لن تصدقوا إن أخبرتكم أنني لا زلت أفضل الحياة بين المساجين في السجن المدني فحكاياتهم تأسرني لحد يجعلني أكاد أجزم أنني بحاجة لأن أكون معهم أكثر مما كان ... عشقهم لمعبودتهم الحرية يأسرني ... حلمهم بلقائها يجعلني أأكد أنهم المجتمع الوحيد الصادق الذي يقدر قيمة أن تكون حرا .. في السجن مجتمع آخر ... عالم ليس عالم الحرية المفتوحة ... في السجن أناس شامخون يرفضون الذل ... أناس آخرون بمنطق آخر ... ولكنهم يحملون رؤية لموريتانيا ورؤى لمشاكلها ... في السجن شعب متمرد على الدوام ... في السجن قوم لا يقبلون الهوان .. في السجن شباب ثوار إن تم المساس بحقوقهم .. في السجن قوم ناقمون على كل شيء في المجتمع .. في السجن عالم ليس كأي عالم ... في السجن من يعطي للحرية قدرها وقيمتها ويتطلع للحظة زفاف معشوقة المساجين الحرية ، لي معكم آلاف الحكايات يا مساجيننا ... تمردكم يقتلني .. صراخكم لرفض الواقع يميتني .. توقكم للحرية وتقدير قيمتها يجعلني أأكد أنكم وحدكم المتمردون الأحرار والثوريون الذين يقدرون حجم تأثير قوتهم ...... لا أملك إلا أن أخبركم أن السجن بيتي الذي يسكنني ... والعالم الذي أشعر إلى أن ساكنيه أناس أحرار ... السجناء هم حالة تمرد مستمرة ... ووحدهم من يقدرون حجم قوتهم ....وحدهم القادرون على الحشد في سبيل قضية تمس حقوقهم ، حتى وهم في داخل السجون يشعرون بقدرتهم على التمرد ..في السجن لا تشعر بدوران ساعات الزمن ... حتى الزمن يعايش السجين في سجنه يروح ويأتي بدون أن يشعر بحسرة عليه .. لحظة واحدة من الزمن ذات معنى للسجين وغيرها ريح عابرة لا تعني له غير تعاقب الليل والنهار وما سوى ذلك ... حركة تسير كحركته داخل زنزانته وسجنه ....
السجن يا سادتي : ليس زنازين فقط بل مدرسة وعالم ، وتمرد قائم أقوى من زنازين السجون ذاتها ...تمرد المساجين هو أقوى تمرد في التاريخ وإرادتهم في رفض الهوان لا توازيها إرادة ...السجن لم يكن يوما رادعا لأصحاب القضايا العادلة ولن يكون ، ولذا فإن تجربتنا القصيرة في غياهب سجون الجحيم الموريتانية ، كانت درسا في غاية العظمة والتأمل في مسار بلد برمته ، فظروف المساجين القاتمة تعطيك صورة جلية عن واقع موريتانيا الحقيقي وصورتها الحقة ، وليس نقطة سلبية في مسار حياتنا ، بل هو أهم مرحلة ضوئية في حياتي..
السجن كان أكبر سند لنا في زيادة حجم قوتنا وجلدتنا في مسار النضال . السجن بمثابة المصباح الذي ينير طريق النضال المدلفة بالمنعرجات والظلام ... السجن أكبر منحة إلهية لمناضل صادق في قضيته وقضاياه العادلة ، السجن أكبر باعث لكل مناضل مستمر بالتشبث في الدفاع عن القضايا الوطنية وتحمل مسؤولية البلد وأحقية التغيير.. السجن هو تلك الروح المتمردة التي تسكن كل واحد منا فأحيانا نطلق العنان لها وأحيانا نكبتها ... السجن هو الاستمرار الأبدي في تبني أي خلاص لمصلحة الشعب والشعب فقط ، فبه نستمر في نهجك النضالي فهو أوكسجين النضال و زينة المناضلين ومكياج التزين لحياة النضال الصادقة ..
يا سادتي العظماء : نحن لسنا أحرارا لآنا نعيش في سجن كبير يكبلنا فيه كل شيء ...وعاجزون فيه عن التعبير عن رفضنا والصراخ في وجه من فرض علينا هذا الواقع الذي نرفض.. ولذا لا جديد ونحن خارج السجون .. ومستمرون في الذود عن القضايا العادلة .. مستمرون في الدفاع عن كل قضية وطنية وإذا كان الخيار الذي يمنحنا النظام بين خيارين : إما أن نصمت عن الوضع السيء بالبلد أو يرموننا في السجون ، فإن السجن أحب إلينا مما يريدونا أن نصمت عليه ، فليجهزوا لنا مكاننا وليكن الحكم مائة عام ... فروح الرفض والاحتجاج نصرة للقضايا العادلة ستظل تسكننا إلى الأبد .