لقاح الكورونا..وأحلام العصافير
بقلم د/ناجح إبراهيم
• اجتاحت أزمة كورونا العالم وكسر رقم الإصابات المليون,وقتلت ويتمت ورملت مئات الآلاف,انتظر العالم كله بلهف وقلق ظهور لقاح يريح الناس من شرها ويعيد لهم أمنهم وطمأنينتهم علي أغلي أحبتهم ويعيد لحركة الحياة تدفقها وانسيابها.
• لم تتأخر كلمة العلماء طويلاً,وجاءت كلمة الحسم علي يد د/أوغر شاهين وزوجته وشركته بالتعاون مع فايزر.
• ثم ظهر اللقاح الأمريكي الذي أنتجته شركة موديرنا الأمريكية وحقق نجاحاً ملموساً,أما لقاح أكسفورد فقد حقق نجاحاً أقل منهما ولكنه أرخص وأسهل في التخزين.
• أما اللقاح الروسي"سيوتنيك 7"فقد جرب علي متطوعين من عدة بلاد ولكن لم تنشر عنه الكثير من الأبحاث,أما اللقاح الصيني فقد أنتجته شركة سينوفاك بيوتيك الصينية وقد جربته عدة دول.
• والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:أين مئات الجامعات ومؤسسات البحث العلمي العربية من البحث عن لقاح لكورونا,ولماذا لم تسمع كلمة في أخطر قضايا العلم من هذه الدول التي تنفق المليارات علي التوافه,أم سننتظر شراء اللقاح من الآخرين,لأننا عالة علي الآخرين رغم امتلاكنا لكل مؤهلات الحضارة الإنسانية.
• الجامعات العربية تعاني الآن تدهوراً علمياً وقيمياً,وميزانية البحث العلمي فيها متردية,وتنفق كلها علي المرتبات والمكافآت,ولا تكفي الميزانية لشراء أقل الخامات وفوط المعامل,وعدد المنح العلمية للخارج في العلوم الرئيسية قليلة,فضلاً عن عدم حصول أي عالم من أي جامعة عربية علي جائزة نوبل.
• معظم الجامعات العربية تعيش علي المواءمات والمجاملات والتدخلات الخارجية وتعاني من التوسع الغير مدروس وظهور جامعات غير مؤهلة ولا مجهزة للتعليم والبحث العلمي الحقيقي ولكن للمجاملة الكاذبة لكل منطقة.
• تري لو كان البروفيسور شاهين مكتشف اللقاح ظل في تركيا بلدته الأصلية هل كان سيصل إلي ما وصل إليه,تري لو هاجر إلي بلد عربية وليس ألمانيا أكان يمكن أن يحصل علي الجنسية بسهولة,أو يؤسس شركة متعددة الجنسيات يعمل بها 1300 عالماً وباحثاً من 60 دولة,أم أنه سيظل وقته كله ينتقل ذليلاً من مؤسسة إلي أخري بحثاً عن الإقامة,أو طلباً لجنسية لن يحصل عليها,ويتعرض لمئات الأسئلة والشكوك,ويعاقب علي كل موقف سياسي أو اقتصادي يفعله وطنه الأصلي الذي تركه طفلاً ولا علاقة له بمواقفه.
• تري لو أن د/زويل ظل في مصر هل كان سيري نوبل,ويحقق كل هذه المعجزات العلمية,أم كان ينفق معظم حياته في صراع بيروقراطي عقيم من أجل درجة مالية تافهة,وكان سيعيش مع غيره من الأساتذة"أحلام العصافير"التي هي أحلام معظم المواطنين العرب في بلادهم.
• لو أن العلامة د/مجدي يعقوب أود/ فاروق الباز أو د/كمال أبو المجد أو غيرهم مكثوا في أوطانهم ما وصلوا إلي ما وصلوا إليه ولعاشوا حياتهم في كدر مع توافه الأمور والقيل والقال والأسافين الرخيصة,ولصغرت أحلامهم وتبخرت طموحاتهم وأصبح منتهي أمانيهم أن يوفروا لقمة العيش والتعليم لأبنائهم.
• سافر شاهين طفلاً صغيراً فقيراً مع والدته من تركيا لألمانيا ليلحق بأبيه العامل البسيط,منح كل شيء بسهولة بدءً من الجنسية حتى حرية أن يصبح خامس أغنياء ألمانيا بعد أن صعدت أسهم شركته في البورصة من 4 مليار إلي 21 ملياراً.
• خلافات ألمانيا وتركيا في السنوات الأخيرة لم تنته ولكن لم يمسه أحد بكلمة أو يلسعه الإعلام بدعاوي الخيانة والعمالة أو يطالب بمصادرة أمواله,هذه الحرية أفادت ألمانيا كما أفادت شاهين,فقد منح ألمانيا أعلي وسام علمي باكتشاف أفضل لقاح سيدر المليارات عليها.
• ترى لو أن البروفيسور شاهين كان في وطنه الأصلي هل كان يستطيع أن يعقد شراكة مع فايزر الشركة الأمريكية التي يرأسها ألبرت بورلا اليوناني الأصل,لكن في أجواء الحريات والمناخ الصحيح تعلو الإنسانية وتعاونها علي صراعات الشعوب والحكومات.
• ما بين تركيا واليونان صراعات لا تنتهي,ولكن شاهين التركي الأصل والألماني الجنسية و ألبرت بورلا اليوناني الأصل والألماني الجنسية قدموا مصلحة الإنسانية علي التعصب الديني والمذهبي والسياسي.
• الإنسانية كلها كتلة واحدة لا تتجزأ,تتعارف وتتعاون وينفع بعضها بعضاً,هي تتعدد ولكنها لا تتجزأ"كُلُّكُمْ لِآدَمَ""إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"فاللقاح يكتشف في أي مكان ويكتشفه أي عالم من أي دين أو عرق أو جنس فينفع البشرية كلها,وينفع الباحث وكذلك الشركة التي تنتجه.
• جهاز الرنين المغناطيسي يخترعه المسيحي فينفع المسلم واليهودي والبوذي والسني والشيعي,وهكذا الإنسانية جامعة,وهي قبل التدين,وليست قبل الدين.
• من كانت لديه إنسانية ورحمة سيكون تدينه صحيحاً وقوياً وسليماً,ومن عدم الإنسانية والرحمة فلن يصح تدينه وإن صلي وصام.
• العلم جامع,وله رحم بين الناس جميعاً"إنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضاً بِما يَصْنَعُ""يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"يرفع الفريقين معاً أهل الإيمان,أهل العلم,فكلاهما يضيئان الحياة ويرفعان من شأن الأحياء.
• لن يكون هناك علم بدون حرية وأمان وغنى وسعة للعلماء,وبدون ذلك سيعيش العلماء"أحلام العاصفير".