عشرات الفتيات "مثليات الجنس" في بوروندي بشرق أفريقيا تحدثن لبي بي سي طوال الأشهر القليلة الأخيرة عن حياتهن اليومية، وكيف تعيش المرأة المثلية في مجتمع محافظ مازال يجرم المثلية الجنسية ويعاقب من يمارسها.
لقد شرحن كيف أنهن عندما يتصلن ببعضهن يضطررن إلى استخدام رموز وإشارات خاصة للتعريف بهوياتهن عند التواصل على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة.
لقد استعضنا هنا عن تلك الرموز والإشارات السرية الحقيقية باللون البنفسجي لأغراض نشر هذا التقرير (لأن النساء المثليات مطلع القرن العشرين كُن يُهدين زهور البنفسج لصديقاتهن).
واللون البنفسجي المائل للزرقة هنا نوع من الاستعارة وليس وسما يسم جماعة محددة من جماعات المثليين ومجتمع "أل جي بي تي" في شرق لأفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى.
بعد الظهيرة القائضة في بوروندي، التي تقع في منطقة البحيرات الكبرى شرقي أفريقيا، تصبح الأجواء مواتية للخروج للتنزه دون خوف من الشعور بالإجهاد الشديد جراء حرارة الشمس العالية.
إنه يوم رائع للقاء الأصدقاء في المنتزة، في العاصمة بوجمبورا، تكون فيه معنويات النساء هنا مرتفعة فيتحدثن بحماس ويرسمن أشكالا ساخرة على أجساد بعضهن البعض بصبغات ملونة، مستمتعات معا بالتنزه.
تجتمع النساء مرة واحدة في الشهر، في أماكن مختلفة، ربما في بعض الأحيان في أماكن عامة، ولكن في الغالب خلف الأبواب المغلقة. وترتدي الغالبية منهن الجينز والقمصان المزينة بألوان وأشكال، وذات موديلات مختلفة.
تلعب القمصان دورا مهما في علاقة المجموعة، فالأشكال المطبوعة على كل منها تحمل رمزا سريا متطابقا. إنها تدل على الهوية والاستقلال. وتعد شيئا خاصا لا يفهمه أحد غيرهن.
في أي بلد أخر يمكن أن تكون هذه المجموعة مجرد صديقات عاديات، لكن الوضع مختلف في بوروندي، حيث يُنظر إليها كجماعة خارجة عن القانون.
بدأت علاقة هذه المجموعة من النساء، وجميعهن في العشرينات وأوائل الثلاثينيات، منذ فترة قصيرة.
تتحدث نيلا، عضوة المجموعة عن وضعها، وتقول : "سنقع بمشكلة كبيرة إذا اكتشف الناس هويتنا".
يمكن أن يُعاقب الجميع بالغرامة المالية أو حتى السجن. وهناك أيضا خطر التعرض لمضايقات داخل المجتمعات الأضيق من العائلة والأصدقاء.
وتشدد نيلا: "أما الأسوأ سيكون العقاب بالموت".
قصة نيلا
ترسل نيلا صورتها إلى بي بي سي باستخدام تطبيق مشفر. وتظهر فيها جالسة على كرسي مع أطفال صغار من حولها.
وتكتب على الصورة "إنهم أطفالي... سنهم أقل من 10 سنوات".
يُظهر الأطفال أنفسهم أمام الكاميرا، ويرسمون تعبيرات مضحكة على وجوههم.
ترتدي نيلا الحجاب.
لكنها في صورة أخرى تكشف عن شعرها الأسود المجعد على كتفيها، وترتدي بنطال جينز فضفاضا وقميصا (تي شيرت). إنه القميص الذي كانت ترتديه في الحديقة مع النساء.
وتظهر في الصورة جالسة على طاولة في مطعم مفتوح وتضع ذراعها حول فتاة بجوارها، ظهرت أيضا بشعرها المجدول في ضفائر صغيرة جدا. وكلتاهما تبتسم.
علقت نيلا على الصورة "أجلس مع صديقتي الحميمة"، وكتبت "أليس هذا لطيفا؟"
وأضافت أنها المرة الأولى التي تقدمها فيها بهذه الطريقة إلى شخص ما، لكنها تشعر بشعور جيد.
التقت الفتاتان من خلال موقع تواصل اجتماعي منذ فترة قصيرة، لذلك فالعلاقة مازالت جديدة.
تشدد على القول "إننا سعيدتان".
بالطبع لا تعرف أسرتها شيئا عن هذه العلاقة، وهي تخاطر بمثل هذه اللقاءات. فربما يراها شخص يعرفها ويعرف عائلتها. لكنها متأكدة من أن أحدا لن يتعرف عليها، لأنها تخلع الحجاب وتظهر بشكل مختلف أثناء لقاء رفيقتها.
كان عمر نيلا 17 عاما، عندما بدأت أول علاقة حب مع فتاة. التقتها أثناء ممارسة الرياضة. ومثل هذه العلاقات تثير حماسها منذ أن كانت فتاة صغيرة.
اعترفت نيلا بأن هذه العلاقة لم تتطور إلى "علاقة حميمية"، لكنها أدركت حينها أنها لن تتمكن من التراجع.
تقول: "لقد أيقنت أنني أحببت النساء".
أدركت أيضا أنها لا تستطيع الكشف عن مشاعرها لأي شخص. فهي من عائلة مسلمة محافظة وتعد إقامة علاقة مع شاب أمر مرفوض بالنسبة لها، فما بالك بالعلاقة مع فتاة أخرى.
ولدت نيلا في العاصمة بوجمبورا، وتعد بوروندي تلك الدولة الواقعة في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، واحدة من أفقر بلدان العالم.
تناضل بوروندي لتحقيق الاستقرار منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 2005، والتي شغلت الرأي العام العالمي حينها. ومازالت هذه الصورة هي العالقة عنها حتى الآن.
بيد أن نيلا ترى إن ذلك بعد واحد من الصورة، إذ يبدو كما لو أن الناس الحقيقين الممتلئين بالآمال والأحلام والحب والرغبة لا مكان لهم للعيش هنا.
حلمت نيلا بالذهاب إلى الجامعة، منذ أن كانت في سن المراهقة. بينما كانت عائلتها تدفعها نحو الزواج. وكان يعرضونها على شباب العائلة الكبيرة أملاً في العثور على الزوج المناسب.
وزاد الموقف تعقيدا بعد وفاة والديها، حيث تزايدت ضغوط إخوتها عليها من أجل زواجها. وأخبروها أنه لا يوجد المال الكافي لتعليمها، إضافة إلى عدم اقتناعهم بأهمية تعليم المرأة.
تعرّف إخوتها على رجل ثري أبدى اهتماما بشقيقتهم. وأصروا على ضرورة إنهاء ترتيبات الزواج سريعا. وفي سن العشرين كانت قد بدأت تكبر في السن بنظرهم.
انتهى حفل الزفاف سريعا، وهيأت نيلا نفسها لتصبح زوجة.
تقول إنهم أجبروها على الزواج قسرا، لكنها تتساءل إذا كانت كلمة "اجبار" هي الكلمة الصحيحة. فالأمر أكبر من اجبار بنظرها، فهل يمكنك أن تجبر شخصا على أمر لا يمتلك حتى حق الشروع به؟
تقول نيلا إنها حقوقها بوصفها امرأة من بلد مثل بوروندي هي أصلا محدودة جدا، وباعتبارها واحدة من أقلية مسلمة تمثل 2 في المائة في دولة ذات أغلبية مسيحية، شعرت أنها أصبحت أكثر تهميشا.
زوج نيلا لم يكن يعرف هويتها الجنسية. ولم يكن زواجهما سعيدا. بالكاد كان هناك تواصل بينهما وظلت تخاف من العلاقة الجنسية معه.
وبعد ولادة طفلها الأصغر، بدأت تشعر بأنها "أكثر النساء عزلة في العالم".
تقول إنها لا تريد الخوض في الكثير من التفاصيل حول زواجها، لأن هذا "سيؤثر على سلامة أطفالها".
اتجهت إلى التواصل الاجتماعي بحثا عن علاقات مع نساء لديهن نفس الميول. فجأة، أدركت أنها ليست وحدها.
ثم ضيقت حلقة البحث لتقتصر على العاصمة بوجمبورا.
اكتشفت وجود تلميح ورموز سري تستخدمه النساء المثليات في منطقتها للوصول إلى بعضهن البعض.
يعتمد الأمر إلى حد كبير على التلميحات والرموز التي تستخدمها النساء المثليات حول العالم.
وهكذا تبدأ نيلا في ارسال هذه الصور والرموز إلى نساء أخريات ممن تعتقد أنهن قد يستجبن لها.
وبدأت نيلا، مدعومة بما وجدته، في التواصل مع النساء عبر الإنترنت.
كن نساء مثلها، نساء استجبن لها وأصبحن سريعا أقرب صديقاتها.
تغيرت حياتها في 2016، عندما اكتشف زوجها حقيقتها واطلع على هذه المحادثات، وقد قاد ذلك إلى نهاية زواجهما، بيد أن زوجها تعهد بالحفاظ على سرها وعدم الكشف عن حياتها الجنسية حفاظا على أطفالهما.
أخذت نيلا أطفالها وانتقلت لتعيش مع أقاربها. لكنهم لا يعرفون شيئا عن حياتها الأخرى.
تقول نيلا : "هناك مثليات غير مرئيات في كل بلد. نحن مجرد جزء واحد من هذا".
"إذا كنا موجودين هنا، فنحن أيضا في كل مكان".
"نحتاج إلى إسماع صوتنا".
"إذا كنت تعرف أننا موجودون، يمكنك البدء في البحث عنا في مجتمعاتك المحلية وفي أسرتك".
قصة نيا
أصبح عمر نيا الآن 27 عاما، وهذا أكثر شيء جعلها تشعر بالارتياح.
لكن الأمور لم تكن مريحة دائما بالنسبة لها.
نشأت نيا في عائلة محافظة لأبوين صارمين في أحد أحياء العاصمة بوجمبورا. فرضوا عليها وعلى أشقائها قيودا منها العودة إلى المنزل مبكرا خلافا لبقية الأصدقاء. وفرضوا عليها ارتداء ملابس محافظة والتصرف بطريقة رزينة.
وكذلك كان أصدقاؤها.
كان والدها يعمل بعيدا عن العاصمة كثيرا، تاركا لوالدتها المسؤولية عن العائلة. فضلت نيا إقامة صداقات مع الأولاد ولكنها لم تتطور إلى إعجاب.
اعتنقت المسيحية عندما بلغت 14 عاما. وقد أثر اعتقادها، بأن جانبا من ديانتها يفرض عليها تجنب المواعدة، على اهتمامها الرومانسي بالصبيان الأخرين ومنعها من إقامة علاقة عاطفية حفاظا على التزامها الديني.
المصدر : بي بي سي