محمد عبد الله امهادي
بداية مثير للأسف هو الدور الصامت الذي تلعبه الجمعية الوطنية في تمرير برامج ومقترحات الحكومة خصوصا القوانين التي تمس بشكل مباشر عيش المواطن البسيط أو تنعكس عليه، الأمر الذي لا يشبه بحال برلمانات العالم بمختلف مراتِبه وتصنيفاته، نعلم جيدا أن هناك أصواتا نحترمها في البرلمان تراقب وتعترض وتبيّن أحيانا وتقف في صف المواطن لكن في قرارات كبيرة كهذه يكون النظر لدور البرلمان مجتمعا لا مواقف أفراده على حِدة، وهنا نتذكر إسقاط البرلمان التونسي صاحب التجربة الديمقراطية الفتية لقانون رفع أو ترقيع سن التقاعد في العام 2018، وغالبا ما مرت قباب برلمانات الجوار والعالم بزخم كبير ومعارك عنيفة عند أي محاولة مساس بنظام التقاعد دون زيادة أو تحفيز للمعاشات عكس ما دأب عليه نوابنا المحترمون من مواقف معلبة وتحت الطلب.
سن التقاعد ؟
يُعرّف نظام التعاقد في الوظيفة العمومية على أنه توفير دخل من الدولة لموظفِها الذي فقد وظيفته وانتهت خدمته بسبب العجز أو الوصول إلى سن التقاعد عن العمل.
ورفع سن التقاعد هو خيار انتهجته مؤخرا بعض أنظمة الدول التي تواجه نقصا كبيرا في العمالة أو في خبرات ومهارات وظيفية ما معينة، وبالتالي لا تعوضها عمالة اكتتاب جديد بنفس الخبرات الموجودة عند الموظفين القدامى، زيادة على رغبة هذه الحكومات في الاستفادة من الطاقات البشرية التي أنفقت عليها هذه الدولة أو تلك مبالغ طائلة في التعليم والتطوير والتدريب إلى جانب أن الموظف في هذه السن يملك من الخبرة العلمية والقدرة على العطاء الشيء الكثير، مما يتيح فرصا أكبر أمام الموظفين الجدد للاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الموظف الأقدم والأكبر سنا.
واقع ما بعد التقاعد ؟
يختلف التفاعل مع مرحلة التقاعد والإحالة إلى المعاش بين الموظفين العموميين من موظف إلى آخر:
- فمنهم من يكون حريصا على الاستعداد اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا للتقاعد و بالتالي يحصل لديه تصور ما لبناء خطة مستقبلية لحياته بعد التعاقد وهي فرصة لا تتاح في بلادنا إلا للموظف السامي صاحب المرتب الكبير أو أصحاب النفوذ!.
- أما صغار الموظفين فمرغمون على تجاهل أمر التقاعد بسبب الراتب الهزيل وانعدام كفاءته في توفير أدنى حد من متطلبات الحياة اليومية لأسرة عادية حتى يقع هذا الموظف المسكين ناسيا أو متناسيا في نهاية مطافه الوظيفي في مصيدة المشاكل الاقتصادية والنفسية والصحية، إضافة إلى مشاكل الفراغ ونظرة المجتمع الدونية للمتقاعد وربط أحاديثه وتصرفاته في المخيلة المجتمعية دائما بالهذيان والكلام الذي لا طائل من ورائه (امراد رَتْـرَتْ)، حتى شاع بين الموريتانيين أن التقاعد (رترت) هو "الموت الصغرى" للموظف.
وليس مستغربا أن يكون هناك قبول برفع سن التقاعد في الدول التي يتمتع موظفوها بنظام رواتب جيد ومخصصات معاش قوية أو متوسطة حيث الموظف المتقاعد يحال إلى المعاش براتبه كاملا في آخر عمره الوظيفي بعلاواته وعلائقه مع مزايا وتسهيلات أخرى كثيرة، لكن في بلد كبلدنا راتب المعاش بالكاد يوازي أجرة يومية لعامل يدوي بسيط ولا يصرف إلا بعد ثلاثة أشهر مع ضمان اجتماعي هش للغاية ووضع صحي ونفسي سيء للمتقاعد نفسه، فحتى لو رُفع سن التقاعد إلى 63 عاماً كما فعلت الحكومة وأقر البرلمان فلن يكون هناك تأثير ذو أهمية على الوضع المادي للمتقاعدين ما لم تكن هناك معالجة ومراجعة جادة لمعاشات التقاعد، حيث سيظل هذا التقاعد بعبعا مخيفا ينتظر كل من يمد الله في عُمُرِه حتى بلوغ سن التقاعد، لذا فمن أولى الأولويات عند طرق باب التقاعد مراجعة نظام المعاشات في موريتانيا وزيادة القدرة الشرائية للمتقاعدين وتسهيل وتقريب الضمان الصحي والاجتماعي لهم وقد صاروا في أمس الحاجة له أكثر من ذي قبل، ومنحهم مكافئات على غرار ما تفعل دول العالم في المناسبات الوطنية والدينية المختلفة وتكريمهم عند نهاية الخدمة وتخليد تضحياتهم في بناء الوطن.