ولد أبتي، كما ارتسم في أذهاننا/ محمد فال ولد سيدي ميله
بعد أيام قليلة، سيعرف الموريتانيون النسبة المئوية للوعي داخل قطاع المحاماة. نرجو أن لا يخيب الظن في هيئة واكبت كل الأحداث السياسية والحقوقية المؤلمة، وساندت، مجانا وبكل اندفاع، كل من سجنوا أو عذبوا، حيفاً وجوراً، من قبل الأنظمة المتفرعنة المتعاقبة على السلطة في بلاد السيبة.
لا أفترض في المرشح محمد أحمد ولد الحاج سيدي إلا الكفاءة والجدية والانضباط. لكن مساري المهني الطويل بين صفحات الجرائد، منذ الصراع المرير مع أنياب المادة 11 إلى الأمس القريب، مكنني من القدرة على تقييم بعض الشخصيات الاستثنائية في نضالاتها، في شجاعتها، في كفاءتها، في مبدئيتها وفي إيمانها بالحرية والعدالة. ولعل من أبرز هؤلاء، ضمن نسيج المحامين وعلى مرّ تاريخهم، المرشح إبراهيم ولد أبتي.
الأستاذ ولد أبتي يذكّر بكبار المحامين العالميين الذين عرفوا كيف يلبسون العباءة وكيف يزركشونها بموهبة فائقة. إنه يذكّر بمشاهير المحامين من أمثل جاك فيرجيس وهانري لكليرك وبول لومبار، ليس على صعيد الصيت والقدرة على مجابهة الملفات المعقدة فحسب، لكن أيضا على صعيد جودة المرافعات والقدرة على المراوغة وسلامة المنطق واحترام المهنة، لأنه ظل يؤمن، مع وليام بوردون، بأن "القانون يمكن أن يغير العالم" لذلك ما فتئ يناضل من أجل العدالة في بلادنا، فذاق في سبيلها طعم السجون مع المحامين، ومع الحقوقيين، ومع السياسيين.
وإن أقل ما يستحق مثل هذا الرجل على زملائه منحه أصواتا تعبر عن تقديرهم لمشوار طويل ضحى خلاله بمناصب سامية كان بإمكانه أن يعتليها، وبأموال طائلة كان بإمكانه أن يجنيها، وبراحة بال كان بإمكانه أن يمتطيها.
آخر مرة رأيت فيها المحامي الشهير الأستاذ إبراهيم ولد أبتي، كانت أواسط التسعينات (منذ قرابة 25 سنة). كان وجهه ملطخا بالدماء بفعل ضربة زائغة في إطار تشبثه العالي بمهنته وبمهنيته. كنت أرى في تلك الدماء المنسكبة على وجهه الباش ميدالية شرف ترتسم على جبين مشوار كله عطاء لا ينضب، وإيمان لا يتزعزع، وإخلاص لا يتراجع، واندفاع لا يكل.
تلك صفات جليلة لا شك، لكن أنصع ما في مسار المحامي ولد أبتي أنه لا يعرف الاصطفاف القبلي، وأنه بالتالي لن يلجأ إلى القيام بحملة لصالح انتخابه ذات طابع قبلي أو جهوي لأنه، ببساطة، ظل فوق القبيلة والجهة بحكم ثقافته الواسعة ووعيه الكبير، ولأنه ينحدر من مجموعة لا تهتم بغير أمور الآخرة. ولعلني لا أبالغ حين أؤكد أن مجموعته القبلية ليست، اليوم، على علم بأن أحد أبنائها ترشح لمنصب نقيب هيئة المحامين الموريتانيين!.. إنها مجموعة جبلت من علقة لا تولي أي اهتمام لأمور الدنيا سواء تعلقت بالمهاترات أو المناوشات أو المزايدات أو المضاربات أو التحيزات أو أي شيء من هذا الهراء الذي يسيطر على وجدان القبائل فينا.
إن مهنةً عرفتْ إيمان جاكانا مامادو، وكفاءة محمد شين ولد محمادو، وموسوعية يربه ولد أحمد صالح، وقوة يعقوب جالو، وثقافة شيخاني محمد جيل، وفتوة ولد إشدو، لا يمكن أن يصوت أصحابها إلا لمرشح من طينة هؤلاء، يعكس قيّمهم وكفاءاتهم. وإن مهنة تحوز شبابا واعدين، من حيث الذكاء والانضباط والمهنية، من أمثال اباه ولد امبارك ولد ارشيد، والعيد ولد محمدن ولد امبارك، وأحمد سالم ولد بوبكر المعلوم، وغالي ولد محمود، لا يمكن أن تصوت إلا للمستقبل البهيج الذي ينتظر الهيئة عندما تقودها قامة شامخة مثل الأستاذ ابراهيم ولد أبتي.
مهما يكن، فالأيام القادمة ستخبرنا، بالأرقام، عن نسبة الوعي داخل هيئة المحامين الموريتانيين، فلننتظر النتائج، ولا علينا!..