ديمي منت آب في ذكرى رحيلها الخامسة

أحد, 05/06/2016 - 04:28

من الرشيد 45 كلم من تجگجة حيث الطلل الناطق بالشعر والشجو وحيث الجمال و أكمام النخيل والقصر المشيد وحيث المتيم المعلل بالنسيم وبالنشيد انطلق الفتى سيداتي ول ألفه ول آبه ول الجيش ول سدوم ول انجرتو صاحب الصوت الجميل واليد الماهرة فى العزف وهو فتى يافع من حلة "أولاد سيد الوافي" متجها إلى الجنوب الغربي على خطى ول آدبه إحيَّاكْ و أشْوِي وتيمجيجات و الحرج وأم اطبول و أشاريم وتنيامن وأرْجِ و وإدوجن و أشاريم وانواشيد ولحويطات موغلا إلى الجنوب الغربي ليصل تخوم المجرية 170 كلم من تجگجة.بموقعها الجميل بين الكثبان الرملية و السلسلة الجبلية. ومجتازا الجبل الأشم "أشتف" الذي يرتفع 700م من علي سطح الأرض حيث تراءت له "انبيكه" 18 كلم من المجرية بجمالها الخلاب و بواديها الجميل " تامورت أنعاج " وخزان "كانكارا" وحوض "مطماطا " ذي التماسيح البحرية العائشة على مياه الأمطار المنصبة من أعلى جبال تكانت.

هناك اطبت الفتى سيداتي انبيكه فشدا وغني وتزوج بابنة أيده منينه التى تنحدر من سرة فنية لاتقل عراقة فى الفن عن أسرته وفى "عريظ" شمال انبيكة سنة 1958رزق بابنة سماها " اللُّوله " ثم آذن بالقفول بالزوجه والعيال من التامورت إلى شمال شرق تكانت إلى الرشيد وقصر البركة حيث حلة أولاد سيد الوافي ،تربت الطفلة اللوله فى نجوع تكانت وكانت محل رعاية أبويها فتعلمت أصول المهنة وسحرت وهي طفلة الجميع بصوتها الذي امتاز بصفائه، وقوته، وعذوبته.وكانت ماهرة فى ضرب الطبل ، مع بداية الإستقلال استدعيّ سيداتي ليُنعش برامج الإذاعة الفتية وفى منتصف الستينات رحلت الأسرة للإقامة الدائمة فى انواكشوط فودعت مرابع تكانت موجعة القلب باكية غنت الطفلة اللولة والتى أصبح اسمها ديمي أولى أغانيها للإذاعة وهي ابنة تسع سنوات : " تعلق قلبي طفلة عربية = تنعم بالديباج والحل والحلل " مقلدة الفنانة هيام يونس فى أول انفتاح على الموسيقى الشرقية فسحرت بأغنيتها تلك الجميع وتحدث الناس عن طفلة معجزة اسمها ديمي ثم توالت أغانيها وكانت تستعمل آلة "آردين " وتقلد المشارقة فجمعت ربما عن غير وعي بين موسيقى المشرق وموسيقى والمنتبذ القصي ، تعلمت على الفنانة عيشه منت الببان وعلى الفنانة فاطمة بنت عوّ فتعلمت أسرار آردين "جامع آنگار" فجمعت مع مدرستها الأصلية مدرسة تكانت مدرستي الگبلة والحوض فأحاطت بمدارس الفن خبرا ، ثم تزوجت في سن مبكرة مع الفنان سيمالي ولد همد فال فكان هو الآخر بالنسبة لها مدرسة فنية تنضاف إلي ما تعلمته و تصف ديمي سيمالي بمعلمها الأول وصانع ألحانها النادرة وعازفها الذي استلهمت منه الكثير ، وفى سنة 1976 بدأت أغانيها تذاع في الإذاعة الموريتانية مشاركة فى المجهود الحربي ومآزرة القوات المسلحة اثناء حرب الصحراء " اتقوِّ يالجلال كتايب مورتانْ " ،وفي العام 1977 تم اختيارها من طرف وزراة الثقافة والإعلام مع الفنانة أبتي منت اشويخ لتمثيل المنتبذ القصي فى مهرجان "أم كلثوم" للفن في تونس فحققت سمعة حسنة عندما فازت بالحزام الذهبي عن أغنية "صوت الفن" التى لحنها الموسيقار سيمالي فى مقام" لكحال" فلاءمت مقامات الموسيقى الشرقية ونالت استحسان لجنة التحكيم لجمال كلماتها وحسن توزيع ألحانها وقوة وجمال صوت ديمي ، غنت فى نهاية السبعينات لفاضل أمين " ياأمنا أم البشر ومهبط النور الأغر " وغنت " حوظ النبي " فتبدت مليكة الفن فوق العرش جالسة ،وغنت وطورت أغنية فاطمه منت عوّ " ارگاط " فقال محمد فال ولد هدار :

هول الشعر بيك استخليط :: واخظ بين إلا گلتِ ارگاط

المرفگْ والباطْ ءُ لخبيطْ :: واخظ بين المرفگ والباطْ

وغنت " أم الخير ءُلالَ جاو " وقال لها :

الشعرَ فلِّ ظاهرلِ :: إلاخبطُ ءغناو ء جاو ْ

امعاك ايعودُ كيفْ إلِّ :: ماخبطو گاع ء لاغناو

كما أنعشت ديمي حفلات " لقاء الجمهور " الذي كان موعدا شهريا مع التألق ، وفى الثمانينات كان الناس على موعد مع عصر ذهبي هو عصر سدوم وديمي كان عصرا لو شهده المهلهل ما تغنى : " أليلتنا بذي حسم أنيري " كان هولهم تاما يبدأ من سيني كر وينتهي بلبتيت وينتقي من أطاييب الشعر أرق ما جادت به قرائح ابن الفارض والبرعي " البراعي " ونزار قباني فمن منا لايذكر تحرار " عيد المولود " رفاقي الظاعنين متى الورود ومن منا نسي " الحزام الأخضر والبهتان والغرام وغيرها من روائع ودرر العصر الذهبي، يقول محمد فال ولد هدار:

من ظرك إلين انعود عود:: سدوم ء ديمي جيهَ

فيهَ نبغيهَ ما انعودْ :: يكون افجيهَ فيهَ

ويقول آخر:

ديمي فتاةً ماهِ گول :: سرا وعلانيةً

ويلَ عادت ديمي فالهول :: فتاةً حتَّ انتَ فتىً

اقترن اسمها مع اسم سدوم فاصبح يقال سدوم وديمي،ومما يروى أن الرئيس معاوية كان يظنهم شخصا واحد ففي زيارته لإنشيري بداية التسعينات كان سدوم من مستقبيله وحين قدم له قال: سدوم ءُ ديمي انت اشحالك ، وكان صوت ديمي متميزا فى المناسبات ويشتعل العرس حماسا إن هي غنت فيه " باتي اعلَ خير " ترواح أهل تگانت ، ثم تزوجت ديمي بالخليفة فتألق النجمان عطاء غير مجهول : لحبش والمعصورة والرائعة " لندن " التي سجلت بتوصية من الفنان المالي العالمي الراحل علي فاركا تورى وتم تسجيلها من " World Circuit " المتخصصة في الأغاني الفلكلورية والفانتازية بغرب إفريقيا وكوبا، غنت ديمي للوطن " يمورتان اعليك امبارك لستقلال " و " مورتانيا هي وطني " و " شوفو الحكومة جات " وغنت للمسفرين من السينغال " مورتان ابلد زين " وغنت لفلسطين

إسرائيل ألا اتْشاكِ = لعرب كل اصباح

وامعاونهم هانري كِ = سنجر بالسلاح

وغنت للتحرر :

شبابي داعي = شباب الدول

يضرب لكطاعي = كانو يزول

و" لازم تطيح لمبرياليّ " وفى أعتي لحظات الميز العنصري " الآبرتايد " فى جنوب افريقيا غنت ضد الميز : " يارب لابرتايد اعطيه اطياح امتين "

حاولت ديمي أن تصل للعالمية من خلال موسيقى بلدها الأصلية فطوعت هذه الموسيقي لتلائم العالمية ونجحت في ذلك في حدود الإمكانات المتاحة ، وظلت فى تطوير الموسيقى تنهج نهجا وسطا لاتريد الجمود وترفض المسخ وكانت تقول :

" لم يخضع الفن الموريتاني لمرحلة تطوير كبيرة علي مستوي الشكل إلى حد الساعة ، و كنت دائما أقول ـ ولا زلت أقول- أن الموسيقي الموريتانية موسيقي غنية، وهي تراثنا وأصالتنا، مثلنا في ذلك مثل جميع الدول لكل واحدة منها موسيقاها التراثية الخاصة، الفولكلورية، لكن الموسيقى الموريتانية تتميز بقابلية الحميمية مع كل الموسيقات الأخرى حيث يمكن تناغمها مع أي موسيقى أخرى، لأنها موسيقى خماسية تتناغم مع الموسيقى الغربية والشرقية، وهذا ما ميزها. "

فى السبعينات طورت بعض الأشوار والأغاني مع الملحن السوري الحلبي فريد حسن " كرسك ياغلان " و" نبغ ظرك أتاي زين اعل أفشايْ " و " دوّمْ يالله ذي الحيله -آن وانختير * وايجيهم بُجير ليله- وجينا بجَيْرْ " و " بالي حالفْ يمينْ - مايسمحْ لأحبيبُو *ذَ امن افلياح العين - تشله وانواذيبو "..

ظلت ديمي وفية للتراث الموسيقي للمنتبذ القصي فعمدت فى الأخير لتطوير بعض الأشوار الزمنية بتسريع إيقاعها وربما تغيير مقامها الموسيقي مثلا من لبتيت إلى سيني كر فطورت : " اخريريبه و كمب بي بي والطيرشْ مرْ و تمبرمه زينه وتكفيت وسناقه والهيلاله .. " فلقيت القبول وقيلت فيها الگيفان وتواجدعليها الناس، يقول العبد الصالح محمد ول عبد الله :

ألا انبئك ويحك يانديمي :: بما أضفى عليَ من النعيم

فلا مالا تراه ولا عيالا :: ولكن يانديمي صوت ديمي

ويقول:

أيا زهرة الجيل المعاصر بادري :: وردي فؤادي للشباب المعاصر

ولا تتركي ذكر الإله فإنه :: هو الشٌهد يشفي من هموم الأكابر

وله :

ضرب لديمي على الأوتار أورثني :: ضربا من المس أو مسا من الخبل

لكنما صوتها يشفي على عجل :: مس الجنون ومس الزيغ والوجل

وقيل لها :

ياكوكب الغرب الذي بطلوعه :: أفل المنير من الكواكب مذ بدا

وقيل لها :

يانجمة حجب الكواكب نورها :: وغدت تشيد بفنها الأيام

فى عيد الإستقلال 2010 دعيت ديمي لحفل أقامه عزيز فى القصر الرئاسي بمناسبة الذكرى الخمسين لإستقلال المنتبذ القصي وفى جو طابعه البهجة والفرح بكت ديمي ولم تستطع حبس الدموع المنهمرة وتسائل الناس عن سر البكاء ؟َ! كان ذلك آخر عيد استقلال تشهده ديمي قبل رحيلها في مثل هذا اليوم من سنة 2011، وهي التي طالما باركت الاستقلال وغنت له.

هي الحياة نغر فيها بهدأة الزمن القصير فتمضي ليالينا سراعا وتطوي زوارقنا الشراعا فتأفل الشموس الساطعة ويطفو الموج على كل شئ .

كامل الود

من صفحة المدون اكس ولد اكس اكرك