فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " صدق الله العظيم
تواجه البشرية في هذه الآونة احدى الكوارث الشاملة التي عمت العالم و التي يقف أمامها في حيرة و لكن ايضا في محاولة لمواجهتها. ولعل من المبكر ان يقدم الانسان نتائج و عبر من هذه الحادثة التى لا تزال ملأ السمع و البصر.
لكن ربما بصفة عامة يمكن ان نلاحظ الحاجة الى هبة ضمير عالمية للتأكيد على وحدة المصير الانساني و على الاخوة الانسانية و على التضامن.
إن التعاطف أمر تزكيه الفطرة الإنسانية لأن الإنسان، في وقت الازمات، يتجدد شعوره بالانتماء إلى الأسرة الإنسانية، و بأن حياة نفس واحدة كحياة جميع الناس، وخسارتها كخسارة جميع الناس، فهذه حقيقة واحدة لا يتغير جوهرها بالكثرة ولا بالقلة. و هي حقيقة قرآنية «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
إن الديانات السماوية، و في مقدمتها الدين الإسلامي لا يقتصر طلب الإحسان فيها على المؤمنين، بل يشمل غيرهم من أبناء البشر، بل كل الأحياء " في كُل ذي كبِد رطبة أجرٌ" كما جاء في الحديث الصحيح. وتلك هي الاستعارة الجميلة لاستحقاق كل المخلوقات الحية العطف ومساعدتها على استبقاء الهدية الربانية التي هي الحياة.
فمجرد أن هذا الكائن يحمل بين جنبيه كبداً، فإنه محل تعاطف ورأفة، فالقطط و الحيتان و أنواع الحيوان و على رأس الهرم الإنسان، هم سكان هذه المعمورة و هم الأهل و الجيران.
و إن الاختلاف في الدين ، كما يتوهم البعض ، لا يقف عائقاً دون هذا التعاطف والتعاون في النكبات والأزمات.
لان الحياة هي نفس الحياة والانسان هو نفس الانسان و آلامه و آماله هي نفس الالام والامال.
و نحن المسلمين، بما شرعه ديننا الإسلامي الحنيف السمح، جديرون بأن نبرز هذه القيم الفاضلة و المثل السامية. تلك رسالتنا و رسالة الأديان السماوية من عهد آدم إلى النبي الخاتم.
إننا نحتاج إلى وقفة تضامن مع الدول الضعيفة و الشعوب التي تحتاج إلى الإغاثة الطبية أوالغذائية العاجلة، وقفة تتسامى عن حسابات السياسة و العلاقات الدولية إلى سقف التعاطف و الترابط الإنساني.
إن هذه الجائحة تنبهنا إلى حاجة الكون إلى ربط الصلة بالسماء. إن الإنسان و هو يقف متحيراً أمام هول الحدث، و متسائلا عن أسبابه، يطرح مجموعة من الأسئلة.
و هي أسئلة تتعلق بالبحث عن سنن الكون، كيف حدث هذا الوباء وكيف يتعامل الإنسان مع هذه الأوبئة بإنتاج اللقحات و العلاجات الملائمة، و استشراف حدوثها، و الابتعاد عن المناطق الموبؤة.
و ليس في هذه الأسئلة شيء ينافي الاعتراف بقدرة الباري جل وعلا وقدره ، بل هو كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب : " نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ"
بل إن الإسلام يحث على البحث العلمي للتوصل للدواء. وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ.
إن هذا الحديث أصل عظيم، و دعوة إلى تعلم الطب و البحث عن الدواء ، فهو يؤكد وجود دواء لكل داء، فإذا كان الانسان على يقين من و جود دواء للأمراض العضالية فضلا عن الأمراض الأخرى فعليه أن يستقصي بحثا، فهو لا يبحث عن شيء معدوم، لكن عن شيء موجود لم يكتشف بعد، و هذه بشرى و أمل للباحثين.
و قد جمع هذا الحديث الكريم بين اتجاهين، أولهما يشير إلى مجهود الإنسان في قوله عليه الصلاة و السلام: " فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ"، و ثانيهما: الاتكال على الله سبحانه وطلب التوفيق منه لأنه خالق الأشياء وةالهادي بمنه إلى المكتشفات، و ذلك في قوله "بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ" ، فالإنسان يجتهد و يبحث ويستمد التوفيق من القوة العليا الممدة وىالملهمة.
إن الاديان السماوية يجب ان تكون حاضرة في هذا التأمل البشري فى خضم هذه الجائحة لتقديم الامل و الحث على التضامن و التحلي بالاخلاق الانسانية التي تؤدي الى التعايش السعيد بين سكان هذا الكوكب الذي نعيش فيه.
و في الوقت الذي تجتاز فيه البشرية هذا الامتحان الصعب، فإن أتباع الأديان مدعوون للتعاون مع الجهات الرسمية في احترام التعليمات الطبية و بخاصة و نحن نستقبل مواسم دينية كبرى.
ختاماً، ندعو الى الدعاء و التضرع والاستنجاد بالقوة و باللطف والرحمة الالهية. ونسأل الله سبحانه أن يرفع الغمة ويفك هذه الأزمة، و أن يرحم أهل الأرض و يوفقهم إلى الصبر و الشكر وإلى التراحم فيما بينهم والتعاون على البر و التقوى.