كتب الاستاذ محمد محفوظ أحمد :
خطأ قبيح جدا... يا ثقافية أبوظبي!
-------------------------------
المجمع الثقافي في أبوظبي معلم ثقافي وعلمي كبير شهير، بمكتبته الزاخرة ونشاطاته العامرة.
عرفت هذا الصرح وارتدته وربطتني بالمسؤولين عنه علاقات أعتز بها، وازدادت وترسخت حين التحق به للعمل فيه أخي وصديقي العبقري محمد بن عبدي رحمه الله.
من أشهر وأهم النشاطات الثقافية الإصدارات الأدبية والفنية التي دأب المجمع على نشرها لنفائس من أعمال التراث الاماراتي والعربي والعالمي.
وكانت الموسوعة الشعرية التي أصدرتها دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي عبر هذا المجمع سنة 1998م مبادرة متقدمة في تسخير التقنية الحديثة لخدمة الثقافة العربية. وقد توالت إصدارات هذه الموسوعة وتوسعت حتى وصلت الشعر الموريتاني، وعهدي بها على قرص مضغوط. ثم تطورت إلى المستوى الذي يعتقد المسؤولون هناك أنه أكمل وأشمل، على الانترنت.
اليوم قادتني مهمة بحثية إلى الموسوعة الشعرية لأبوظبي، فوجدتها في موقعها في حلة جديدة بهية، محكمة تنظيميا وتقنيا.
كان أول شاعر موريتاني طالعني فيها الشاعر الكبير محمد ولد ابن ولد احميده... وحين انتقلت إلى ترجمته، على غرار الشعراء الآخرين، لم أجد إلا أنه صومالي!
لم أكد أصدق! فبحثت عن شعراء آخرين من أمثال امحمد بن الطلبة وامحمد بن أحمد يوره... فوجدت أنهم كلهم صوماليون، رغم أن من تُرجم له منهم يُذكر أنه من شنقيط أو من موريتانيا، وكأنهما إقليمين في الصومال!!
توجهت إلى محرك البحث في الموسوعة، أبحث عن موريتانيا نفسها لعلي أتداركها، فوجدت أن عدد شعرائها (في الموسوعة) ستة (6) فقط مقابل حوالي مائة شاعر في الصومال، فتبارك الله أحسن الخالقين! وكل هؤلاء الشعراء "الصوماليين" هم من أبناء هذا الاقليم الشنقيطي؛ لم يدخل أحد منهم الصومال ولم يسمع به أكثرهم على الأرجح!
فكرت في عذر لأصحابي، وقلت لا بد أنهم ـ كآخرين في ستينيات القرن الماضي، لا يميزون بين الصومال وموريتانيا (قبل أن تشتهر موريتانيا باسم بلاد "المليون شاعر"، وتشتهر الصومال ببلاد الحرب الأهلية ـ عافاها الله ـ) فتشابه عليهم البلدان، رغم أن أحدهما في أقصى شرق القارة الافريقية والآخر في أقصى غربها!
لكن هيهات هيهات! فالخطأ أعمق من ذلك! فالشعراء الموريتانيون القلة لدى الموسوعة، المفترض أنهم، بالعكس، صوماليون، هم شعراء موريتانيون معاصرون، باستثناء واحد صومالي فعلا!
باختصار هذا الخلط هو جهل خطير وخطأ جسيم، لا شك أن مرتكبيه كانوا يشعرون بضعف الرقابة والمتابعة والمسؤولية... من القائمين على هذه الموسوعة. الذين احتفلوا منذ سنتين ببلوغها درجة "الكمال" والنضج بعد جهد استمر عشرين سنة، كما جاء في تعريف الموسوعة المخدوعة!!
ومع أننا نستنكر هذا التقصير والاستخفاف، ونلفت عناية المسؤلين في قطاع الثقافة في موريتانيا، وخاصة اتحاد الكتاب والادباء، إلى ضرورة التدخل السريع والاحتجاج بقوة لدى سلطات الثقافة في أبوظبي، فإننا نؤكد أمرين اثنين أساسيين:
الأول: أننا لا نشك في براءة المسؤولين السامين في دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي، المسؤولة عن هذ الموسوعة، من قصد هذه الأخطاء المسيئة على الموسوعة نفسها أولا، ولا في احترام المسئولين فيها وفي أبو ظبي، وفي دولة الإمارات العربية الشقيقة عموما، لموريتانيا وشعرائها وعلمائها، ولا يمكن أن يقصدوا هذه الأخطاء القبيحة الكبيرة التي تضرب في الصميم مصداقية عملهم الضخم هذا.
الثاني: احترامنا الكامل لدولة الصومال الشقيقة ولشعبها الكريم، الذي فيه الكثير من العلماء والشعراء والمبدعين... ولا يعني احتجاجنا واستياؤنا من هذا الخطأ القبيح، والمسيء، أننا نرى لأنفسنا فضلا على الصومال أو غيرها. ولكن حتى الأخوين التوأمين المتجاورين، حين تخلط بينهما لا بد أن يشعرا بالاستياء أو الحرج على الأقل...
أخيرا، ومن باب المقارنة والتذكير نورد صورة لمقارنة الشعراء الموريتانيين بالشعراء الصوماليين؛ بل بشعراء الدول العربية كلها، كما رتبها موقع أدبي آخر على الشابكة، هو موقع "بوابة الشعراء" حيث صنف موريتانيا في المرتبة السادسة في عدد الشعراء والقصائد من ضمن 22 دولة عربية (انظر صور الأعلام).