بدخولنا الثلث الأخير من الحملة الانتخابية يكون من الوارد والمتاح تقديم قراءة لحظوظ المترشحين لرئاسيات 22 يونيو 2019م ، في ضوء ما حققوه أو فاتهم تحقيقه فيما انصرم من الحملة ، تأسيسا على نقاط القوة والضعف لكل منهم .
ولد الغزواني : مرشح الكل وليس مرشح أحد
رغم مشارفة الحملة الانتخابية على النهاية ، لم يبرز للعلن أي اختراق لقواعد المترشح الانتخابية ، فليس هنالك انسحابات من الأغلبية الداعمة له ، ولم يعلن عن أي انسحابات لناخبين كبار ، من حاملي الأصوات المحسوبين عليه ، فحتى الآن لم يشذ أي من حاملي الأصوات التقليديين ، أو الناخبين الكبار أو القيمين على أصوات الناخبين ؛ عن القاعدة التي هي دعمه لمرشح السلطة .
ولعلها المرة الأولى التي خلت فيها حملة مرشح رئيسي ن من المغاضبة ، ربما بفعل عدم وضوح الرؤية بالنسبة للجهة المسؤولة عن التعيينات داخل الحملة ، "هل هي الرئيس المنصرف ؟ أم المترشح الرئاسي " ، أو من خلال ابتكار آلية لامتصاص المغاضبة ، تمثلت في مذكرات التكليف ، التي لا تزال تترى حتى اللحظة ، وفي نفس الوقت ؛ استمرت حملة المرشح في استقبال وافدين جدد من الصفوف القيادية لمنافسيه .
يضاف إلى ذلك ؛ أنه المرشح الوحيد الذي تواصل مع الجماهير على مستوى المقاطعات ، ما مكنه من مخاطبة الناخبين ، واللقاء بهم مرتين بعد إعلان ترشحه ، كما أنه في تواصله مع جمهوره ، سلم من مطبات لسان واردة في حالة مخاطبة الجماهير مباشرة ، بالنسبة لمن لم يعتد ذلك ، ، حيث نجح في انتقاء المفردات المناسبة لكل زمان ومكان ، إذا ما استثنينا تصريحاته بخصوص التجنيس .
الصورة النمطية عن المرشح ، والتي يغيب فيها أي أساس لإصدار حكم سلبي عليه ، لعدم انخراطه الفعلي في العمل التفاعلي ، ولطبيعة مهمته العسكرية التي تمنحه الغموض الذي يفسر لمصلحته ، احتفظ بها ، حيث كان اهتزازها منتظرا من جهة الأعداء من داخل فريقه ، غير أن مؤامرات هؤلاء لم تر النور حتى تغير المعادلة الإيجابية عن الرجل .
ولعل أهم نقطة تحسب لصالح المرشح ؛ هي أن الناخب ما زال وهو على بعد قوسين أو أدنى من يوم الاقتراع ، مأسورا للمرشح المدعوم من السلطة ، وفاء منه للمسلمة القائلة ؛ إن الناس يصوتون لصاحب الحظ الأوفر في الفوز ، ولا يخلقون فائزا .
نقطة أخرى تقوي من حظوظ المرشح غزواني ؛ هي أنه عند شرائح واسعة من المتعلقين بالتغيير يمثل المتاح منه أي التغيير ، فقوى التغيير استنفدت فوق ما لديها من قوة ويزيد ، في سبيل منع المأمورية الثالثة ، حتى إذا تحقق لها ذلك ، لم يبق لديها ما تتحكم به في مجريات الاقتراع الرئاسي .
كما استفاد المرشح من كونه الحد الأدنى ــ الغير قابل للتنازل ــ ، من ما يمثل مصلحة السلطة القائمة ن بعد أن تخلت عن المأمورية الثالثة .
هذا عن نقاط القوة ن أما عن نقاط الضعف ؛ فإن نقطة ضعف المرشح الأبرز هي أنه ليس مرشحا لأحد ، لأن مراكز القوى القائمة تتوجس خيفة منه ، باعتبار أي تغيير يحمل خطرا على مصالحها ، فلا المرشح يمثل الاستمرار بالنسبة لأنصار الاستمرار ، ولا هو يمثل التغيير المنشود المأمول للطامحين للتغيير .
كما يروج خصومه أن يمثل ظلا لرفيقه الرئيس ، ما يضعه في مأزق حقيقي لا يمكن الخروج منه ، فلا هو يستطيع التبرؤ من زميله ، ولا هو يرضى لنفسه أن يصدق عليه هذا الوصف ، ما يعرقل بعض اكتتابه من الطرفين باعتبار ما يرون فيه من استقلالية أو عدم اسقلالية عن الرئيس السابق .
ولد ببكر : مرشح المعارضة غير المعارض
نقطة ضعفه الأساسية في التصنيف ، فلا يمكن وصفه بالمرشح المعارض ، أو مرشح المعارضة ، لأنه نتاج مخزني ، وموظف لدى الأنظمة بما فيها النظام المنصرف ، من وكيل خزينة ، مرورا بمنصب الوزير الأول ، وختاما بمنصب سفير في أهم عاصمتين إقليمية ودولية (القاهرة ، نيورك ) ، الوظيفة التي تمسك بها حد الاستعداد للمواجهة لأول مرة على غير عادته ، في سبيل تأجيل سن التقاعد ليتاح له الاستمرار فيها .
عامل قوة المرشح الأساسي ؛ هو الدعم الظاهري أو المفترض من أكبر حزب معارض ، لولا أن تمرير دعمه داخل هذا الحزب ، لا زال مستعصي الفهم ، ويلقى ممانعة لدى هيئات وقواعد واسعة داخل الحزب نفسه ، ترى تاريخ الرجل ، لا يخرج عن انتمائه القومي الناصري ، أو خدمته داخل أنظمة قمع "الحركة" والتطبيع مع الكيان الصهيوني .
وفي نفس السياق يمثل دعم الحزب السياسي الممثل لحركة الاخوان المسلمين في موريتانيا ، عبئا ثقيلا على صورة الرجل الليبرالي ن الذي يعول على علاقاته الواسعة في أوربا والدوائر الغربية عموما ، هذه المؤثرات الصامتة ن انفجرت أثناء الحملة ، ليتبرأ الرجل من ترشيح الحزب الذي كان دعمه حتى قبل أن يعلن ترشحه ، ويحاول نفي أي دور له في نظام مطبع خلال حكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ن الذي شغل الرجل في عهده وزارة المالية ، والوزارة الأولى ، والأمانة العامة للحزب الحاكم ، والوزارة الأمانة العامة للرئاسة ، والوزير مدير الديوان ، ويصمت عن فترة اشترك في التطبيع خلالها مع حزب تواصل ؛ حيث ترأس حكومة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية المطبعة ، في حين شارك حزب تواصل في حكومة يحي ولد الوقف التي حافظت على العلاقات مع الكيان الصهيوني ، محصلة هذا الصراع لا بد أن تنعكس حتما على حجم تصويت المنتمين لهذا الحزب للمرشح .
العلاقة بين الرجل و"حزب الحركة " ، تعني صراحة وجود موريتانيا خارج دائرة الفعل في عالمها العربي حال انتخابه ، حيث تقود العمل العربي المشترك دول ، تجعل أكبر تهديد لأمنها القومي حركة الإخوان المسلمين .
عامل قوة آخر مثله دعم المليونير محمد ولد بوعماتو ، الذي أكد شائعات ما قبل الحملة ، التي تحدثت عن وقوفه وراء الرجل حين أصدر بيانا رسميا بالدعوة للتصويت للمرشح ، لكن مقارنة دعم بوعماتو لعزيز في ترشحه الأول ، بدعمه لولد ببكر ، يكشف أن مستوى الدعم لم يصل الدرجة التي تؤثر على مزاج الناخبين ، وفي نفس الوقت فإن إعلان بوعماتو للدعم بشكل صريح ، يحمل بعدا سلبيا ، لأنه سيدفع السلطة في دعمها لمرشحها ببذل جهد أكبر لسد الطريق على من يدعمه خصمها الأول .
محاولة المرشح ولد ببكر لخلق عامل قوة تأسيسا على البعد الشرائحي (لعرب) ، لقي بعض التجاوب لكنه تجاوب لا يصل حد التأثير الفعلي في نتائج الاقتراع ، حيث ترددت أصداء تلك الدعوة بدرجة أكبر خارج موريتانيا ، وفي أحسن الأحوال في أقصى النقاط وأبعدها عن المركز والتأثير .
بيرام : مرشح للزعامة لا للرئاسة
المرشح بيرام ولد الداه اعبيد ، رغم كونه أصبح طرفا في كل استحقاق رئاسي ، إلا أن بيرام لا زالت معركته الأساسية هي تكريسه زعيما لشريحة "لحراطين " ، يظهر ذلك من خلال تذبذب استيراتيجياته وطرحه ، فبمناسبة الانتخابات الرئاسية ، حاول تبني طرح مهادن ، يتجاوز خطابه الشرائحي التقليدي ، سعيا منه لاستمالة ناخبين خارج قواعده المتبنية لطرحه ودعايته ، لكنه ما لبث أن عاد لسابق عهده ، معبرا في خطاباته خلال الحملة وبذات النبرة عن قضايا الاسترقاق ، والظلم بالمولد ، والتجريم بالمولد ، وتقوت تلك النبرة في المهرجانات التي أقامها في قرى ذات أغلبية زنجية ، يشهد على ذلك التذبذب أيضا تحالفه مع حزب قومي عروبي حد الترشح على قوائمه الانتخابية ، وتعيين مسؤول العتاد العسكري في حركة افلام مديرا لحملته .
حظه من المعركة الجارية من خلال سير الحملة ؛ ضمانه إحدى الحسنيين ، إما تحقيق مكانة متقدمة في الاستحقاق ، وإن لم تكن فتأكيد الريادة على أطر وسياسيي لحراطين .
ولد مولود : مرشح تشابه الأسماء
وحده محمد ولد مولود الأجدر بلقب المرشح المعارض ، ومرشح المعارضة ، باعتبار تاريخه كمعارض لجميع الأنظمة التي حكمت في موريتانيا ، ولوقوف أهم حزبين معارضين وراء ترشيحه ، أبعد من هذه الصفة في الواقع هو ليس مرشحا لأي من الحزبين ، فحزبه شهد ممانعة خرجت للعلن ن وصفته برئيس الفشل ، وعدّت ترشحه بمنزلة الانتحار ، وأكد سير الحملة غياب ما يخالف تأثير ذلك التوجه .
أما حزب تكتل القوى الديمقراطية ن فلا يعدو دعمه للمرشح مجرد احترام وعد أخلاقي ، قطعه زعيم الحزب ، لكنه لم يتجاوز ذلك .
شعار "التغيير المنشود " الذي يرفعه المرشح ، يلقى تجاوبا واسعا وحقيقيا من قوى شابة متعطشة للتغيير ، لكنه بأي حال من الأحوال ليس التغيير المتاح ، لذلك لا يكشف سير حملته وزحمها ، وما أتيح له من إمكانيات تجاوز الحق في ذلك الأمل .
كان ينتظر أن تؤثر حاضنته الاجتماعية في مجريات الأحداث لصالحه ، وتلعب دورا مؤثرا في الرفع من حظوظه ن وتقديمه كمرشح ينافس ن لكن الواقع وسير الحملة كشفا غياب هذا الدور ، كما كشف سير الحملة كذلك حجم الضرر الذي لحق بالمرشح المعارض العنيد ، من الترشحات الفئوية التي غلبت أممية رفاقه السابقين من الشرائح الأخرى ، الذين كان عليهم جزء كبير من التعويل .
ولد المرتجي : مرشح إفشاء السلام
مؤكد أنه رئيس لجمهورية نفسه ، ترشح ليقال إنه ترشح ، بدليل أنه ما عرف بممارسة السياسة ، وليست هنالك قوى سياسية أو اجتماعية وراءه ، وكشف سير الحملة غياب أي وسائل خارقة لديه لتعويض ذلك النقص ، لذلك طاف الأسواق ن والأماكن العامة لتواجد المواطنين ، حتى إذا فاته كسب أصواتهم كان له أجر إفشاء السلام ، ذلكم هو مرشح نفسه ؛ محمد الأمين ولد المرتجي الوافي ، الذي ترشح ليقال مترشح للرئاسة وقد قيل ، مؤكد أنه يستعجل انتهاء الحملة للعودة لحياته الطبيعية .
كان حامدو بابا : إن لم تكن إبلا فمعزى
بعد أن ناضل كنائب لرئيس أكبر حزب معارض ن وتحدث باسم جميع الموريتانيين ، وبعد ترشح للنسيان أصالة عن نفسه أو نيابة عن السلطة ، يعود كان حامدو بابا للترشح باسم الأحزاب والحركات الهار البولارية ، ذلك هو عامل القوة الوحيد لديه ، لكنه هو ذاته نقطة ضعفه التي تأكدت بما لا يدع مجالا للشك ، خلال سير الحملة الانتخابية .
"كان" مرشح الهار البولار ذلك ما أكدته مهرجاناته ، فباستثناء ظهور فاجأ الجميع للسيد اشبيه ولد الشيخ ماء العينين ، فشلت حملة "كان" في استقطاب من يشار إليهم من الشرائح الأخرى .
بالمقابل استقطبت تظاهرات المرشحين الجديين أطيافا متنوعة من المجموعة الموريتانية ، بمن فيهم "هار البولار " .
على خلاف بيرام لا يبدو أن كان حاميدو بابا سينال أيا من الحسنيين ؛ فلا من قدموه للترشح يرضونه زعيما فيما بعد الانتخابات ، ولا ترشحه سيرفع من قيمة مجموعته التي ترشح باسمها ، فالخشية ألا يأتي بإبل ولا معزى .
لا جديد تحت الشمس
ظهر من خلال الحملة أهمية توظيف العامل الفئوي ، فقد تبناه "كان" حتى ما قبل الحملة ، ولم يكن ذلك مفاجئا منه خلالها ، ولم يستطع بيرام صبرا على فراقه ، فعاد إليه بعد ترفع عنه خلال الحملة ، لكن المفاجأة الكبيرة ؛ هي ظهور فئوية جديدة ن تبنتها حملة المرشح "القومي سابقا " الليبرالي لاحقا ، معالي الوزير الأول سيدي محمد ولد ببكر ، الذي مارست حملته الدعاية تحت يافطة "لعرب " مقابل "ازوايه " ، وجاءت التسجيلات الصوتية والمرئية من وراء الحدود لتأكيد تلك الدعاية .
وحدهما ولد مولود ، وبدرجة أكبر ولد الغزواني ؛ ابتعدا عن توظيف ذلك العامل .
ورغم كل شيء ؛ فإن مجريات الحملة لم تحدث تحولا يسمح بانتظار حصول مفاجأة .
لا جديد تحت الشمس إذا ؛ الناخبون يصوتون للمنتصر ولا يخلقون منتصرا ، لم تسهم الحملة الانتخابية فى خلق تحول يسمح بتوقع حدوث مفاجأة ، والقول بعكس ذلك ربما عمى على أصحابه حجم حضور مهرجان لهذا المرشح أو ذاك ، لكن الحقيقة أن صخب وحيوية الشباب ممن هم دون سن التصويت ، ويمثلون عدديا فئة واسعة من المجتمع، وهم جمهور المهرجانات الانتخابية ، لا يغني فى تغيير الواقع شيئا ؛ ففى الانتخابات الصوت المعتبر لا يصدر عن الأحبال الصوتية ،بل من خلال بطاقة التصويت ، وفى مكان عازل عن الأصوات والصخب الجماعي .
موضوعيا كذلك ، لا تكفي الحملة الانتخابية لإقناع وكسب الأنصار بعدد يخلق الفارق لرؤية مجتمعية تعذر تسويقها على مر الأيام والعصور ، ما يعني أن الخارطة قبل الحملة ظلت هي هي خلالها .
و يبرر من ثم القول بأنه لاجديد تحت الشمس...
الجديد المتاح والمنتظر يتوقف على تعاطي المترشحين مع نتائج الاقتراع ،وسلوك الرئيس المنتخب .
غير ذلك من التوقعات أحلام ليل تختفي من أول يوم بعد الاقتراع مع توارد النتائج الجزئية للانتخابات، قبل أن تتلاشى كليا بإعلان النتائج النهائية وتنصيب رئيس للجمهورية لمأمورية من خمس سنوات ...