نقلت السلطات الموريتانية مساء الجمعة الماضي رئيس حركة إيرا بيرام ولد اعبيدي ونائبه إبراهيم ولد بلال من سجن الاك وسط موريتانيا إلى سجن العاصمة انواكشوط ، نقل وإن جاء مفاجئا للرأي العام إلا أنه يحمل أكثر من دلالة ويمكن أن يفسر أكثر من تفسير وهذا سنحاول في "نوافذ " الوقوف عنده في هذا التحليل .
سر التوقيت
ربما يذهب كثير من المراقبين إلى أن توقيت نقل بيرام ورفيقه إلى انواكشوط تم اختياره بعناية فائقة ، حيث جاء في وقت ينشغل فيه الرأي العام الدولي وربما الوطني بأحداث باريس الدامية ، وهي أحداث استطاعت أن تصرف الأنظار حتى أنظار الإيراويين وداعميهم من المنتظمات الدولية عن قدوم "الزعيم الملهم " .
لم تكن أحداث باريس وحدها هي سر التوقيت الذي قفل فيه بيرام إلى نواكشوط ، بل إن السلطات اختارت نقل رئيس حركة إيرا في ظرف زمني يتميز بمرور سنة على اعتقاله ورفاقه ، وهي المناسبة التي بدأ الإيراويون في إحيائها بالتظاهر من روصو وكانت الخطوة الموالية ستكون مدينة ألاك ، وهو تظاهر ربما لا تثق السلطات العليا أن السلطات المحلية بالبراكنة باستطاعتها التعامل معه بطريقة حاسمة وقادرة على الاحتواء ، خاصة أن سابقة الوالي الحالي للبراكنة عبد الرحمن ولد خطري في التعامل مع حراك ازويرات لم تعد مشجعة للسلطات في تمكينه من تسيير ملف حراكي قد يكون أكثر تعقيدا ، بعدما اتهم في الملف السابق بتحريض العمال على الدولة ، وهو سيناريو لا تريد الدولة له أن يتكرر من جديد في ألاك ، ولهذا قررت نقل بيرام إلى نواكشوط حتى يكون في يد قادرة على التعامل مع رد فعل أنصاره .
نقل بيرام أيضا في منتصف شهر يحتفل فيه الموريتانيون بالذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال وهو احتفال لا تريد السلطات أن ينغصه شيء ، ولا أن ينصرف النظر عنه ومن هنا قررت نقل بيرام إلى نواكشوط لعرضه على الأطباء حتى تخرس اللاهثين خلف ملفه الصحي .
بيرام متفهم جدا
مصادر "نوافذ " من داخل السجن أكدت أن رئيس حركة إيرا بدا متفهما لقرار النقل ، وحَذِرًا من استغلاله بشكل سلبي ، وانطلاقا من ذلك أمر أنصاره بالعدول عن الاعتصام أمام السجن بعد وصوله ، والعودة إلى منازلهم دون إثارة شغب ، وهي الرسالة التي يرى المراقبون أن بيرام يريد من خلالها أن يقول للسلطة أنه مستعد للتفاهم ، وربما خبير بعقلية السلطات المحلية التي لا تريد أن تظهره بمظهر المنتصر ، ولا تريد لنفسها أن توصف بأنها مهزومة ، أو مجبرة على نقله إلى نواكشوط ، وهي الرسائل التي قد تكون إيجابية لكلا الطرفين خاصة أنها تطبق معادلة "لا غالب ولا مغلوب " .
سيناريوهات المستقبل
قراءة الواقع تقول إن هنالك سيناريوهات متعددة سيأخذها مسار قضية بيرام في الأيام المقبلة وهي سيناريوهات بإمكان بيرام أن يساهم في رسم أبرز معالمها من خلال إدارة ردة فعل أنصاره .
فبيرام على الأرجح سيعرض غدا الإثنين على الأطباء تحت حراسة مشددة من الأمن ، وهو العرض الذي يتوقع أن يأخذ تفاعل أنصار الرجل معه منحيين :
ــ إما التظاهر والتصعيد في شوارع نواكشوط تزامنا مع عملية النقل .
ــ وإما أن يلزم الأنصار منازلهم
ففي حالة ما إذا فضل الأنصار الخيار الأول فإن ذلك قد لا يحمل رسالة إيجابية بالنسبة للسلطة وعلى عكس ذلك فإن الخيار الثاني قد يكون أكثر إيجابية بالنسبة للنظام .
أما مسار القضية النهائي فإنه في حال ما إذا اختار بيرام وأنصاره المهادنة في هذه المرحلة فإنه يرجح أن يعمد الرئيس إلى منحه عفوا بمناسبة مرور الذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال كبادرة حسن نية ، ستفهم على أكثر من صعيد خاصة على صعيد تذليل الصعوبات أمام الحوار .
أما الخيار الثاني فهو أن تعمد إيرا خلال الأيام المقبلة إلى التصعيد واللجوء إلى الشارع مدعومة في ذلك بتوجيهات رئيسها من السجن، وهو أمر قد تكون نتيجته الوحيدة هو أن يتخذ النظام مسارا مماثلا لذلك الذي اتخذه مع السجناء السلفيين حينما نقلهم من صلاح الدين إلى نواكشوط ، فبدأوا في التصعيد ليردهم من جديد إلى صلاح الدين ، وهو رد قد يكون واردا في حال ما إذا فضل بيرام وأنصاره المواجهة في الأيام المقبلة .