قانون النوع ..والكرة الخاسرة / المفتش محمدن ولد الرباني

أربعاء, 13/05/2020 - 11:27

المفتش محمدن ولد الرباني

قانون النوع ..والكرة الخاسرة

عاشت المرأة الغربية أشد المعاناة؛ بدءا من العهد اليوناني الذي عاش بعض فلاسفته متأسفا لكونه ابن امرأة، ومرورا بانتشار المسيحية التي ترى أن المرأة ينبوع المعاصي وأصل السيئة والفجور، وأن المرأة للرجل باب من أبواب جهنم ومنها انبجست عيون المصائب الإنسانية جمعاء. وأن السمو لا يتحقق إلا بالبعد عن الزواج.
وانتهاء بما آلت إليه بعد عصر التنوير من تهدّم بيتها، وتشتّت أسرتها، فغدت تحمل أطفالا حرموا حنان الأبوة ورعايتها، وتدل مختلف الإحصائيات في بلاد الغرب على خطورة وضع المرأة رغم الحريّة الجنسية والانجراف وراء الشهوات.
من هنا فإن أي قانون اجتماعي ينطلق من الأيديولوجية الغربية في مجتمع إسلامي؛ هو استبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير، وهو ارتهان للأجنبي، وسعي إلى هدم جوانب التفوق والتميز في مجتمعاتنا المسلمة.
ولئن كان الغرب يصلح أستاذا في شؤون السلطة والحكم، وفي العدالة الاجتماعية، وفي البحث العلمي، والتقدم التقني عموما، فإنه مرتكس في الجوانب الاجتماعية ارتكاسا يهدد مستقبله في مجالات تفوقه.
وقد اقتضت الفلسفة الامبريالية أن يكون الغرب أضن ما يكون بجوانب تفوقه، وأجود ما يكون بمكامن إخفاقه، فهو يضرب حصارا تكنولوجيا صارما، ويعمل بشتى السبل على ألا تصل التكنولوجيا البلدان المستعمرة قديما لتظل مجرد سوق وعمق استيراتيجي، وفي ذات الوقت لا يدخر جهدا في سبيل نشر أزماته الاجتماعية وتجلياتها في المجتمعات.
انسجاما مع هذه الفلسفة، دعمت الحكومات والمنظمات التي تتحكم فيها السياسات السكانية، التي من شأنها إحداث تغيير جذري في المجتمعات، على نحو ما هو معيش في الغرب.
ولئن كنا نقر بأهمية قانون يحمي النساء من العنف ضدهن، فإننا نرفض أن يتحول مثل هذا القانون من كلمة حق يراد بها الحق، إلى كلمة حق يرام بها الباطل.
 منذ مؤتمر القاهرة حول المرأة والسكان سنة 1994 ثم إعلان بكين 1995 والحكومة الموريتانية تكابد ضغوط الحكومات الغربية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، وقد كادت الحكومة تستسلم لهذه الضغوط في مجال النوع أو الجندر قبل سنتين، لولا أن النواب وفي طليعتهم نواب الأغلبية أسقطوا تلك النسخة الخبيثة. ولأن هذه الضغوط قوية ولأن الضاغطين استطاعوا أن يجدوا في الدولة العميقة أذرعا، فقد أضحت المسألة تعيش أسلوب الكر والفر.
موجة الكر التي نعيش هذه الأيام أمكر وأخطر من سابقتها، ويكفي في بيان خطرها تميزها بما يلي:
1- أنها جاءت في وقت تحظى فيه الحكومة بتعاطف عام بسبب وباء كرونا وما قامت به من جهد يذكر ويشكر بشكل عام على ما يؤخذ عليه، والمجتمع الموريتاني مجتمع عاطفي من السهل استغفاله بأبسط إنجاز. وهكذا فإن حكومة حسنة أو مقبولة الأداء، يمكن أن يحمل ما تأتي به على أنه جيد أو مقبول.
2- أنه تقدم بين يدي المشروع إنشاء فريق برلماني لمناصرته، قبل إحالته من الحكومة، وتولى كبر ذلك من ينسب إلى حزب معارض ذي مرجعية إسلامية وفي ذلك رسالة مخادعة بالغة الوضوح.
3- أنه تم تسريب نسختين على الأقل بقصد إرباك الساحة، والتشكيك في كل ما قد يقال عنه، فلا تتبلور لدى النواب رؤية مبصرة حتى يفاجأوا به في وقت قد لا يجدوا الوقت الكافي للقراءة والتحليل.
4- بث إشاعات -لا يدرى مدى صحتها- تفيد بأن مشروع القانون عرض على المجلس الأعلى للفتوى والمظالم وأنه لم يتحفظ عليه من الناحية الشرعية.
أمام وضع كهذا لا يكون الحديث الموضوعي عن مشروع القانون ممكن الاستناد إلى نص بعينه، غير أنه يبقى أمامنا بيان أمور عامة، تبدو خطوطا حمرا، لا يجوز للنائب المسلم الوطني أن يصوت لقانون يشرعها، لكونها كوارث، ممثلين لهذه الكوارث ببعض المواد في النصين المتداولين.
أولا -كارثة إشعال الأسر
إن أي مشروع يجعل الحياة الزوجية قائمة على الشقاق والنزاع والسجن والتغريم، أو يجعل العلاقة ما بين الأب وبنته والأخ وأخيه كذلك، هو مشروع هدام، فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟ ومن ذا الذي لا يصدر منه فعل من تلك الممنوعات المسرودة في قوانين النوع؟ أليس في طبيعة العشرة هجر ومقالاة ولوم فيه لون من السب؟ لكن الحب يغلب كل ذلك، والعشرة بالمعروف تدفنه وتطمره.
  ما يدور بين الأحبة سحابة صيف عن قريب تقشع، وفتح الباب على مصراعيه أمام أحد أفراد الأسرة  -قد تكون فتاة قاصرة- في إيداع صاحبه السجن بدعوى الضرب -وهو صادق على المبرح وغيره- أو الاحتجاز –وهو مفهوم في غاية المطاطية- أو الشتم أو الممارسة غير الإنسانية –أو المنع من ممارسة الحريات العامة  -ومنها التنقل داخل وخارج البلد- كل ذلك يعني التأسيس لبيوت جهنمية وحياة شوارع تتنقل فيه الفتاة من خدن إلى عشيق.
روى مسلم وأحمد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: "فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت" وهذا ما تنتجه مثل هذه القوانين كما في المادة 2 من أحد النصين المتداولين: "العنف ضد النساء والفتيات: أي عنف موجه ضد الإناث يتسبب أو قد يتسبب في إلحاق أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية أو أدبية أو اقتصادية أو ثقافية، بالنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة"..
إن الصواب في مثل هذا الأمر هو ما أجازه الشرع من حق القيام بالضرر إذا تبين كونه ضررا، أما أن تقنن الأحكام على النحو المذكور، فتلك عملية محكمة لغرس المسامير في نعوش البيوت المسلمة في هذه الربوع.
ثانيا- كارثة مخالفة الشرع الإسلامي: ويمكن أن يمثل لها بالأمثلة التالية:
أ-  جلد المحصن حتى الموت
 فحكم المحصن الزاني هو القتل بالرجم وكل حكم عليه بسوى ذلك فهو مخالف للشرع.
ب- مخالفة القوامة وأحكام النشوز 
قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} (النساء: 34) وفي صحيح مسلم: "فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" 
 وإن أي مشروع قانون لا وجود فيه لمفهوم القوامة لا يمكن أن يكون مقبولا شرعا؛ خاصة حين يجعل بعض مقتضيات هذه القوامة معدودا من المحرمات. فمنع الزوجة من الخروج من المنزل ليلا لغير حاجة بينة، داخل في القوامة الشرعية، وقد يعد منعا من الحريات التي يمنحها الدستور في مادته العاشرة، ومنع البنت من الخروج في ذلك الوقت كذلك. كما في المادة 28: من أحد النصين المتداولين: "كل من يحتجز امرأة أو فتاة تربطه بها علاقة زواج أو نسب، بقصد الأذى، يعاقب بالحبس شهرين (2) إلى ستة (6) أشهر وغرامة خمسة ألاف (5.000) إلى عشرة ألاف (10.000) أو بإحدى هاتين العقوبتين، دون المساس بالتعويض للضحية عن الأضرار".
ت- المعاقبة على تزويج القاصر
إن أي مشروع يمنع تزويج القاصرات أو يعاقب الأولياء على ذلك مخالف للشرع؛ فتزويج القاصرات أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده والأمة عبر تاريخها ولم يجلب لها غير العفة والنماء، وقد تقتضيه المصلحة المتعينة كمن يخشى فسادها، كما قد تقتضي المصلحة خلافه كمن صلح حالها ويشغلها الزواج عن بعض مصالحها ممن لا يراعي تلك المصالح وليس فيه عوض لمثلها ولا خير منها، وذلك يختلف باختلاف الخاطب والمخطوب وهو قطعي في كتاب الله قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} وقال تعالى { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}  فالمرأة التي لم تبلغ فترة الحيض شرع الله لها أن تعتد عدة مدتها ثلاثة أشهر، ومعلوم أن الطلاق لا يقع إلا بعد وقوع الزواج، فهذا نصٌ صريح في أن الشرع أقر وقوع الزواج قبل البلوغ ولم يستنكره فبأي حق نحرم ما أحلَ الله. وقد اتفق الفقهاء على جواز تزويج الصغيرة على خلاف بينهم في اشتراط بعض الشروط، إلا ما شذ به ابن شبرمة الذي قال إن الأب لا يزوج ابنته البكر الصغيرة حتى تبلغَ، وهو خلافُ الآيات والأحاديث السابقة وانعقد دونه الإجماع ففتواه باطلة مردودة. وفي أحد النصين المتداولين تقول المادة 36: "كل من يتزوج فتاة دون الثامنة عشرة (18) من العمر، يعاقب بالحبس ستة (6) أشهر إلى سنة (1) وبغرامة عشرين ألف (20.000) إلى خمسين ألف (50.000) أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، دون المساس بأحكام مدونة الأحوال الشخصية". وهذا مخالف للشرع لأنه لا عقاب على مباح.
ث- وجوب رفع الشهادة في حقوق الآدميين
نص العلماء على أن الشهادة في حقوق الآدميين لا تجوز حتى يسألها من له الحق، وعدوا المسارعة في ذلك من القوادح، وعليه حملوا قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "ثم يأتي أقوام يشهدون ولا يستشهدون" فأي نص يشترط الإبلاغ في غير حقوق الله التي يستدام فيها التحريم معارض لنصوص الشرع الآمرة بستر المسلم، وللحديث المتقدم، وقد ورد في المادة 30 من أحد النصين المتداولين ما نصه: "كل من يشهد عنفا ضد امرأة أو فتاة، ولم يقم بتبليغ السلطة بذلك، يعاقب بالحبس شهرا (1) إلى ثلاثة (3) أشهر وغرامة من ألفي (2.000) إلى خمسة آلاف (5.000) أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
أما النص المتداول الآخر فقد نص على وجوب فضح النفس في المادة 7 المادة التي جاء فيها: "يعاقب بالحبس من 6 ستة أشهر إلى سنة وبغرامة من 10.000 عشرة آلاف أوقية إلى 20.000 عشرين ألف أوقية أو إحدى هاتين العقوبتين كل من ساهم في ارتكاب عنف ضد النساء والفتيات ولم يبلغ عنه. وفي حالة القيام بواجب التبليغ فإن للقاضي الحق في تخفيف العقوبة الى النصف" وهذا مخالف لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا هذه القاذورات فمن ألم بها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله تعالى فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى" رواه الحاكم وقال على شرطهما وهو في الموطأ من مراسيل زيد ابن أسلم قال ابن عبد البر لا أعلم هذا الحديث أسند بوجه من الوجوه ومراده بذلك حديث مالك وأما حديث الحاكم فهو مسند
ثالثا- كارثة محاكم التفتيش والشرطة الجندرية
على لغة الأستاذ المتميز المختار نافع هذه القوانين تؤسس لهيئة احتساب ومحاكم تفتيش جندري؛ إذ تمنح المنظمات الحقوقية المشبوهة والعميلة للمنظمات الدولية حق التقاضي؛ وكل قانون يبيح لهذه المنظمات السيئة حق تمزيق المجتمع هو قانون سيئ ومرفوض، وقد وردت هذه الكارثة في النصين المتداولين، ففي المادة 49 من أحدهما جاء ما نصه: "تتمتع كل منظمة تعمل في محاربة العنف ضد النساء والفتيات وضحايا العنف معترف بها قانونيا منذ 5خمس سنوات على الأقل بالحق في أن تكون طرفا مدنيا وفي رفع دعوى نيابة عن الضحية في هذا المجال، طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 25 من هذا القانون". وجاء في المادة 54 من النص الآخر: "يمكن لكل مؤسسة ذات نفع عام وكذا كل جمعية دفاع عن حقوق الانسان، تتمتع بالشخصية القانونية منذ خمس سنوات على الاقل، عند تاريخ الوقائع، رفع الدعوى والقيام بالحق المدني في كل النزاعات الناتجة عن تطبيق هذا القانون، دون أن يخولهم ذلك ربحا ماديا".
  خاتمة القول أننا بحاجة إلى قانون يحمي للمرأة حقها دون أن يأتي بنياننا من القواعد، ولا أن يصادم دين الخالق الباري، وذلك ممكن لمن أراد، وأن الظن بالحكومة أن تقبل تدنيس تاريخها بمشروع قانون يحمل تلك الكوارث، وأن في هذا الشعب من القوى الحية من التشبث بالإسلام والحرص على قيمه، ما لا يمكن استغفال أهله في زمان الأوبئة التي هي مدعاة للموعظة والانكسار، وأن أغلب النواب سيكونون بالمرصاد لهذه الكرة الخاسرة، فما أظن أن برلمانيين -يذكرون البعث والحساب- يصادقون على أي قانون يحوي كل أو بعض هذه الكوارث -والذي أدين الله به أن النسختين المتداولتين كذلك- رغم تفاوتهما الكبير في السوء.
محمدن الرباني