في نافذتنا على إصلاح التعليم ننشر هذه المشاركة التي وصلتنا من أحد أطر التعليم بولاية البراكنة السيد ولد صمب أنجاي مدير إعدادية بمقاطعة كنكوصة بولاية لعصابة .
وقد عنون مشاركته هذه ب : " المنظومة التربوية بين مطرقة أزمة الإصلاح وسندان إصلاح الأزمة " ، وهذا نص ما كتبه :
شكل إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا ؛ التحدي الأكبر والرهان الأساسي؛ لبلوغ التنمية السوسيو _ إقتصادية المنشودة ؛ باعتبار أن أي إصلاح لقطاع المنظومة التربوية هو أساس الإستثمار في الرأسمال البشري ؛ الذي يشكل الثروة الوطنية لمواجهة تحديات العولمة والتنافس نحو امتلاك ناصية الخبرات والعلوم والتقنيات ؛ باعتبارها النواة الصلبة لتأسيس مجتمع العلم ؛ والمدخل الأساس للرقي ببلادنا إلى مصاف المجتمعات المتقدمة .
إن تاريخ منظومتنا التربوية عرف عدة اصلاحات ؛ وقد تعرضنا لها فى مقال سابق؛ كاصلاح 67 و 68 وصولا إلى إصلاح 1999 ؛ كما أن تاريخه حافل باكراهات تنزيل ووقعنة تلك الإصلاحات ؛ كي تتجسد على أرض الواقع ؛ وكلها قد باءت بالفشل ؛ نظرا لافتقارها للمقاصد والمرامي والأهداف من إعدادها ؛ ما يطرح السؤال التالي لماذا هذا الاخفاق والفشل المدوي في عدم تحقيق الأهداف والنتائج ؟ ثم ماذا نريد من المدرسة الموريتانية ؛ أي ما ملامح الخريج الذي نبحث عنه ؟ وماذا نريد ومن نحن ؟ .
إننا بحاجة إلى حوار وطني جاد وعميق لاصلاح التعليم ؛ مادمنا على مشارف مراجعة البرامج وتقييمها ؛ فقد لا أجانب الصواب إن أنا قلت إن التحدي الأكبر للتعليم ؛ يتمثل أساسا فى مساهمته فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؛ من خلال تأهيلها للرأسمال البشري والعمل على إعداد وصناعة الأجيال؛ باعتبار المدرسة مصنعا ؛ بغية تسهيل وتسريع انخراطها فى المشروع المجتمعي والنهضوي ؛ القائم على الخيارات التنموية والديمقراطية ؛ وهو ما يستدعي _ وحتى لا أقول _ إعتماد مقاربة جديدة ؛ وإنما متجددة تركز أساسا على عملية تفاعل المتعلمين ؛وتطوير كفاياتهم الذاتية ؛ وتحرير روح الإبداع والابتكار والمبادرة لديهم ؛ من خلال نهج أساليب بيداغوجية معاصرة ؛ تتجاوز منطق شحن الذاكرة وطرق التلقين ؛ الى منطق الحس المرهف بالنقد وتنمية الذكاء لدى النشء ؛ سبيلا لإدماجه فى مجتمع المعرفة .
ومن خلال هذا المنطلق فإن مسار العملية التربوية ؛ يستوجب منهجيا إخضاع العملية التربوية برمتها ؛ أي منذ نشأة الدولة لآليات التقييم والنقد والتفكيك ؛ إذا ما كنا نروم تحقيق إصلاح جذري وشامل ؛ ذلك أن الإصلاح مرتبط جدليا وعضويا بمنح الأولوية للحلول التربوية والبيداغوجية ؛ لمعالجة الاختلالات المنظومية ؛ متجاوزين المقاربات الكمية إلى ماهو نوعي ؛ من خلال التركيز على التلميذ ؛ وكذا تجديد المحتويات والمضامين وحدثنة البرامج والمناهج ؛ مع ضرورة تجدبد الكادر البشري وتحفيزه ماديا ومعنويا ؛ وتفعيل المقاربة التشاركية ؛ وتحقيق تعبئة مجتمعية شاملة حول الإصلاح المنشود عن طريق إعداد ؛ وتنفيذ خطة تواصلية محكمة ومدروسة؛ مع ضمان تهيئة ومساهمة كافة الفاعلين والمتدخلين فى الحقل التربوي ( آباء التلاميذ والمجتمع المدني؛ قادة الرأي والعلماء والفقهاء والنقابات ...الخ ) .
ومن أجل إعادة الإعتبار لمدرستنا ؛ والعمل على إنجاح الإصلاح المنتظر ؛ فنحن اليوم أمام فرصة ذهبية لا تعوض ؛ كي نبني مستقبلنا بأيدينا ولا نتركه يبنى لنا ؛ أن نحدد نوعية الإنسان الذي نريد إعداده؛ ولا نترك للآخرمهمة تحديده ؛ ولن يتسنى لنا ذلك إلا بالتركيز على مفهوم الهوية الحضارية للمجتمع الموريتاني ؛ الضاربة فى أعماق الإنتماء الحضاري العربي الإفريقي ؛ كي تتمكن الأجيال من معرفة هويتها وترسيخها لديهم ؛ هذه الهوية التى يجب النأي بها عن التجاذبات والفرقعات الشرائحية الضيقة ؛ مع التمسك والحفاظ بروح ونص الدستور الذي يحدد أن اللغة الرسمية للبلد هي اللغة العربية ؛ مع العمل على تطوير وتفعيل لهجاتنا الأخرى كالبولارية والولفية والسوننكية .
وقبل أن أختتم تجدر الإشارة من باب التذكير بأهم المشاكل والصعوبات التي تعترض ميدان التربية فى بلادنا مع تقديم بعض المقترحات ؛ ومن أهم تلك المشاكل مايلي :
_ ضعف مكتسبات المتعلمين فى اللغة الفرنسية المفروضةعليهم وكذا اللغة الأم المسلوبة منهم .
_ طغيان الجانب التراكمي والبعد التنظيري على التعلمات وكثرة المواد وافتقادها للترابط .
_ مشكلة اكتظاظ الفصول وعدم تهويتها .
_ مشاكل تقييم عمل التلاميذ ؛ وغلبة التلقين والإملاء ومشاكل الشعب والتوجيه .
_ ضعف مشاركة مختلف الأطراف فى الأنشطة المدرسية ؛ وبروز ظواهر العنف والتسيب والغبن داخل الفضاء التربوي .
_ تدهور البنى التحتية وفقدانها لضمان الصيانة والجودة ؛ والنقص الفادح والفاضح فى التجهيزات والوسائل البيداغوجية؛ ومحدودية الموارد البشرية .
_ مشكل الحكامة الرشيدة والقيادة ؛ اوالتأطير التربوي والبيداغوجي والمرافقة ؛ والتكوين المستمر ؛ إضافة إلى مشكل ملاءمة ومواءمة الشهادات مع سوق العمل .
المقترحات :
* إعتماد بيداغوجيا التحكم والنجاح ؛ مثل بيداغوجيا الكفايات والعمل التشاركي .
* إرساء نظام التقييم التكويني .
* مراجعة التوجيه المدرسي والشعب .
* ينبغي أن لايتجاوز عدد الفصول 45 تلميذا ؛ كما يجب تهويتها .
* مراجعة توقيت المواد والزمن المدرسي .
* تطوير منظومة التكوين المستمر .
* مراجعة البرامج والمناهج التربوية والكتب المدرسية .
* تدريس المواد العلمية باللغة العربية .
* العناية والتركيز على البنية التحتية وتوفير التجهيزات البيداغوجية اللازمة .
* إستخدام التكنولوجيا الحديثة للتواصل والمعلومات .
* إدخال مواصفات الاحتراف على المنظومة التربوية وإرساء منظومة الجودة .
وختاما مسكا لايمكن لأي اصلاح أن يؤتي أكله ؛ دون معالجة حقيقية وفعالة لمسألة الهوية واللغة ؛ سعيا لتأسيس ومأسسة المشروع التربوي المجتمعي ؛ الذي يجيب عن الأسئلة التالية : من هو الإنسان الذي نريد بناءه ؛ ما مقومات هذا الإنسان؛ من حيث القيم والمواقف والسلوكات ؟ بمعنى ماغايات النظام التربوي ومقاصده وأهدافه ؛ وأية مكانة للغة الأم اليوم ؛ فى ظل تنامي الحد من الخصوصية والتعددية الثقافية ؛ وما ينعكس على ذلك من برامج ومناهج وتكوين وتقييم ؟ ؛ ذلك هو مكمن الداء ومبتغى البحث عن جرعة الدواء ؛ وبذا نكون قد قدمنا الجواب الشافي والكافي عن السؤال أي إصلاح تربوي نريده ؟ هل هو اصلاح فى الصميم أم مجرد ترقيع وترميم وطلاء بالمساحيق لواجهة منظومتنا التربوية ؛ التي ظلت ولا تزال تترنح بين مطرقة أزمة الإصلاح وسندان إصلاح الأزمة .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد .
كيفة بتاريخ : 24 / 06 / 2020