بعد يومين تودعنا سنة 2020 بما حملته من أحداث مؤثرة ، وهي مناسبة لاستعراض حصادها في الجوانب المختلفة ، سياسية واجتماعية واقتصادية ، وهو الجهد الذي نعتزم في "نوافذ " القيام به خلال الأيام المقبلة ، لنشفعه بآراء السياسيين والمتابعين لهذه الأحداث .
لا خبر جديد في حد ذاته خبر سار كما يقول الفرنسيون : Pas de nouvelles bonnes nouvelles
مثلت إقالة الوزير الأول إسماعيل ولد الشيخ سيديا في السادس من أغسطس 2020 الحدث السياسي الأبرز في موريتانيا خلال هذه السنة ، باعتبارها مثلت تغييبا للشخص الثاني في السلطة التنفيذية الذي يفترض أن إقالته لا تأتي إلا في حالة الضرورة القصوى ، كحجب الثقة من البرلمان ما يعني فقدان الأغلبية ، أو تغيير بيّن في السياسة الداخلية ، أو العجز عن تحقيق الإنجازات ، فالمفترض أن إقالة الوزير الأول يترتب عليها تحول في السياسة التي كان يسير عليها البلد ، يبرز فرقا بين سياسة الوزير الأول وسلفه ، كتشكيل حكومة وفاق وطني ، وإحداث تغير في سياسة الحكومة وطبيعة تعاملها مع الفرقاء ، عندها يكون للإقالة معني .
الإقالة المفاجئة جاءت في أقل من سنة من تشكيل الحكومة ، فكانت أكبر حدث سياسي شهدته الساحة الموريتانية خلال السنة المنصرمة ، على اعتبار قلة الأحداث السياسية البارزة في السنة ، فلم يحدث انفراج سياسي واسع ، ولا انهيار كتل سياسية قائمة أو ظهور أخرى ، ولم يباشر حوار وطني جامع .
المفارقة أن هذا الحدث لم تترتب عليه نتائج بحجمه ، ما يعني أن طبيعة التغيير في الحكومة من بعد ، كان يلائمه التعديل الوزاري الموسع أكثر من إقالة الوزير الأول ، خاصة أنه لم يأت بعد انتخابات تفرضه.
ولا تقتصر المفارقات عند انعدام النتائج بل كان من مفارقات هذه الإقالة أنها أول مرة يغادر فيها وزير أول إلى بيته ، حيث جرت العادة في الآونة الأخيرة أن يغادر الوزير الأول إلى وظيفة سامية كالأمانة العامة للرئاسة أو وزير مستشار ، ذلك على الأقل ما حدث مع "ولد محمد الأغظف ، وولد حدمين وولد البشير" .
ليس ذلك وحده بل تم جلب شخص من محيط الوزير الأول أقل منه مؤهلا وخبرة ، وتعويضه به قد يفسر بأنه إساءة له بإحلال من لا يماثله في المنزلة مكانه .
ومما زاد الإقالة غرابة وانعزالا في السياق أنها لم تشمل وزراء العهد الأول جميعهم بل بقي بعضهم ، كما تم الإبقاء على أكثر أعضاء حكومته ، لتكون إقالته معزولة أيضا في محيطه الحكومي .
لم تحمل إقالة ولد الشيخ سيديا أيضا تغيرا في الاستيراتيجيات والخطط والتوجه الحكومي العام ، بل لعلها المرة الأولي التي يكون فيها التبادل بين وزيرين أولين ثانيهما يتبنى عمل سلفه .
وإمعانا في المفارقة تم إبلاغ الوزراء المشمولين في ملفات لجنة التحقيق أنه ستعاد لهم الثقة إذا ما تمت تبرئتهم ، ليتم بعد ذلك تعيين مسؤولين ألصق بملفات التحقيق من الوزير الأول المقال الذي جاء ذكره فيها عرضا .
هي إذن جملة أمور أفرغت الحدث السياسي الأبرز في سنة 2020 من محتواه بشكل تام ، فمشكل تحديد أسبابه، وانعدام نتائجه المترتبة عليه ، يجعل قراءة محددات العمل السياسي للرئيس ونظامه الجديد متعذرة على المحللين ، بل ولا تساعد في فهم آليات تعاطي النظام الجديد مع الأحداث .