نوافذ (نواكشوط ) ــ قال الأستاذ الجامعي والخبير القانوني يعقوب ولد السيف إن طلب الحكومة الموريتانية التأهيل من البرلمان ، الذي حمله المشروع المتداول في وسائل الإعلام ، والمنتظر نقاشه غدا الثلاثاء ، لا يمكن أن يحظى بالموافقة البرلمانية .
وعدد ولد السيف في مقال نشره موقع نوافذ اليوم جملة من المبررات القانونية والعقلية التي تؤكد ما ذهب إليه ، قبل أن يخلص إلى أن التصويت على القانون لن يكسبه الصفة القانونية ، وأن من مصلحة الأمن القانوني والقضائي وترسيخ دولة القانون أن تواجه الظروف بما يناسبها من إجراءات قانونية مسطرة، وفى أسوء الاحتمالات أن يراجع مشروع النص المقدم لطلب التأهيل حتى يستوفي الشروط اللازمة لنيل ثقة نواب الشعب وفق القانون.
وساق الأستاذ الجامعي والمحامي جملة من المببرات لما ذهب إليه منها :
1-إن طلب الحكومة للتأهيل هو "من أجل تنفيذ برنامجها " حسب نص (المادة 60)، وعلى ذلك يتعلق الأمر إما:
-بالسعي للحصول على مقومات تساعد على تنفيذ البرنامج يمكن التأهيل من الوصول لها.
-أو للتمكين من تحسين الأداء للوصول لتنفيذ البرنامج بكفاءة وجودة أفضل.
-أو بهدف التغلب على عقبات تحول دون تنفيذ البرنامج الحكومي يمكن التغلب عليها حين تمنح الحكومة صلاحية التشريع بشأنها
في الصور السابقة جميعها عائد التدخل الحكومي عن طريق التشريع يعود على تنفيذ البرنامج الحكومي مباشرة.
لكن العنوان الذي أعطي لمشروع القانون التأهيلي لا يتعلق ببرنامج الحكومة، بل بمسؤوليات السلطة التي عليها القيام بها في الظروف العادية وفق ما تضع عليها القوانين والنظم المعمول بها من مسؤوليات وبما تتيحه لها من سلطات. وفى نفس الوقت تمدها تلك النظم والقوانين عند الضرورة بما تواجه به الظروف غير العادية.
الفرق بين بين برنامج الحكومة وبين مسؤولية السلطة؛ فالحكومة غير مجبرة على تنفيذ أهداف لم ترد في برنامجها، لكنها بالمقابل مجبرة على القيام بالمسؤوليات التقليدية التي هي مبرر وجود السلطة والتأهيل وجد للمساعدة في تنفيذ البرنامج لا القيام بالمسؤوليات حين قيام ظروف غير طبيعية رصدت لها آليات مقدرة بمقدارها.
2-ويرتبط بما تقدم أنه لم يرد من مبررات لطلب التأهيل إلا:"من أجل التسلح بالمرونة، وبالآليات القانونية المناسبة بهدف تسريع الإجراءات التي تتخذها ..." مع العلم أنه حتى تقديم هذا القانون لم تستخدم الحكومة أية آلية قانونية متاحة لديها، فحتى ما تم من إجراءات لم تعتمد فيه آليات قانونية، إلا إذا كانت البلاغات والبيانات من عداد تلك الآليات.
كيف للحكومة التي استنفذت الإجراءات المتاحة ضمن قانون حالة الطوارئ دون إعلانها أن تعوزها المرونة أو تدفع لتكفف البرلمان آليات قانونية لمساعدتها على تنفيذ برنامجها! عند غرامشي "في العتمة تولد الوحوش"
قطعا، لن يكون بإمكان مقرر لجنة العدل والداخلية والدفاع حتى ولو حظي بدعم إدارة الجمعية الوطنية أن يعد دراسة تمهيدية عن النص المعروض لطلب التأهيل (المادة 45/ن.د.ج.و)، لشح هذا المشروع في ما عرض من أسباب، وضبابية ما يتوخى من ورائه من نتائج، وانعدام معلومات ذات مصداقية عن الوباء الذي استدعى طلب مثل ذلك التأهيل.
3-لم تحدد الحكومة فى طلب تمكينها من إصدار المراسيم أي مجال ولم ترسم نطاقا لتدخلها؛ ما يصير الحال إلى طلب "الحلول" لا مجرد "التأهيل" وهو ما يستحيل مطلقا ؛ لأن سيادة البرلمان من سيادة الشعب (كارى دي مالبرغ) ويتناقض مع الحديث عن وضع الحكومة لتصورات وسيناريوهات واستراتيجيات للتعاطي مع الأزمة بأبعادها المختلفة، ويسقط فقها وقضاء لمشروع قانون التأهيل؛ لأنه يجعل الأمر يتعلق ليس بطلب التأهيل من البرلمان، بل بمطالبة البرلمان بالرحيل، أو على الأحسن الدخول في إجازة مفتوحة لبقية مدة الدورة البرلمانية؛ ف: "الإجراءات الضرورية لمكافحة وباء كوفيد 19 وكافة تأثيراته على عموم التراب الوطني " ستحتاج ذلك وأكثر.
لغة القانون تدعم ذلك الفهم:
-فقد استخدم القانون عبارة "تطبيقا للمادة 60 من الدستور " مع أن الأنسب هو "التأسيس أو البناء على المادة"؛ لأن "التطبيق "يناسب الامتثال للأمر الواجب، بينما الأمر يتعلق بطلب التأهيل وهو اختياري تماما كما منحه هو كذلك.
4-رغم طابع الأزمة ومسوغات الاستعجال لم تعبر الحكومة كتابيا عن ضرورة الاستعجال، حتى يمكن التصويت على القانون التأهلي في أقل من سبعة أيام على إيداعه (المادة 109 /ن.د.ج.و)؛ ما يعني أن الأمر يتعلق ليس بتصور واضح لتنفيذ استراتيجية قائمة، بل باقتناء وسيلة احتياطية لاستخدامها إذا دعت الضرورة!
5-في الدول التي واجهت الأزمة في البداية بإجراءات خارج القانون عمد لطلب التأهيل، سواء كان بعد إعلان حالة الطوارئ (السنغال مثلا). أو كان تم تضمين طلبه في تشريع بمناسبة حالة الطوارئ (كما حصل في فرنسا)، لتمكين الحكومات من اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الأزمة، ولكن أيضا لشرعنة ما تم منها خارج القانون، بمنطق أنه بتضمين تلك المقتضيات تسقط الصفة الجرمية (مخالفة القانون) عن ما كانت الحكومات قد اقترفت
لكن، في موريتانيا لن يكون ذلك مبررا لطلب التأهيل أو منحه؛ لأنه ولو حصلت الحكومة على التأهيل وشرعنت ما تم اتخاذه من إجراءات بأمر قانوني تصدره وفق قانون التفويض، فلن يكون ذلك كافيا؛ فهي حتى وإن كان لها أن تشرعن الإجراء، لكنه ليس لديها من سبيل أن تفعل ذلك بالنسبة للآلية التي تم بها: "بلاغ أو البيان أو رسالة بتعميم). ما سيجعل كل مسعى في ذلك السبيل مخالفة إضافية من قبيل إخفاء آثار الجريمة لا نزع الصفة الجرمية عنها.
6-وبما أن التصويت على ذلك النص لن يعطيه صفة القانون لأنه حسب (جورج فدل):"القانون المصادق عليه لا يكون تعبيرا عن الإرادة العامة إلا إذا اقترن باحترام الدستور" ولضمان ذلك وجدت الرقابة على دستورية القوانين التي يمكن تفعليها والاستفادة منها بالنسبة لكل من لحقه ضرر من الأوامر القانونية المتخذة بمناسبة التأهيل، من خلال الدفع بعدم دستورية قانون التأهيل (المادة86 /جديدة). وفى الحلة الثانية اللاحقة الطعن تأسيسا على (المادة 102/جديدة) في دستورية تلك الأوامر القانونية بعد التصديق على مشروع قانون التصديق عليها.
لهذا وذاك سيكون من مصلحة الأمن القانوني والقضائي وترسيخ دولة القانون أن تواجه الظروف بما يناسبها من إجراءات قانونية مسطرة، وفى أسوء الاحتمالات أن يراجع مشروع النص المقدم لطلب التأهيل حتى يستوفي الشروط اللازمة لنيل ثقة نواب الشعب وفق القانون.
إن حماية الأمة وقيمها مسؤولية السلطة، لكنها لا تنتصر حقا إذا حققت تلك الحماية بالدوس على بعض أو كل تلك القيم.
لمطالعة المقال كاملا اضغط هنا