تعتبر الأميرة البركنية خناثة بنت بكار المغفري واحدة من أشهر الموريتانيات اللواتي لعبن دورا سياسيا كبيرا في بلدان أخرى ، حيث كانت أول امرأة تتولى الوزارة بالمملكة المغربية الشقيقة ، واستطاعت نقل العاصمة المغربية آنذاك من فاس إلى مكناس ، وإليها ترجع بعض الروايات أولية رسم الخماسي الذي يتربع وسط العلم المغربي .
اخناثة عالمة وفقيهة وأديبة وسياسية بركنية أحسنت القراءات السبع، وكانت عالمة بالحديث، متصوفة، وهي زوج ومستشار المولى إسماعيل ووالدة السلطان عبد الله بن إسماعيل. تولت تربية ورعاية حفيدها السلطان محمد بن عبد الله.
يوم أهدى البركنيون الفقه والجمال لسلطان المغرب
حين غزا السلطان إسماعيل صحراء سوس سنة 1089 هـ، قدمت عليه وفود العرب من عرب المعقل الذين أدوا طاعتهم، وكان في ذلك الوفد الشيخ بكار المغافري البركني والد الحرة خناثة التي أهداها إلى السلطان فتزوجها ووصفها الناصري؛ بأنها كانت ذات جمال وفقه وأدب. وقد استطاعت خناثة أن تتميز وسط البلاط العلوي بحظوتها العلمية والفقهية وبنسبها المغافري، التي تنحدر منه أيضا أم السلطان إسماعيل "للا مباركة"، فتشربت تربية القصر، ففيه تعلمت وتثقفت، يذكر القادري في كتابه نشر المثاني، أن الشيخ أبي عبد الله محمد المكي الدكالي هو الذي كان يصحح لها اللوح الذي تكتبه بيدها لحفظ القرآن .
«الثقة، المعرفة، الاستعداد، المواجهة...»: صفات، طبعت مسار حياة خناثة بنت بكار، وجعلتها محط اهتمام زوجها، السلطان المولى إسماعيل، الذي حكم المغرب مابين (1082 ھ 1139 ھ).
فقد كان السلطان المولى إسماعيل «يعهد لها بتحرير الرسائل التي يخفي أسرارها عن كتابه»، يقول المؤرخ المختار ألسوسي، فكانت بذلك مشاركة له في تدبير أمور الدولة، وملمة بالكثير من خبايا الحكم.
فشكلت بذلك ملاذا لأهل الفضل والحياء، ممن «يأنفون من التزاحم على أبواب الملوك، فيهرعون إليها للتشفع لهم في الملمات وقضاء المهمات»، يضيف مؤلف المعسول.
ونظرا لما كان لأم عبد الله بن إسماعيل، وجدة السلطان المصلح محمد بن عبد الله (1171 ھ 1204 ھ)، من استعداد وقدرة على التجاوب مع قضاياهم، فقد كانت ألسنة أهل الفضل والحياء «تطلق لشكرها والدعاء لها».
عايشت خناثة بنت بكار أزمة الثلاثين سنة (1727 ـ1757) التي عرفها مغرب ما بعد المولى إسماعيل، وخبرت حياة السجن هي وحفيدها محمد بن عبد الله. فما إن آلت البيعة لأبي الحسن علي بن المولى إسماعيل بمكناس، حتى «قبض عليها وعلى حفيدها وسجناهما»، يقول الضعيف، وجردها من ممتلكاتها.
لكن إرادة التحدي والقدرة على المواجهة، ظلتا سمتين بارزتين في حياتها، رغم كبر سنها، «فبعثت للعلماء تطلب الشريعة... وطلبت منهم أن يتكلموا للعلماء على شأن حفيدها... على أن بخرج من السجن لأنها امرأة مسنة واتقت أن يتكشف عليها من أجل الضيق، وادعت أيضا أن حفيدها المذكور صغير السن، وما فعل ذنبا يستحق عليه العقوبة والسجن والضيق... ثم بعد ذلك تكلموا مع السلطان مولاي علي الأعرج على ذلك، فسرح حفيدها المذكور من السجن» يضيف محمد الضعيف.
لم يكن السجن، هو المحنة الوحيدة التي ابتليت بها خناثة بنت «كبير قومها وعميدهم الشيخ بكار» في آخر أيامها، بل عانت كذلك، من "عبيد البخاري" الذين كان لهم دور كبير في تقويض سلطة الدولة وتفكيكها.
ففي سنة 1154ه، اضطرت إلى الفرار من مكناس إلى فاس، خوفا على نفسها من العبيد لما عزلوا ولدها، يشير الضعيف، في معرض حديثة عن موقف السلطان مولاي عبد الله من بعض القواد.
ذهبت إلى الحج سنة 1143ه، وصحبت معها حفيدها السلطان سيدي محمد بن عبد الله (مهندس المغرب الحديث)، حسب الأستاذ عبد الله العروي، وهو إذاك دون سن البلوغ، ورجعت سنة 1144ه «مشكورة السعي، محمودة الرأي، وكان يوم دخولها لمكناسة يوما مذكورا وموسما عظيما مشهورا»، يقول صاحب كتاب: تاريخ الدولة السعيدة.
توفيت في 6 جمادى الأولى عام 1155 ه، ودفنت بمقبرة الأشراف بالمدينة البيضاء بفاس.