جاء التعديل الوزاريّ هذه المرة على خلفية تقرير لجنة تحقيق برلمانية وردت فيه أسماء وزراء في الحكومة المستقيلة، تحوم حولهم شبهات متعلقة بقضايا فساد لها صلة بقطاعات كانوا مسؤولِين عن تسييرها.
يتبيَّنُ من خلا البيان الذي ألقاه السيد/ آداما بوكار سوكو، الوزير الأمين العامّ لرئاسة الجمهورية- قبل استعراضه لأسماء أعضاء الحكومة الجديدة- أنّ من أهم مسوِّغات هذا التعديل، الانسجام مع مضمون لجنة التحقيق البرلمانية، وإعطاء فرصة للوزراء المعنيين لإثبات براءتهم، مع الإشارة إلى أنّ الدولة قد تسفيد مستقبَلًا من تجربتهم في حالة البراءة من التهم الموجهة إليهم (المتهَم بريءٌ حتى تثبُتَ جرِيمتُه).
وفي ذلك إشارة قوية إلى أنّ الدولة دولة قانون، لا يُظلَم فيها أحد، ولا أحد فيها فوق القانون (في الوقت نفسِه)، وهو أمر مشجِّع ويبعث على الاطمئنان.
جاء التعديل إذنْ في سِياق خاصٍّ جدًّا، يختلف عن السياقات التي تُجْرَى فيها تعديلاتٌ عادية بناءً على ضعف أداء بعض أعضاء الحكومة، أو عجز بعضهم عن مزاولة العمل، أو البحث عن خبرات معينة، أو استجابة لتطلعات أحزاب سياسية أو نقابات، أو مؤسسات مجتمع مدني، إلخ.
معنى ذلك، أن تطلعات الموريتانيين تركز-بصفة عامة- على ضرورة ضخ دماء جديدة في الإدارة والمرافق العمومية، على مستوى (على سبيل المثال) الأمناء العامين بالوزارات، والمديرين، ورؤساء المصالح، ومديري المؤسسات الكبرى في القطاعات العمومية وشبه العمومية، والسفراء والمستشارين، وحميع موظفي الدولة.
بمعنى أنّ بضعة وعشرين وزيرًا، عدد قليل لا يمكن أن يجد فيه كل واحد ما يصبو إليه، بينما القطاعات الأخرى يمكن أن تستوعب أهم التطلعات.
أقترح على فخامة رئيس الجمهورية/ الأخ الموقر محمد ولد الشيخ الغزواني، وعلى الحكومة المحترمة أن تهتم بهذا الجانب المتعلق بما يُطلِق عليه بعضُهم "تدوير الوظائف".
وسبق أن كتبتُ مقالا في الموضوع، بتاريخ 23 يناير 2020م، بعنوان: "نبض الشارع الموريتاني"، جاء فيه:
"لقد لاحظتُ في الآونة الأخيرة أنّ بعضَ المواطنين (الشباب بصفة خاصة) بدأ يتسلل إليهم شيءٌ من الإحباط النفسيّ بسبب استمرار الحكومة في نهْج الحكومات السابقة، في الجُزئية المتعلقة بإجراء تبادل بين الموظفين السابقين (بين الفينة والأخرى)، بدل ضخ دمٍ جديدٍ في الإدارة من خلال إتاحة الفرصة في هذه التعيينات لوجوه جديدة.
أقول للإخوة المُتمَلْمِلين من هذا الأمر، إنّ الوقت ما زال باكرًا على تمكُّن الحكومة الجديدة من رسم خُطة لتصحيح الأوضاع التي كانت سائدة، فليمنحوا مهلة كافية للرئيس ولأعضاء الحكومة، تمكنهم من اختراق ما يسمّيه بعضُهم "الدولة العميقة".
ولعل فخامة الرئيس، يتنبه لتطلعات المواطنين الذين راهنوا/ ويراهنون على أنه وعد-في برنامجه الانتخابي- بالمحافظة على المكتسبات الوطنية وسد الثغرات الموجودة في طرائق تدبير الشأن العام، وتسيير شؤون مؤسسات الدولة بصفة خاصة. ومن هذه الثغرات: أساليب التعيين في الوظائف".
إنني على ثقة تامة بأن السيد رئيس الجمهورية يُدرِك جيدًا هذا الأمرَ، وأن القضيةَ قضيةُ وقت، وترتيب أولويات، راجيًا له وللحكومة الجديدة التوفيق والسداد، ولموريتانيا مزيدًا من التقدم والازدهار في هذا العهد الميمون.
إسلمو ولد سيدي أحمد