدف المعارضة أن يكون عاما مضطربا . أما استنزاف الأساتذة فالأساتذة أغلبهم انضم إلى التعليم العالي للحصول على وظيفة ، ولذلك تلاحظ أن مستوى حضور كلية العلوم في الدائرة الأولى في الدولة غريب وعجيب ، أهم أساتذة كلية العلوم الذين لا يوجد مثلهم ، ذهبوا في وظائف إدارة الديوان والوزارة كذا والوزارة كذا ...فأساتذة كلية العلوم الذين هم أساتذة من نوعية نادرة اشتغالهم بالعمل السياسي حولهم من مصدر لتدريس طلاب محتاجين إلى السياسة ...والكليات الأخرى عيونهم على ذلك إلا أنهم لم يصلوا إليه ، معناه أن جميع المتميزين من الأساتذة والذين لديهم قدرة وملكات معينة يستقطبون في إطار السياسة ...وهذا يؤدي إلى أن جزء أساسيا من الأساتذة الفاعلين المهمين خارج إطار العملية التدريسية .
وعن تحرش الأساتذة بطالباتهم في الجامعة قال ولد السيف : أعتقد أن فيه مبالغات ، إلا أن العلاقة منذ زمن طلبة المعابد كانت علاقة جسدية فسلطة الأستاذ على الطالب سلطة جسدية ، والأستاذ انطلاقا من مركز التأثير يمكنه استغلال ذلك ، لكن في المقابل الاساتذة يتعرضون للكثير من الأمور والمضايقات ..
التحرش عاد في ثقافتنا
وأضاف يعقوب : "مفهوم التحرش في الثقافة الشعبية من المفاهيم العادية ، ينشدون الشعر الذي فيه شيخ وعالم جليل يراود أهل بيت في غياب والدهم ، هنالك تباهي بدرجة الاهتمام ، معناه أن هذه المفاهيم فيها شيء دخيل وتشنيعي ...والأساتذة في الغالب الأعم لا يمارسون هذه الممارسات ، مع أن هنالك حالات استثناء لا يمكنني إنكارها ... افتتاح الماستر نموذج "حطاب الدشرة " وعن مدارس الماستر قال يعقوب إنها نموذج لـ"حطاب الدشرة " حيث كنا قد طلبنا قبل إقراره النظام الفصلي وتقسيم السنة الأولى فجاء LMD ...أما الماستر فأصبحت موضة ، قبل هذا النظام كنت أدرس مادتي في عام وأصبحت أدرسها في شهرين مع أنه لم يتغير سوى الاسم .
اليسار المُحوَّر
وفي رده على سؤال عن رأيه في اليسار قال الباحث والقانوني والأستاذ بجامعة نواكشوط يعقوب ولد السيف إنه من المفارقات العجيبة في موريتانيا أن اليسار فيها الذي وصل بفكره إلى الشيوعية حورته منظومة البيظان وجعلته رجعيا لأن إيمانه بالأممية وقهر البوريتيريا لم يستطع تجاوز البنيات الاجتماعية التقليدية .
وأضاف ولد السيف أنه اختلط عليه اليسار باليمين ، وسمع أن اليسار قاد حركة النضال لكنه يخشى عليه من عدم الصدق مع الذات ، لأنه أن يؤمن شخص بفكرة ولا يؤمن بها أو لا يعبر عنها أو يهادن فيها فإن ذلك يعتبر إهانة للشخص ستلاحقه في حياته وأخشى أن تلحق به في مماته ، ومن آمن بالشيوعية ولم يقلها يكون فوت على نفسه حلاوة تعبيره عما يريد ، معناه أن اليسارية التي صاحبها محافظ ، أو خاضع للمجتمع ، أعتقد أنها مضيعة للدين والدنيا ...
وتساءل يعقوب كم من اليساريين المعروفين استطاع أن يتزوج من غير محيطه الاجتماعي ...بل إنهم الآن يتحدثون عن توجهات قبلية . -
تدوير النخبة أو النخبة التي لا تساوي شيئا
وعن مصلطح تدوير النخبة الذي استخدمه مؤخرا في محاضرة له بجامعة الحسن الأول بالمغرب قال :
مفهوم تدوير النخبة عنوان أعجبني وقبله منظموا الندوة ، تدوير النخبة أن النخبة في موريتانيا التي يعول عليها في تغيير المجتمع لأن مفهوم النخبة يعني بالإضافة إلى الانتخاب والتميز بالمقارنة مع المجموع دورا رياديا في التأثير ، نخبتنا ليست مؤثرة لأنها يتم تدويرها سواء بالمعنى الصفري أي الدائرة ، بمعنى أنها لا تساوي شيئا ،
أو كان بتدويرها الذي يعني السكون أي عدم الحركة ، بمعنى أنها لا تؤثر ، أو كان بمعنى التدوير الذي هو إعادة التنشئة ، بمعنى توجيهها في غير ما وجدت له ، وهذا كله تقوم به الأنظمة أي أنها نخبة في النهاية نقمة على المجتمع ، ولا تؤثر فيه ، هنالك فقط نخبة عسكرية هي المؤثرة ، وحتى النخبة العسكرية لم تأت انتخابا وإنما جاءت ضربة حظ .
عن جمعه بين ارتياد المساجد والتعبير عن الآراء التحررية في المحاضرات قال ولد السيف في المساجد الحديث أن من تردد عليها يشهد له بالإيمان ...لكن مع ذلك اللصوص مكانهم في الصف الأول ...أما الآراء فأنا أدرس مادة كافرة وحديثي في المادة ليس هو أنا ، أتحدث في المادة عن تطور فكر ...
وعن رأيه في الإلحاد بصفته القانونية قال إن للملحدين الحق في الالحاد ، ولهم حرية الاعتقاد التي يكفلها القانون الموريتاني .