صيانة لحقوق الأفراد وباسم المساواة أمام التجريم والعقاب ولضمان مبدإ عدم الإفلات من العقاب وسعيا لتكريس دولة القانون التي لا تسمح بوجود أشخاص فوق القانون، لا حصانة لرئيس الجمهورية من المساءلة عن المخالفات التي يكون قد ارتكبها أو يرتكبها بصفته الشخصية قبل توليه للرئاسة أو أثناءها
فهو إذا لا يستفيد من اعتراض مسار العدالة، بل من مجرد توقيفه خلال مدة المأمورية: إجراءات وآجال، وبمجرد انتهاء العهدة الرئاسية، تبدأ المتابعات بحقه إذا كان الأمر يتعلق بوقائع تمت خلال المأمورية، أو تستأنف حال كانت تلك المتابعات توقفت بفعل توليه للمنصب.
بالمقابل، فإنه بالنظر إلى أن وظيفة رئيس الجمهورية تجعله هو:" حامي الدستور ... يجسد الدولة... ويضمن استمرار السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية ...وللاستقلال الوطني والحوزة الترابية ..." (المادة 24)، بالنظر لكل ذلك تم التنصيص على عدم مسؤوليته مدنيا وإداريا وجنائيا في كل ما يصدر عنه بمناسبة ممارسته لتلك المسؤوليات الجسام إلا في حالة "الخيانة العظمى"؛ كما ورد بوضوح في الصياغة التي وردت باللغة الفرنسية للمادة (المادة 93 /جديدة) وجاءت كالتالي:
" Le président de la République n’est responsable des actes accomplis dans l’exercice de ses fonctions qu’en cas de haute trahison."
في حين قد يقع لبس في الصياغة باللغة العربية بفعل إبدال عبارة "في ممارسة مهامه-dans l’exercice de ses fonctions" ب:"أثناء ممارسة سلطاته " ما جعل الأمر وكأنه يتعلق بمدة الحصانة لا موضوعها
لا مسؤولية مدنية إدارية أو جنائية، وإذا لا مساءلة لرئيس الجمهورية عن ما ينجر عن ممارسته لسلطاته، تحصينا للوظيفة لا شخص رئيس الجمهورية.
بذلك قضى المجلس الدستوري الفرنسي في قراره رقم 98-408 ق.د بتاريخ 22 يناير 1999، وعلى ذات المنوال ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار بتاريخ 10 أكتوبر 2001 صادر عن جمعيتها العمومية (أرفع تشكيلة للهيأة)
في الواقع ليست وظيفة رئيس الجمهورية وحدها التى تكفل لها حصانة أبدية؛ حيث تتمع بها النيابة عن الشعب؛ فلا تمكن مساءلة النواب فى ما يصدر عنهم:" من رأي أو تصويت أثناء ممارستهم لمهامهم" كما جاء في (المادة 50/ جديدة).
في فرنسا وقفت المراجعة الدستورية التي حمل القانون الدستوري رقم 2007 -328 بتاريخ 23 فبراير 2007 - و استرشدت بأعمال لجنة "بيير آفرييل" التى كلفت بالبحث عن تحقيق التوازن المفقود داخل البناء الدسوري الفرنسي - عند استبدال عبارة "الخيانة العظمى " بعبارة "إخلاله بالقيام بما تقتضيه مسؤولياته"، وظل الرئيس يحظى بهيأة خاصة للمحاكمة؛ هي "المحكمة السامية " الممثلة في البرلمان بغرفتيه، مع الحاجة في الحكم بعزل الرئيس لتصويت ثلثي أعضاء البرلمان.
محاكمة الرؤساء خلال فترة ممارستهم تحتاج لتفاهمات سياسية يصعب تحقيقها. أما محاكمتهم بعد انصرافهم عن أفعال اقترفوها بمناسبة ممارسة وظائفهم فدونها النص الدستوري. وقرارات أكبر الهيئات القضائية وأرسخها قدما في مراقبة أعمال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الأستاذ الجامعي والمحامي يعقوب ولد السيف