نوافذ (نواكشوط ) ــ حين تغيب الحقيقة تزدهر الشائعة، لكن ليس من دخان بدون نار؛
في بحر أسبوع واحد فقد الموريتانيون أغلب المصادر التي اعتادوا على استقاء المعلومات والأخبار التي تهمهم منها. فإضافة لقطع الأنترنت الذي سبب غياب المواقع الإخبارية أو غيب متصفحيها، ارتكس الإعلام "العمومي" ليعود إعلاما "رسميا" يحمل خطابا من جهة واحدة ولوجهة واحدة، كما تم في نفس الوقت ضبط القنوات "الخاصة " على ذات نبرة الإعلام المرسم.
مصدر الخبر جهة رسمية ومع ذلك حتى تلك الجهة الرسمية فقدت النطق!
إعلان وزير الداخلية الكشف عن تدبير هدف أصحابه تفجير الوضع الأمني غداة إعلان النتائج المؤقتة لاقتراع ال 22 يونيو، بعد أن كان قرار رئيس الجمهورية بعدم الترشح لمأمورية قد حال دون توفير احتقان سياسي يساعد على تنفيذ مثل ذلك المخطط في وقت سابق.
سمع الناس من الوزير؛ عن المخطط الجهنمي ، وعن أدوار لمقيمين من دول شبه المنطقة والجوار في تنفيذ ذلك المخطط ، وعن اعتقالات وعن توعد ووعيد لكل من تسول له نفسه المساس بالأمن ، وتعكير هدوء حياة الناس ، وسلامة ممتلكاتهم.
تحدث الوزير دون أن يحدث تفصيلا عن الجهة الراعية للمخطط ، ولا عن المعتقلين من الموريتانيين ، ولا عن سقف زمني لعودة الحياة لطبيعتها !
تولت الإشاعات" الموجهة " التعريف بما سكت الوزير عنه :
رجال أعمال يقيمون في الخارج استأجروا مرتزقة لتفجير الوضع في البلد!
حركة "افلام "أدخلت أسلحة لتنفيذ مخطط إبادة جماعية!
حركة "افلام" خططت لاغتيال المترشح للرئاسة "بيرام الداه اعبيدى" وذلك لإشعال حرب أهلية!
عرفت شوارع نواكشوط انتشارا واسعا لقوات الأمن، وانتشرت في بعض مقاطعاتها وحدات من الجيش بكامل أسلحتها.
الهاجس الأمني لتفسير ما يحدث مذهب السلطة، لكن تفسيرا آخر يتداول على نطاق واسع؛ يقوم على أن الرئيس المنصرف لا يريد للرئيس الذي يخلفه أن يكون قويا مستقلا بذاته :
بدا ذلك من إصراره على الظهور بمظهر المرشح والقيم على شؤون المرشح المؤهل لخلافته ، منذ إعلان الترشح وحتى السهرة الانتخابية التي أعلن فيها الفوز بالانتخابات قبل اكتمال الفرز الكلي للنتائج ، وطبعا ؛ قبل إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات للنتائج المؤقتة، ما أثار حفيظة بقية المترشحين الذين اعتبروا ذلك الإعلان انقلابا على إرادة الناخبين، ومهد لما سيتم لا حقا من توتر يخيم هاجسه حتى اللحظة.
أصر الرئيس ولد عبد العزيز من خلال وزارة الداخلية على عدم تمثيل المرشحين المعارضين أو المدعومين من المعارضة داخل لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات، وهو أمر غير مبرر ، سواء بالنظر لقيمة وجود مثل ذلك التمثيل على مصداقية الاقتراع شبه المضمون بالنسبة للمرشح المدعوم من السلطة، أو بالنظر لموقف الرئيس "عزيز" نفسه من تشكيل تلك اللجنة ، التي قبل تقاسمها مع خصومه بموجب اتفاق دكار ، ولم يهتم مطلقا لتشكيلاتها اللاحقة، إدراكا منه لمحدودية قدرتها على التأثير الفعلي على العملية الانتخابية.
كيف لحضور ثلاثة أعضاء يمثلون باقي المترشحين ن ضمن تشكلة اللجنة قبل أسبوع من الاقتراع أن تؤثر على مسار ونتيجة ذلك الاقتراع! الأمر يتعلق بنزع الشرعية أو الحد منها.
الحملة الانتخابية التى لم تترك للمرشح إدارتها ، وأسندت المهام الرئيسية بها بمعرفة الرئيس، كشفت حسب العديدين عن تخاذل وإهمال مريب ، ليس أدل عليه من شكوى بعض إدارات الحملة من عدم الحصول على صور للمرشح ، رغم وجود مئات الآلاف من هذه الصور في كراتين لم يفتح بعضها حتى الأيام الأخيرة للحملة، وعن ما شاب النقل فحدث ولا حرج...
نسبة النجاح لا تعكس دعم السلطة ، وقسم كبير من المعارضة، وحالة غياب قوة سياسية معارضة وازنة!
التوتر أو التوتير الأمني هو إذا الإجراء المناسب لمرحلة تسليم السلطة للمترشح المنتخب، فمن خلاله تربك استراتيجية الرئيس الجديد ، ويجر للارتهان لسطوة الأجهزة الأمنية، التي بدورها تدين بالولاء للرئيس المنصرف.
التوتير الأمني ساهم حتى اللحظة في إبعاد المرشح المنتخب عن التواصل مع منافسيه فى اقتراع ال22 يونيو ، بفعل اتهامهم بتدبير الأحداث أو المشاركة فيها، ما يحرمه فرصة محاولة تدشين عهد جديد من الانفتاح والتفاهم ، تتوافر مقوماته ومبرراته.
وحين ينصب الرئيس المنتخب في مثل هذه الظروف، وفى ظل برلمان انتخب على عهد الرئيس المنصرف، وشغل المعينين من طرفه للوظائف السامية مدنية وعسكرية في الدولة، واحتمال تعيين من هو بمثابة ابن له (ولد عبد الفتاح) وزيرا أول لأول حكومة في العهد الجديد. وفوق ما تقدم وجود سبيل لعودة ذلك الرئيس للحكم؛ السبيل الذى حرص على التذكير به في لقائه بالصحافة لحظات قبل بداية الصمت الانتخابي؛ حين اعتبر أن الدستور لا يمنعه مأمورية ثالثة غير متصلة بسابقتيها.
في ظل كل ذلك سيكون الرئيس المنصرف كما صرح دائما حاضرا في المشهد السياسي ، ومؤثرا فيه لفترة لا يضع لها حدا إلا انقلاب دستوري (ناجح حاسم وفى وضح النهار) ، ينفذه الرئيس المنتخب، يطال قيادات الأركان والجيوش ، والأجهزة الأمنية والهيئة التشريعية ،والمجالس المعينة والمنتخبة ، والوظائف السامية في الدولة...
خلاف ذلك سواء بغياب الانقلاب أو فشله سيجر لتكرار صورة لا تزال احداثيتاها بادية للعيان لتغيير حقيقي لا يكاد يلوح أمله حتى يتوارى من جديد.