ملاحظات سريعة على ثورة الشيوخ ...

سبت, 18/03/2017 - 08:55

نوافذ (نواكشوط ) ــ صحوة الشيوخ وتصويتهم ضد التعديلات الدستورية في وقت متأخر من مساء أمس خطوة ما زال المحللون يعجزون عن فهم سرها وتفكيك لغزها غير أنه يمكننا تسجيل الملاحظات التالية عليها :

النتيجة ليست مفاجئة إطلاقا لرأس السلطة

عكس ما ذهب إليه كثير من المراقبين فإننا نرى أن تصويت الشيوخ ضد التعديلات لم يكن مفاجئا لرأس السلطة وإن فاجأ من هم على الهامش من أنصاره ، فالقاصي والداني يعرفان أنه لا يمكن لاثنين أن يجتمعا  لتنسيق ثورة كهذه  دون أن ترصدهم عيون النظام وآذانه فما بالك باجتماع ثلاثة وثلاثين شيخا للتصويت ضد مشروع رئاسي ؟ ففرضية جهل رأس السلطة بذلك فرضية لا يدعمها الواقع الأرض .

زد على ذلك أن المقولة التي نقلت عن رئيس المجلس في اجتماعه الأخير بالشيوخ تدل على أنه ربما كان يخطط مع فريقه لأمر ما حين قال "إن الرئيس لم يقل له رسالة خاصة لإيصالها للشيوخ " .

الأمر إذن فاجأ المعارضة أكثر من النظام لأن المعارضة كانت تستبعد تصويت الشيوخ ضد التعديلات ولم تكن أعدت للأمر عدته ولا هيأت له ما يناسبه .

أماني من يعيشون على الهامش

المحسوبون على المعارضة ونظراؤهم في الأغلبية ممن ليسوا في المركز فاجأهم الأمر حقا فعلقوا بما يتمنونه لا ما يمليه العقل ويحيل إليه التحليل السليم للوقائع ، فولد داهي صانع الدساتير ــ وهو محسوب على المعارضة ــ التبس عليه الأمر وذهب في تحليله القانوني إلى أمانيه الخاصة ، فقياسه النازلة على نازلة ديكول قياس مع وجود الفارق لأن الجنرال ديغول لم يمر بمجلس الشيوخ في تعديله وإنما ذهب إلى الشعب مباشرة فخذله الشعب فقرر عندها الاستقالة ، ما يعني أن ولد داهي لم يتكلم بعلمه .

كذلك هو الحال بالنسبة للموالين الذين كان أول من تحدث منهم الكنتي فقال إن الرئيس بإمكانه الذهاب إلى المؤتمر البرلماني دون الاعتداد بالشيوخ لتجاوز المأزق ، ما يعني أن كلا التصريحين رد فعل عاطفي ، فلا ولد داهي منعه علمه من تشبيه الحالة بحالة ديكول ، ولا الكنتي منعته ثقافته العامة من القول بأن الخطوة التي ذهب إليها مستحيلة في أبسط أبجديات الثقافة القانونية .

معركة عزة وكرامة

مراقبون يرون أن معركة التصويت داخل الغرفة الأولى بالبرلمان الموريتاني كانت معركة حياة أو موت بالنسبة للشيوخ كما أنها اختبار لدرجة الإحساس لدى هؤلاء الشيوخ الذين تم تحدّيهم من طرف السلطة التنفيذية وتطاول عليهم الوزراء وقيلت المطولات في هجائهم تقربا لرأس النظام ، فالرد المناسب على كل ذلك هو هذا التصويت غير المفاجئ على الأقل بالنسبة لهرم السلطة فالعزة والكرامة قد تدفع المرء إلى إراقة دمه صيانة لعرضه .

ثم إن الشيوخ لم يحظوا بأي امتياز من الرئيس وفي المقابل لن يخسروا شيئا بالتصويت ضد قراره .

سيناريوهات المستقبل

أولا : عمليا القوى التي أفشلت التصويت للتعديلات قد تكشف عن وجهها لأنهم حددوا جهتهم وكان تصويتهم طلاقا بائنا للأغلبية .

ثانيا : أن الشيوخ بإمكانهم أن يمارسوا فعل التعطيل الذي اتهموا به ذات يوم ، وقد يدفعهم التصعيد للذهاب في ذلك الطريق .

ثالثا : النظام قد يقدم على خطوة أخرى يتم بموجبها تغيير الحكومة وتعيين عدد من أعضاء مجلس الشيوخ ليصعد خلفهم عله يكون أكثر مناصرة للتعديلات .

 رابعا : الشيوخ خرجوا من الأغلبية بتصويتهم ضد التعديلات الدستورية فأين سيبحرون فالرئيس من أمامهم وجفاف المعارضة من ورائهم ...

انطلاقا من هذه المعطيات يمكننا القول إن تغافل الرئيس عن الشيوخ وحراكهم المناهض للدستور ، وعزوفه عن تحرك جدي للأخذ على أيديهم ، كشف عدم جديته في التعديلات الدستورية ، ما يعني أن كل المسار الذي سلكه مشروع تعديل الدستور بما فيه تصويت الشيوخ كان بموافقة الرئيس في إطار استيراتيجية لم تتضح معالمها بعد ، وكائنا ما يكون الأمر فإن كثيرا من المحللين يرون أن الخطوة الدستورية الوحيدة أمام الرئيس الآن هي الاتجاه للشعب في استفتاء شعبي على التعديلات وهي خطوة ستكون مكلفة للرئيس في ظل تصاعد الرفض الشعبي للتعديلات وقوة جناح الشيوخ المناهض لها شعبيا خاصة أن قادته من زعماء العمق الشعبي في الحوض الشرقي . 

تصفح أيضا...