خطوات عملية من اجل النهوض بزراعة الخضروات في بلادنا
أظهرت الأزمة التي يمر بها العالم حاليا، بفعل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، أن التحدي الأساسي الذي يواجه كافة الأمم هو مدى اعتمادها الذاتي أو قدرتها على توفير الخدمات الصحية وضمان أمنها الغذائي. وفي خضم التغيرات التي تلوح في الأفق "ما بعد كورونا" يرجح أن يكون هناك نظام اقتصادي جديد على وقع عيوب النظام الحالي الذي تعامل مع تغذية وصحة الناس غالبا على أساس الربح والخسارة. وتظهر هذه العيوب أيضا في الغياب المريع للتضامن الدولي مقابل تعزيز نزعة عالمية نحو اعتماد سياسات حمائية للمنتجات المحلية.
على مستوي القطاع الزراعي في بلادنا تتطلب المرحلة الحالية الإسراع في تبنى وتنفيذ سياسات وخطط عمل جديدة تساهم بشكل عملي في تعزيز نظم الإنتاج الزراعي الوطني بشقيه النباتي والحيواني سبيلا إلى ضمان السيادة الغذائية (souveraineté alimentaire) ومكافحة الفقر وخلق فرص عمل مستديمة للمواطنين خاصة من الشباب والنساء.
في هذا الإطار يساهم هذا المقال في النقاش الدائر وفى الجهود الجبارة المبذولة حاليا من طرف قطاع التنمية الريفية من اجل بلورة خطة عمل منسقة للتوسع في زراعة الخضروات تحسبا للنقص المتوقع في هذه المنتجات التي تعد من المواد الاستهلاكية الأساسية التي تعتمد فيها بلادنا في اغلب الأحيان على الاستيراد من الدول المجاورة ومن أوروبا.
تجدر الإشارة إلى أن بلادنا تتوفر على العديد من الموارد الطبيعية الملائمة لزراعة الخضروات (الترب الخصبة، مصادر المياه المتنوعة، المناخ المعتدل خاصة في المناطق الساحلية، المناطق الرطبة، الواحات) إضافة إلى وجود أصناف محسنة تناسب كل فصول السنة وكذا وجود تقنيات ري ذات كفاءة جيدة بتكلفة منخفضة سواء من حيث المعدات ووسائل الضخ خاصة باستعمال المضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية.
ومن اجل وضع وخطة للتوسع في زراعة الخضروات يراد لها النجاح يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الخطوات الفنية والتنظيمية التالية:
1. تحديد الأقطاب الجغرافية المناسبة لزراعة كل نوع أو عائلة من الخضروات على حدة بالاعتماد على مصادر المياه والعوامل المناخية والتربة والقرب من الأسواق وتوجيه المزارعين للتخصص في زراعة محصول أو مجموعة محاصيل متجانسة. فمثلا يمكن تحديد قطب لزراعة الطماطم والملفوف في ولاية اترارزة خاصة مقاطعة كرمسين ناحية الدلتا، كما يمكن تحديد قطب لزراعة البصل في منطقة الضفة من روصو الى لكصيبة2 وقطب لزراعة الباميا والباذنجان و الفلفل في ولاية لبراكنة وقطب للبطاطا الحلوة في فم لكليتة وقطب لزراعة الجزر في آدرار وغيرها.
2. العمل على تنظيم الشعبة وترسيخ مفهوم المهنية والتركيز على دعم المزارع العائلية (Exploitation agricole familiale) والمبادرات الزراعية الخصوصية (Initiatives agricoles privées) بدل (التعاونيات) التي تتبدد فيها جهود أعداد كبيرة من الأفراد على مساحات صغيرة لا ترجع منها في الغالب أي مردودية تناسب حجم التكاليف الباهظة التي تبذلها الدولة ولا حتى حجم الجهد والوقت المبذول من طرف منتسبي هذه التعاونيات.
3. وضع خطة إنتاجية سنوية من طرف المصالح الفنية لوزارة التنمية الريفية تنصهر فيها جهود كافة المتدخلين من مشاريع تنموية ومنظمات غير حكومية ومبادرات خصوصية تتضمن:
تهيئة المساحات الزراعية الكافية وهي عملية غير مكلفة مقارنة بالاستصلاحات الخاصة بزراعة الأرز. ويقصد بها أساسا تسوية وحراثة التربة وتزويدها بأنظمة الري المناسبة خاصة نظام الري بالأنابيب في مناطق الضفة والمناطق الرطبة والوحدات العائلية للري بالتنقيط والري بالرش في المناطق المروية بالمياه الجوفية وهو ما يعرف بأنظمة ري المساحات الصغيرة (petite irrigation).
تحديد المساحات والأنواع المراد زراعتها والمردودية المنتظرة والعمل على توفير المدخلات والمتطلبات الخاصة لكل قطب على حدة بالتعاون ما بين المصالح والمشاريع المتخصصة في وزارة التنمية الريفية وفاعلي شعبة الخضروات خاصة منظمات المنتجين.
تركيز الدعم على الحيازات الصغيرة التي يمكن التحكم فيها حيث أن اغلب منتجات الخضروات في العالم تأتي من المساحات الصغيرة التي تزرعها العائلات في الحقول والمنازل ويجب في هذا الإطار تشجيع زراعة احتياجات كل أسرة في المنزل إضافة إلى إعادة الاهتمام بزراعة الخضروات والأشجار المثمرة في المدارس والمؤسسات العمومية.
توفير خدمات الإرشاد الزراعي ونشر المساطر الفنية بشكل مبسط عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة فيما يتعلق باختيار البذور المحسنة والتسميد العضوي والمكافحة المتكاملة للآفات ونظم الري المناسبة وعمليات ما بعد الحصاد.
تسهيل الحصول على التمويل، حيث يفتقد ممتهني هذا النشاط لآلية مناسبة للحصول على التمويل على غرار القرض الزراعي الموجه أساسا لزراعة الأرز وهو ما يحتم على الدولة العمل على إيجاد آلية تمويل مستديمة خاصة بزراعة الخضروات على شكل تمويلات صغيرة بشروط مخففة.
دعم النقل والحفظ: إن مهنية وديمومة الشعبة تتوقف على مدي توفير وسائل النقل المناسبة للتوزيع (camions frigorifiques) وتشييد البني التحتية الخاصة لحفظ وتخزين الخضروات (chambres froides) من اجل الحفاظ على جودتها وإطالة فترة توفرها في السوق الوطنية.
سيمكن توجيه المشاريع التنموية المتخصصة في اتجاه برنامج زراعي موحد من توفير التمويلات والظروف الملائمة لزراعة مساحات مهمة من الخضروات على امتداد فصول السنة (حملة صيفية - خريفية عاجلة، حملة شتوية عادية مبكرة) في كافة مناطق الإنتاج والحصول على مردودية معتبرة في ظروف الزراعة الحقلية وهو ما سيمكن بلادنا من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي لفترات مهمة منها من المحاصيل التالية:
مدة سنة كاملة لمحاصيل الباذنجان، الفلفل الحار والحلو، الباميا، البطيخ، الشمام، البطاطا الحلوة والقرع إضافة إلى الخضروات الورقية؛
مدة 6 إلى 9 أشهر من السنة لمحاصيل الطماطم، البصل، الملفوف، الخيار، الشمندر؛
مدة4 إلى 6 أشهر من السنة لمحاصيل الجزر، البنجر؛
مدة 3 شهور من السنة لمحصول البطاطس الذي يمكن الاستعاضة عنه من حيت القيمة الغذائية والصحية بمحصول البطاطا الحلوة المتوفر.
ويمكن إطالة فترات الإنتاج الوطني عن طريق التخزين في غرف التبريد كما يمكن توفيرها طيلة السنة باستخدام الزراعة المحمية في البيوت الزجاجية ولبلاستيكية.
استشعارا لخصوصية المرحلة الحالية ادعوا الخبراء والفنيين الوطنيين وكذا فاعلي شعبة الخضروات ومنظماتهم المهنية إلى تعميق النقاش حول هذا الموضوع من اجل الوصول إلى منهجيه علمية قابلة للتنفيذ حتى نتمكن من تلبية جزء كبير من اجتياحاتنا من أرضنا المعطاء.
سيدنا ولد أحمد أعلى، مهندس زراعي.