ضمن نافذتنا علي إصلاح التعليم في موريتانيا ننشر اليوم مشاركة المفتش سيدي ولد محمد الأمين في هذه النافذة والتي تناولت بإجابات شافية علي الأسئلة المحورية التي قدمتها "نوافذ " كمفتتح تأطيري لهذه النافذة التربوية .
نص المشاركة :
المفتش :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله..
بداية، لا بد أن أشكر "نوافذ" التي سمحت لنا بالتسور من خلالها إلى واحدة من أهم القضايا الوطنية تعقيدا لنوقد للقارئ حولها شموعا قد تفيد في تبديد الواقع الحالك لهذه القضية، ألا وهي التعليم.
وعندما يجمع الكل: خبراء، ومهتمين، وساسة، ومرتادي خدمة أن تعليمنا ليس بخير، فلا بد أن الأمر كذلك..
الجميع يعرف أن التعليم في مشكل، وهذا يعني باختصار أن الوطن في مشكل؛ إذ أنه لا استقرار ولا تقدم ولا تنمية في أي وطن ما لم يكن التعليم فيه في مستوى الطموح.
نوافذ : 1 ــ صادق مجلس الوزراء مؤخرا علي مشروع قانون يتضمن مراجعة لبرامج التعليم الثانوي والمدرسة العليا للتعليم،مواكبة لاصلاح التعليم فما رأيكم في هذا القرار ؟
المفتش : قرار مراجعة برامج التعليم مطلوب كل فترة، إذ أن المعارف تتجدد باستمرار، وطرق ومناهج التدريس تتطور هي كذلك، وجمود البرامج يعني عدم مواكبة تلك التطورات سواء على مستوى المعارف أو على مستوى التقنيات وطرق التدريس.
وهذا ما يجعل التعليم ومتعلقاته ديناميكيا بقدر حركية الحياة نفسها.
لكنني أعتبر القرار متسرعا فيه، فقبل مراجعة البرامج والمنهاج يستحسن أن ننتظر ما ستتمخض عنه القرارات حول إصلاح التعليم، وكتابة البرامج قبل معرفة المراجعات التي ستقرر ستكون عبثا ينضاف إلى الأعمال العبثية التي كانت أحد أسباب الاختلال الذي أصاب التعليم في مقتل.
نوافذ ــ منذ بدايات الاستقلال وبلادنا تدور في دوامة الإصلاحات التربوية إصلاح 1967- 1973 – 1979- 1999، فما العوامل التي عرقلت هذه الإصلاحات؟ و ما الحلول التي يمكن اقتراحها اليوم؟
المفتش : هذا أمر طبيعي؛ فبلد ناشئ لا بد أن يمر بتجارب تكون في بعض الأحيان ساذجة أو غير مكتملة، يمكن أن تقارن الإصلاحات المعدودة في بلدنا مع الإصلاحات بالمئات في بلدان عتيقة مثل فرنسا أو انجلترا.
الأمر يتعلق بديناميكية التعليم نفسه واعتباره مجالا متحركا مرنا، والسؤال الأهم المطروح في كل إصلاح: هل صمم ضمن استراتيجية وطنية تحقق الغايات الوطنية الكبرى وتضمن الهوية الوطنية أم لا؟
أعتقد أننا في الحقبة الداداهية شهدنا ثلاثة إصلاحات رئيسية وهذا يعبر عن تطلع للبناء عبر التعليم والاستجابة للمطامح الوطنية، ولكن منذ إصلاح 79 دخل البلد في رتابة استاتيكية مفهومة لأن البلد تعطل في تلك العقود حتى جاء إصلاح 99 الذي كان في جوهره استجابة للمشروطية السياسية/الاقتصادية التي خضعت لها البلاد منذ التسعينيات.
أنتجت هذه الإصلاحات جيلين مختلفين: لا يتواصلان بلغة موحدة، أحدهما وجد ظروفا ملائمة للترقية الاجتماعية عبر التعليم، وهذه إحدى وظائف التعليم الأساسية، والآخر تعلم في عصر ضياع القيمة المعرفية وفي ظل العولمة الحالية فاقدا لأي هوية أو حافز.
الحل؟
لا يمكن أن تسأل عن الحل إلا من خلال ندوة وطنية كبرى عن التعليم تشارك فيها كل القوى الوطنية من ساسة ومؤسسات اقتصادية ومجتمعية لنحدد ماذا نريد من التعليم، وبالتالي أي تعليم نريد.
نوافذ : ـ إذا طلب منكم وضع تصور يسهم في إصلاح النظام التربوي الموريتاني ما ذا بإمكانكم قوله ؟
المفتش : لو طلب مني وضع تصور للإسهام في إصلاح النظام التربوي الموريتاني فسأقدم من ضمن عدة تصورات النقاط التلية:
أولا: الإدارة:
اللجوء لنمط الإدارة التشاركية للمدارس قد يكون خلاصا للتعليم في هذه المرحلة، فالتعليم يهم الجميع، ومن الخطأ مركزة إدارته في يد البيروقراطية، لذا من المهم مشاركة أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المدني والسياسي في تسيير المدارس.
وفي هذا الإطار يمكن استحداث مجالس محلية للتعليم تكون مهمتها التخطيط ورصد التمويل والتسيير للمؤسسات التعليمية الموجودة في منطقة معينة (ولاية أو مقاطعة) ومن شأن ذلك أن يرفع من مردودية التعليم وكفاءة المدرسين إذا خضعوا للإدارة والرقابة المحلية من ناحية، ومن ناحية أخر سيوفر للدولة موارد إضافية خصوصا تلك التي تبدد في إطار اللامركزية المشوهة المتبعة الآن، ولا يبقى للإدارة المركزية للتعليم سوى المتابعة والتحقق من تجسيد الأهداف وتوفير الحاجة في هذا المجال سواء تعلق الأمر بالجانب الفني أو الموارد البشرية والمادية.
ثانيا: قيمة المعرفة:
إن الرفع من قيمة المعرفة يتجسد عمليا بالرفع من قيمة المدرس ماديا ومعنويا، فلا بد من مضاعفة أجور المدرسين: أساتذة ومعلمين حتى يكونوا الأعلى أجرا من بين كل الموظفين العموميين، ولا بد من اختيارهم من بين الأفضل، فلا معنى لأن يكتتب معلم لا يجيد الإملاء أو غير قادر على التواصل.. هذا حط من قيمة المعرفة!
ثالثا: التعليم الخصوصي:
أدعو إلى القضاء على التعليم الخصوصي، فهو من معيقات تقدم التعليم في هذا البلد، فبالإضافة إلى تسليعه للمعرفة، قضى على معنى المدرسة: التي تعني الفضاء الأوسع للتلميذ الذي يلتقي فيه بأقرانه من كل صوب ويسهم ذلك في تذويب الفوارق المجتمعية بين مرتادي المدرسة، حتى من ناحية تربوية تقتل بعض المدارس الخصوصية روح المدرسة بعدم وجود ساحات فسيحة إذ لا توفر فضاء رحبا للتلميذ ولا تختلف عن المنازل!
أدى التعليم الخصوصي إلى وجود مدارس طبقية وأخرى جهوية وأخرى قبلية أو عرقية حتى.. وهو ما لا يخدم أهداف خلق المواطن الصالح الذي نسعى إلى تكوينه، كما أنها في كثير من الأحيان لا تنسجم المقررات المدرسة بها مع المقرر الرسمي مما يشكل خرقا سافرا لالتزاماتها تجاه الدولة، وفوق ذلك تميع سوق التعليم باكتتاب مدرسين لبعض المواد لم يخضعوا لتكوين يذكر مما يجعلهم غير مؤهلين للقيام بمهمة التدريس.
وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أندد بالتعليم الخصوصي الذي تمارسه الدولة من خلال مدارس الامتياز ـ والتي من وجهة نظري ليست إلا تمييزا ـ والمدارس النموذجية والمدارس العسكرية، فهذه مدارس خاصة تميز بين أبناء موريتانيا. فعلى أي أساس نمنح هؤلاء الاهتمام ونهمل البقية؟ هذا أمر لا تفعله الدول التي تحرص على خلق الفرص المتكافئة بين مواطنيها!
رابعا: تحديث الوسائل:
لا يعقل أن تظل السبورة السوداء والطبشور الأبيض أهم وسائل التعليم في عصرنا الحالي الذي يشهد ثورة رقمية غير مسبوقة؛ وفي هذا الصدد لا بد من استخدام وسائل عصرية حديثة تتماشى والتطور الحاصل في كل المجالات.
نوافذ : ما هي أسباب ودواعي ضعف مستوى الالمفتش :تعليم في بلادنا ؟
المفتش : يمكن تلخيص أسباب ضعف مستوى التعليم في:
1. أسباب سياسية: ومنها ضعف الإرادة السياسية في اتجاه الرفع من مستواه، والتي يعبر عنها خطط استراتيجية ورصد تمويلات لازمة لتطوير وترقية التعليم.
2. أسباب مجتمعية/اقتصادية: تتمثل في تراجع الاهتمام بالتعليم نظرا للبطالة التي تشتد وطأتها لأصحاب الشهادات، وطغيان الاعتبارات المادية على ما سواها منذ التسعينيات..
3. أسباب فنية: فموريتانيا تتأخر كثيرا عن مواكبة الطفرة المعرفية والمعلوماتية والوسائل التقليدية.
نوافذ : يشكو كثير من الخبراء من غياب التكوين المستمر فما هي سبل بنائه ونجاحه و جعله تكوينا ذا مردودية وما السبيل إلي تفعيل دور الإشراف التربوي و المتابعة؟
المفتش : التكوين المستمر ضمانة مهمة لمواكبة التطورات الحاصلة في المجال التربوي فنيا وعلميا، وبدونه يتكلس المدرس ويصاب بالجمود، ولا يستطيع أن يساير العصر.
وفي سبيل ذلك يتعين أن يكون جهاز الإشراف التربوي مؤهلا للقيام بهذه المهمة، متوفرا على الوسائل الكفيلة بمتابعة هذا الجانب المهم، ممكنا من الصلاحيات المناسبة للقيام بعمله على أكمل وجه.
وهنا أسجل بارتياح تبني خيار "التأطير عن قرب" في التعليم الثانوي، وإن كان ما زال غير ناضج بفعل قلة البنية التحية والوسائل والكادر البشري الذي يزال يبحث عن الحوافز والحقوق المادية رغم مرور ست سنوات على إنشاء سلك مفتشي التعليم الثانوي..!
نوافذ : ما أبرز الاختلالات التي يعاني منها نظامنا التعليمي وما تصوركم لإصلاحها ؟
المفتش : أعتقد أنني تحدثت فيما سبق عن هذا الموضوع.
نوافذ : هل تكفي مراجعة البرامج لإصلاح التعليم ؟
المفتش : مراجعة البرامج جزء من إصلاح التعليم، ولا بد من تجديد مراجعة البرامج كل خمس سنوات تقريبا على الأقل لإدماج ما يجد في المجال التربوي والمعرفي.
لكن إصلاح التعليم عملية واسعة جدا تطال البنية والمؤسسة والاستراتيجيات والخطط والمصادر البشرية والمالية، ولا يمكن اختزاله في مراجعة البرامج.
نوافذ : كلمات قليلة عن المفردات التربوية التالية :
• البرامج
• طرائق التدريس
• لغة التدريس
• التقويم و الامتحانات
• الكتاب المدرسي و الوسائل الديدكتيكية.
• المدرس و مشاكله
• التلميذ و مشاكله
• البنى التحتية
. الحكامة
المفتش : البرامج: وسيلة تربوية أساسية ينبغي العمل على تحسينها باستمرار.
طرائق التدريس: مبادئ للتدريس ينبغي تكييفها مع واقعنا الموريتاني الخاص.
لغة التدريس: لغة الأم حسب ما تنصح به اليونسكو وكل الأخصائيين التربويين.
التقويم والامتحانات: نحتاج لتحديثها، تبسيطها حتى تتواءم مع الواقع التكنلوجي الحالي.
الكتاب المدرسي والوسائل الديداكتيكية: عملية توفيرها إحدى أسرار نجاح التعليم.
المدرس ومشاكله: قلب العملية النابض ولذلك ينبغي أن تحل مشاكله لأنها ستخلق مشاكل للتعليم بأسره.
التلميذ ومشاكله: التلميذ هو محور العملية، مشاكله تتلخص في محيطه، وعندما يتم تجاوزها نخلق الإنسان المعجز.
البنى التحتية: لا بد من توفير بنية كافية تستوعب الحاجات المتجددة للتعليم.
الحكامة: التعلم مسؤولية قبل كل شيء، وليست الدولة وحدها المسؤولة عنه: هناك المجتمع المدني والأسرة، البلدية والحزب، النقابة وكل مواطن.
كل أوقية ترصد له لا بد من أن تؤدي دورها فلا مجال للتلاعب بها.
العلاقات بين أطراف العملية التعليمية ينبغي أن تكون شفافة، والتحويل والترقية في موظفيه يجب أن تكون موضوعية وعادلة.
في الختام أشكركم.