لتكون دولة يجب أن يوجد دستور، وجود الدستور لا يكون دون تحديد السلطات وضبط العلاقات بينها واحترام الحقوق والحريات.
فصل السلطات يتعلق تحديدا باستقلال السلطة القضائية أما بالنسبة للسلطتين الأخريين فهما في التحام حسب تعبير (جورج فدل).
عمل السلطة التنفيذية يحتاج لمواكبة التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية؛ لأجل ذلك يمكن للسلطة التنفيذية من مبادرة القانون، وهى لا تقتصد في حقها ذلك حتى لم يعد للقوانين المنبثقة عن مقترحات بقوانين غير وجود ضئيل بالمقارنة مع نظيراتها ذات المصدر بمشروع قانون.
ثم هي بمقتضى الدستور صاحبة السلطة التنظيمية المهيمنة خارج مجال القانون الذي أصبح محددا بعناية ودقة.
وكأن ذلك لا يكفيها للقيام بمسؤولياتها، يقوم الدستور في سبيل مدها بالآليات القانونية للوفاء بتلك المسؤوليات، بتحريك حدود توزيع الصلاحيات بين القانون والتنظيم، فيعطي للسلطة التنفيذية ممارسة عمل تشريعي يعد عادة من الاختصاص الحصري للسلطة التشريعية بمقتضى (المادة 57/ دستور 20 يوليو المعذب)، ويكون ذلك في وضعيتي: الضرورة والتفويض.
الفرق بين الحالتين بين؛ فالتفويض لا ينهض بمجرد التقدير الخاص من الحكومة للحاجة إليه، بل يحتاج فوق ذلك لتفهم البرلمان –عن قناعة أو مجاراة -طلب الحكومة، حتى يصادق على القانون الذي يمنح بموجبه ذلك التفويض، أو يقبل بتمرير النص دون تدخل منه.
أما الضرورة فهي وضعية تعطي للسلطة التنفيذية تلقائيا صلاحيات بتجاوز الاختصاص وعدم التقيد بالمساطر الإجرائية القائمة.
أولا: الضرورة: وتتضمن حالتي الطوارئ والاستثناء: -
1-حالة الاستثناء: منظمة ب (المادة 39 من الدستور)، ويعود قرار إعمالها لتقدير رئيس الجمهورية، وله وحده تحديد مدتها. وبموجبها يكون له اتخاذ أي ترتيبات تقتضيها الظروف لمواجهة ما يتهدد: " مؤسسات الجمهورية والأمن والاستقلال الوطنيين وحوزة البلاد، وكذلك حينما يتعرقل السير المنتظم للسلطات العمومية الدستوري".
ورغم أن هذه الحالة دستورية بامتياز لتعلق ترتيباتها الإجرائية والموضوعية بنص (المادة 39)، فإنها الحالة الصارخة لتعطيل الدستور في النظم الديمقراطية، حيث تضع بيد رئيس الجمهورية من الصلاحيات ما يرتب تجاوز مبدإ الفصل بين السلطات من خلال الغاء اختصاص الحصري للمشرع بالقانون، ويسمح بالتضييق على الحقوق والحريات بفعل مراجعة مكانة الحرية الفردية بمقارنتها بالمصلحة العامة.
2-حالة الطوارئ: يقرها رئيس الجمهورية لمدة أقصاها شهر (المادة 71)، ويتم إعلانها بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء (المادة 2/ القانون رقم 59-054 الصادر بتاريخ 10 /7/1959، المعدل بالقانون رقم 73-009 حول حماية النظام العام).
ومع أن السلطة التقديرية للسلطة التنفيذية في إعلان حالة الطوارئ، إلا أن ما يكون لها من صلاحيات اتخاذ إجراءات ماسة بالحقوق والحريات بمناسبة إعلانها محدد سلفا بقانون.
وكذلك فإن تمديدها أكثر من شهر يدخلها دائرة التفويض؛ لأنه يحتاج لمصادقة البرلمان (المادة 71من الدستور – والمادة 2 من القانون 59 – 054 المعدل وإن كانت المدة المحددة في هذا النص هي ثمانية أيام).
وبالإضافة للحالة القارة للطوارئ المنظمة سلفا بنص سابق على إعلانها، يمكن للسلطة التنفيذية أن تعمد لتشريع حالة الطوارئ؛ بتوسيع نصوصها القائمة، أو استحداث نصوص تسن خصيصا لمواجهة مصدر التهديد الذي طرأ، وأقرب نموذج لذلك؛ ما عمدت له السلطات الفرنسية من خلال:(القانون رقم 2020-290 بتاريخ 23 مارس 2020 للطوارئ لمواجهة وباء "كوفيد 19")، حيث ضمن ذلك القانون مقتضيات تحتاجها الحكومة لإطلاق يدها في مواجهتها للوباء على نحو لم تكن قوانين الطوارئ القائمة تتيحه لها. وهكذا منحها القانون فى:
- العنوان الأول: الذى جاء تحت:"حالة الطوارئ الصحية" وأعطى للحكومة صلاحيات إضافية واسعة أدمجت في "مدونة الصحة العمومية " من بينها صلوحيه إعلان حالة "الطوارئ الصحية" وفق مسطرة مثيلة لإعلان الحالة الأصلية للطوارئ "ذات الباعث الأمني" تسمح للحكومة بتقرير "الحصر العمومي"و غيره من الإجراءات اللازمة للتغلب على الأزمة الصحية التي دفعت خطورتها الرئيس الفرنسي لوصفها ب:" الحرب الصحية" التي تتعرض لها بلاده.
- -العنوان الثاني: خصص ل:"تبني إجراءات استعجالية اقتصادية وفى مواجهة وباء كوفيد 19": وقد تم ضمن مقتضيات هذا العنوان التنصيص على "تأهيل " البرلمان للحكومة لاتخاذ العديد من الإجراءات واضحة المغزى والهدف محددة المدى ، ووردت بشكل تفصيلي.
-العنوان الثالث: وتضمن "مقتضيات انتخابية " عنيت بتمكين الحكومة من تسيير الواقع الذي فرضه ظهور الوباء على سير الانتخابات البلدية ومن ثم وضعية المجالس القائمة التي قد تنتهي مأموريتها قبل انتخاب مجالس جديدة، وتلك التي انتخبت لها مجالس بديلة خلال الشوط الأول الذي أجري من تلك الانتخابات.
-العنوان الرابع وكان عن "الرقابة البرلمانية"، حيث عدل آجال تقديم لجان التفتيش البرلمانية لتقاريرها ممدا لها إلى ثمانية (8) أشهر، وهو أمر متفهم لأن نشاط تلك اللجان توقف بفعل الظروف التي فرضها انتشار الوباء.
ثانيا: التفويض: -وصورته المتصدرة هي التأهيل، وإن أمكن أن يلحق به – ولو تحكميا-القانون الممرر عن طريق استخدام مسؤولية الحكومة؛ على اعتبار أنه كما أن التأهيل يمثل حالة إعطاء البرلمان، عن طيب خاطر، أهلية ممارسة صلوحياته للحكومة، فإن تمرير القوانين عن طريق استخدام مسؤولية الحكومة هو كذلك تنازل من البرلمان للحكومة عن صلوحياته، ولكن حياء أو عجزا ولا فرق من حيث الحكم:
1-استخدام مسؤولية الحكومة: فهذه التقنية تفضي لنفس النتيجة بولوج الحكومة لمجال التشريع، ولكن هذه المرة من خلال تمرير نص، فصلته الحكومة على عينها، عبر البرلمان من دون إخضاعه لنقاش البرلمانيين ومع منعهم من ثم إدخال تعديل عليه، ودون الحاجة لمصادقتهم، وكل ذلك مع تمتع النص بصفة "قانون"!
يكون ذلك للحكومة متى استخدم الوزير الأول مسؤولية الحكومة أمام البرلمان للتصويت على نص، وليس للبرلمان في مواجهة سلبه دوره التشريعي "المناقشة –حق التعديل – المصادقة-الرفض" إلا التصويت على ملتمس رقابة خلال الأربع والعشرين ساعة اللاحقة على استخدام مسؤولية الحكومة وحصول الملتمس على تأييد أغلبية النواب (المادة 75 جديدة)
لكن وقوف النواب ضد إرادة الحكومة في تمرير القوانين على النحو المتقدم تعامل معها الدستور بما يفيد عدم الاستحباب؛ حين رتب على استخدام النواب لملتمس الرقابة بنجاح لمرتين خلال ستة وثلاثين(36) شهرا، حل الجمعية الوطنية (المادة 77)
2-التأهيل: وهو الحالة التى تقدم فيها الحكومة للبرلمان طلبا في صيغة مشروع قانون بمنحها أهلية التشريع عن طريق أوامر قانونية في مجال أو مجالات محددة، من أجل تمكينها من تنفيذ برنامجها. يحصر الفقه أكثر من مبرر لطلب مثل هذا التأهيل من بينها:
- الاستعجال – شحن البرنامج التشريعي للبرلمان-الطبيعة الفنية للموضوع – الحاجة لعدم ذيوع المصار إلى اتخاذه من إجراءات ...
وتخرج من مجالات التأهيل:
ا-للضمانات الإجرائية التي تحاط بها: القوانين النظامية – قوانين المالية -وقوانين تمويل الضمان الاجتماعي.
ب-كما ويخرج منه تنظيم الحقوق والحريات لأكثر من سبب من قبيل:
-أن المشرع نفسه وهو صاحب الاختصاص بشأنها ليس له سوى تنظيمها وليس تقييدها، ويخضع في ذلك لرقابة تدفعه في تنظيمه أن يلزم حدود ما هو ضروري وفى أضيق الحدود.
ما دفع المحكمة الدستورية العليا المصرية إلى تقرير أن:" السلطة التي يمتلكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق حدها قواعد الدستور، فلا يجوز تخطيها وأنه من المقرر أن الحقوق التي كفل الدستور أصلها لا يجوز تقييدها بما ينال منها، تقديرا بأن لكل حق مجالا حيويا أو دائرة منطقية يعمل في إطارها، فلا يجوز اقتحامها، وإلا كان ذلك نقضا لفحواه، وعدوانا على نصوص الدستور ذاتها " (دستورية عليا في 15 نوفمبر1997 في القضية رقم 56 لسنة 18 قضائية "دستورية)، والوقوف عند ذلك الالتزام يمنع على السلطة التنفيذية طلب التأهيل بخصوصها ويمنع على البرلمان منح تأهيل في مجال هو نفسه غير مؤهل فيه.
- أن الحقوق والحريات تتم مباشرتها بالأساس في مواجهة السلطة التنفيذية، فيكون من غير الوارد أن يحال لها تنظيمها ودون رقيب.
- أن تهيئة المجال المخصص لممارسة الحقوق والحريات من مسؤوليات الإدارة صاحبة الضبط ولن يكون الجمع للسلطة بين ذلك ووضع نظام الحقوق والحريات في مصلحة هذه الأخيرة.
-قضى المجلس الدستوري الفرنسي (2015-710 ق د،12 فبراير 2015 دستور) أن "قانون التأهيل لا يمكن أن يحمل مساسا بالحقوق والحريات المضمونة من طرف الدستور"، فكيف تكون هذه الحقوق والحريات موضوعا للتأهيل الذى لا ينتظر منه بحال من الأحوال أن يكون توسيع مجالها الدافع لطلبه.
- بينما إذا كان المراد من وراء طلب التأهيل التضييق على الحقوق والحريات، فإن الثابت:" إن سلب الحرية يتعلق بالمشرع " ، (المجلس الدستوري الفرنسي، 28 نوفمبر 1973.د.1974 .269 )
أما في المجالات المتاحة للتأهيل، فإنه يتعين على مشروع قانونه من الناحية الشكلية، كما كل مشاريع القوانين، أن يتم وفق الشكلية المحددة في (المادة 90) من النظام الداخلي للجمعية الوطنية؛ بحيث يكون:" كتابيا ،...أن تكون مسبوقة بعنوان وجيز وعرض للأسباب...أن يحرر النص التشريعي في مواد "
وينفرد مشروع القانون التأهيلي فوق ذلك بتحديد تاريخ إيداع مشروع التصديق على الأوامر القانونية التي سيتم اتخاذها بناء على منح التفويض.
ومن الناحية المضامينية، فإن مشروع قانون التأهيل عليه تحديد المقتضيات التشريعية التى سيكون للحكومة التدخل فيها بأوامر قانونية، وليس له أن يقف عند مجرد الإحالة العامة للمجالات المحددة للتشريع في المادة 57، ولا أن يكتفي بتحديد الأهداف (مذهب المجلس الدستوري الفرنسي في قراراته: قرار 473، ق.م. د 4 والقرار 506، ق.م. د5-والقرار 521، ق.م.، د5)
ويكون للبرلمان في مواجهة مشروع قانون التأهيل ما يكون له في مواجه أي مشروع قانون، فله:
-المصادقة عليه كما هو
-إسقاطه مطلقا
-تقليص مدة التأهيل
- تقليص مداه
خلال اجتماع الحكومة الموريتانية الأخير تمت المصادقة على مشروع قانون بطلب:" تخويل الحكومة خلال أجل ثلاثة (3) أشهر اتخاذ أوامر قانونية تتضمن جميع الإجراءات الضرورية لمكافحة وباء كوفيد 19 وكافة تأثيراته".
وتأتى الخطوة الحكومية بعد فترة من ظهور وباء "كوفيد 19" الذي غزا العالم، وبعد مضي نصف شهر تقريبا على اتخاذ العديد من الإجراءات الماسة بالحريات والحقوق؛ جاءت في قالب بلاغات وبيانات صدرت دون ذكر سند (وما ينبغي لها) عن وزارة الداخلية. وتضمنت:
حظرا مفتوحا للتجوال لمدة عشر ساعات في اليوم (10/24) مس الحرية العامة في الذهاب والعودة والحريات المتعلقة والمتأثرة بها. ثم وصل لاحقا لاثني عشر ساعة في اليوم (12/24)، وطال مداه عموم التراب الوطني.
كان الحظر قد اقترن منذ اللحظة الأولى لإعلانه بتضييق على المقاولة وحرية التجارة، وتطور بوتيرة متسارعة ليصل في أحايين كثيرة مرتبة التنظيم بالمنع. ثم أشفع الكل لاحقا بإغلاق الحدود ومنع التنقل بين الولايات؛ ما محصلته الجمع بين الحرمان من حرية الذهاب والعودة والتنقل وتوقيع فرض الإقامة على السكان وطنيين ومقيمين، وحرمان مواطنين من دخول التراب الوطني.
إجراءات ماسة بالحرية قطعا، لكنها ليست محل نقاش متى كانت وفق القانون وضرورية لمواجهة الأزمة؛ وكما يرى مونتسكيه:" هنالك أوقات يتم فيها السماح بالتجاوز على الحرية، تماما كما تخفى تماثيل الآلهة لحين هدوء العاصفة ".
دون الخوض في مدى ملاءمة التأهيل من بين الوسائل والآليات -التي بسطت آنفا -لمواجهة الأوضاع الاستثنائية بالغة الخطورة التي تواجهها الأمة الموريتانية، فإن طلب التأهيل الذي حمله المشروع المتداول في وسائل الإعلام لا يمكن أن يحظى بالموافقة البرلمانية للآتي:
1-إن طلب الحكومة للتأهيل هو "من أجل تنفيذ برنامجها " حسب نص (المادة 60)، وعلى ذلك يتعلق الأمر إما:
-بالسعي للحصول على مقومات تساعد على تنفيذ البرنامج يمكن التأهيل من الوصول لها.
-أو للتمكين من تحسين الأداء للوصول لتنفيذ البرنامج بكفاءة وجودة أفضل.
-أو بهدف التغلب على عقبات تحول دون تنفيذ البرنامج الحكومي يمكن التغلب عليها حين تمنح الحكومة صلاحية التشريع بشأنها
في الصور السابقة جميعها عائد التدخل الحكومي عن طريق التشريع يعود على تنفيذ البرنامج الحكومي مباشرة.
لكن العنوان الذي أعطي لمشروع القانون التأهيلي لا يتعلق ببرنامج الحكومة، بل بمسؤوليات السلطة التي عليها القيام بها في الظروف العادية وفق ما تضع عليها القوانين والنظم المعمول بها من مسؤوليات وبما تتيحه لها من سلطات. وفى نفس الوقت تمدها تلك النظم والقوانين عند الضرورة بما تواجه به الظروف غير العادية.
الفرق بين بين برنامج الحكومة وبين مسؤولية السلطة؛ فالحكومة غير مجبرة على تنفيذ أهداف لم ترد في برنامجها، لكنها بالمقابل مجبرة على القيام بالمسؤوليات التقليدية التي هي مبرر وجود السلطة والتأهيل وجد للمساعدة في تنفيذ البرنامج لا القيام بالمسؤوليات حين قيام ظروف غير طبيعية رصدت لها آليات مقدرة بمقدارها.
2-ويرتبط بما تقدم أنه لم يرد من مبررات لطلب التأهيل إلا:"من أجل التسلح بالمرونة، وبالآليات القانونية المناسبة بهدف تسريع الإجراءات التي تتخذها ..." مع العلم أنه حتى تقديم هذا القانون لم تستخدم الحكومة أية آلية قانونية متاحة لديها، فحتى ما تم من إجراءات لم تعتمد فيه آليات قانونية، إلا إذا كانت البلاغات والبيانات من عداد تلك الآليات.
كيف للحكومة التي استنفذت الإجراءات المتاحة ضمن قانون حالة الطوارئ دون إعلانها أن تعوزها المرونة أو تدفع لتكفف البرلمان آليات قانونية لمساعدتها على تنفيذ برنامجها! عند غرامشي "في العتمة تولد الوحوش"
قطعا، لن يكون بإمكان مقرر لجنة العدل والداخلية والدفاع حتى ولو حظي بدعم إدارة الجمعية الوطنية أن يعد دراسة تمهيدية عن النص المعروض لطلب التأهيل (المادة 45/ن.د.ج.و)، لشح هذا المشروع في ما عرض من أسباب، وضبابية ما يتوخى من ورائه من نتائج، وانعدام معلومات ذات مصداقية عن الوباء الذي استدعى طلب مثل ذلك التأهيل.
3-لم تحدد الحكومة فى طلب تمكينها من إصدار المراسيم أي مجال ولم ترسم نطاقا لتدخلها؛ ما يصير الحال إلى طلب "الحلول" لا مجرد "التأهيل" وهو ما يستحيل مطلقا ؛ لأن سيادة البرلمان من سيادة الشعب (كارى دي مالبرغ) ويتناقض مع الحديث عن وضع الحكومة لتصورات وسيناريوهات واستراتيجيات للتعاطي مع الأزمة بأبعادها المختلفة، ويسقط فقها وقضاء لمشروع قانون التأهيل؛ لأنه يجعل الأمر يتعلق ليس بطلب التأهيل من البرلمان، بل بمطالبة البرلمان بالرحيل، أو على الأحسن الدخول في إجازة مفتوحة لبقية مدة الدورة البرلمانية؛ ف: "الإجراءات الضرورية لمكافحة وباء كوفيد 19 وكافة تأثيراته على عموم التراب الوطني " ستحتاج ذلك وأكثر.
لغة القانون تدعم ذلك الفهم:
-فقد استخدم القانون عبارة "تطبيقا للمادة 60 من الدستور " مع أن الأنسب هو "التأسيس أو البناء على المادة"؛ لأن "التطبيق "يناسب الامتثال للأمر الواجب، بينما الأمر يتعلق بطلب التأهيل وهو اختياري تماما كما منحه هو كذلك.
4-رغم طابع الأزمة ومسوغات الاستعجال لم تعبر الحكومة كتابيا عن ضرورة الاستعجال، حتى يمكن التصويت على القانون التأهلي في أقل من سبعة أيام على إيداعه (المادة 109 /ن.د.ج.و)؛ ما يعني أن الأمر يتعلق ليس بتصور واضح لتنفيذ استراتيجية قائمة، بل باقتناء وسيلة احتياطية لاستخدامها إذا دعت الضرورة!
5-في الدول التي واجهت الأزمة في البداية بإجراءات خارج القانون عمد لطلب التأهيل، سواء كان بعد إعلان حالة الطوارئ (السنغال مثلا). أو كان تم تضمين طلبه في تشريع بمناسبة حالة الطوارئ (كما حصل في فرنسا)، لتمكين الحكومات من اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الأزمة، ولكن أيضا لشرعنة ما تم منها خارج القانون، بمنطق أنه بتضمين تلك المقتضيات تسقط الصفة الجرمية (مخالفة القانون) عن ما كانت الحكومات قد اقترفت
لكن، في موريتانيا لن يكون ذلك مبررا لطلب التأهيل أو منحه؛ لأنه ولو حصلت الحكومة على التأهيل وشرعنت ما تم اتخاذه من إجراءات بأمر قانوني تصدره وفق قانون التفويض، فلن يكون ذلك كافيا؛ فهي حتى وإن كان لها أن تشرعن الإجراء، لكنه ليس لديها من سبيل أن تفعل ذلك بالنسبة للآلية التي تم بها: "بلاغ أو البيان أو رسالة بتعميم). ما سيجعل كل مسعى في ذلك السبيل مخالفة إضافية من قبيل إخفاء آثار الجريمة لا نزع الصفة الجرمية عنها.
6-وبما أن التصويت على ذلك النص لن يعطيه صفة القانون لأنه حسب (جورج فدل):"القانون المصادق عليه لا يكون تعبيرا عن الإرادة العامة إلا إذا اقترن باحترام الدستور" ولضمان ذلك وجدت الرقابة على دستورية القوانين التي يمكن تفعليها والاستفادة منها بالنسبة لكل من لحقه ضرر من الأوامر القانونية المتخذة بمناسبة التأهيل، من خلال الدفع بعدم دستورية قانون التأهيل (المادة86 /جديدة). وفى الحلة الثانية اللاحقة الطعن تأسيسا على (المادة 102/جديدة) في دستورية تلك الأوامر القانونية بعد التصديق على مشروع قانون التصديق عليها.
لهذا وذاك سيكون من مصلحة الأمن القانوني والقضائي وترسيخ دولة القانون أن تواجه الظروف بما يناسبها من إجراءات قانونية مسطرة، وفى أسوء الاحتمالات أن يراجع مشروع النص المقدم لطلب التأهيل حتى يستوفي الشروط اللازمة لنيل ثقة نواب الشعب وفق القانون.
إن حماية الأمة وقيمها مسؤولية السلطة، لكنها لا تنتصر حقا إذا حققت تلك الحماية بالدوس على بعض أو كل تلك القيم.