عند وصوله إلى الحكم – وليس إلى السلطة التي ظل جزءا منها فى العشرين سنة الماضية - كانت سُبُلُ النجاح ممهَّدَة أمام محمد ولد عبد العزيز ، وهو يتخلَّى عن رتبة "جنرال" وعن لقَب " عزيز" ليُصبح "رئيسا للفقراء".
لقد كان عليه أن يثبتَ – بالعمل الميداني الملموس- للرأي العام الوطني وللشركاء الدوليين أن الولاء لا يعني الإنحياز: La loyauté n’est pas l’alignement ، أي أن انقلابه على وليِّ نعمته: الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، و إطاحتَه بِولي رتْبتِه : الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لم يكُونا خيانة لولاءٍ أو نقضًا لعهدٍ ، وإنما كانا انحيازاَ للشعب والدولة الموريتانييْن.
وللأسف، يمكن القول إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي خلع رداء الولاء لرؤسائه، لم يلبس رداء الإنحياز لشعبه ودولته ، ولم يُحْدث " التغيير البناء" الذي وعد به.
إن كل مشروع للتغيير البنَّاء لا بُدَّ له من قائدٍ ورُؤية وفريق ( Un Chef , une Vision et une Equipe ). فمن أي هذه الأركان الثلاثة جاء الخلل؟
لقد اختصر الرئيس عزيز هذه الأركان الثلاثة فى شخصه، وهو ، بذلك، يتحمل كامل المسؤولية. ألم يقُلْ : إنه " يراقب كل شيء، ويتدخل فى كل شيء"؟ ( مقابلة مع أسبوعية Jeune Afrique بتاريخ 2 سبتمبر 2010).
ألمْ يخترْ الرئيس عزيز فريقه حسب معاييره الخاصة؟ وهل سمعنا يوما أن لهذا الفريق رؤية غير رؤية الرئيس؟ ( لا تستغربوا أن يقول لكم أحد وزرائه إنه صلَّى صلاة العيد عملا بتوجيهات فخامة الرئيس، أو طاف بالبيت الحرام تنفيذا لبرنامجه الإنتخابي).
لستُ هنا فى وارد تعداد مظاهر الخلل وعدمِ وفاء الرئيس بالوعود الداخلية وحتى الخارجية التي قطعها على نفسه، فذِكْرُها كلام مُعادُ، وليس الخوض فيه من صِنف التكرار المفيد.
لكنني – والبعض يتحدث عن نيةٍ مفترَضَة لعزيز إرسالَ جنود موريتانيين للقتال فى اليمن- أتمنَّى أن لا يكون الرئيس قد أعطى وعدًا بهذه النية لأشقائنا فى المملكة العربية السعودية، وإن كان فعل فحبذا لو أضاف هذا الوعد إلى لائحة وعوده المخلوفة.
وحتى يثبت العكس، لا أصدق أن عزيز سوف يضيف إلى سجله استرخاصا آخر لأرواح جنودنا مقابل أي دعم مادي مهما كان، وهو الذي دأب على التبجح بأن موريتانيا فى عهده لا تقايض سيادتها بالمال، وأن لديها من "أوقية" الكرامة ما يُغنيها عن "دولار" و "يورو" الإهانة.
والحقيقة التي لا غبار عليها هي أن الرئيس إما يُبْدي الذي لا يحْلَب (مثل بقرة الناس)، أو أنه يحلب فى قدح واحد( رئيس الفقراء ليس منهم): ألمْ تُراكم شركة SNIM أكثر من 400 مليار أوقية من الأرباح ما بين سنتيْ 2009 و 2014 ؟ ( بالمناسبة ، كان مديرها العام فى باريس قبل شهر يبحث عن مستثمرين جدد لإنقاذ الشركة من الإنهيار).
ألمْ تحصل موريتانيا على حوالي 100 مليون يورو بعد تجديد اتفاق الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي قبل ثلاثة أشهر؟
ألمْ تُحصِّل الدولة أموالا باهظة من جباية الضرائب خلال العامين الماضيين بمعدل سنوي تجاوز 140 مليار أوقية؟ ناهيك عن الهبات والمساعدات والقروض التي قدمتها دول شقيقة وصديقة وشركاء فى التنمية (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، البنك الإسلامي للتنمية، البنك الدولي... واللائحة طويلة..).
ألمْ يجْنِ نظام عزيز أموالا كثيرة من بيع بعض المدارس المدنية والعسكرية والساحات العمومية و جزء من الملعب الأولومبي ؟
تُرَى كيف هي أوضاع موريتانيا اليوم بعد تكديس كل هذه الأموال وتحويلها إلى أرقام باتَ تلامذة الصفوف الإبتدائية يحفظونها لكثرة ما رددها الرئيس وحكومته؟
أنتظر الرد من "نُواب الفاعل" فى محيط الرئيس ومن "المفعول بهم" فى زوايا المحيط، ومن " المجرورين" على بطونهم خشية المبيت على الطوى، فما كل فتًى من طينة عنترة العبسي.
وحذار أن يرد عليَّ هؤلاء بكلامٍ بلا نحوٍ من قبيل ارتفاع نسبة النمو، وشق الطرق، وإنارة انواكشوط بمصابيح شمسية خافتة، وإرسال فحوص مرضانا إلى الدول المجاورة، فهذا كله طعامٌ بلا مِلْحٍ ، وقد جرَّبْناه فما زاد الفقراء إلا فقرا و سوء تغذية يا رئيس الفقراء.
أما خبر إدخال أرواح جنودنا فى سوق المزادات التكسُّبية، فأكرر أملي أن يكون كاذبا أو أن يُخْلِفَ فيه الرئيس وعده، وهو بذلك كفيل.
ألمْ يخلف وعوده فى الحوار مع الرئيس مسعود ولد بلخير، والرئيس أحمد ولد داداه، والرئيس محمد ولد مولود، على سبيل المثال لا الحصر؟
ألمْ يُخلفْ وعدَه للسنوسي بالحماية ورد الجميل أيام الصفاء مع القذافي، ثم سلَّمه إلى المجهول فى يوم مشهود؟
اللائحة طويلة....
وأرواح جنودنا أغلى من كل ما سبق
من صفحة الإعلامي باباه سيدي عبد الله