"السلطان أردوغان" وحلم بعث "ولاية طرابلس الغرب"..!!!

جمعة, 19/06/2020 - 16:39

"السلطان أردوغان" وحلم بعث "ولاية طرابلس الغرب"..!!!
 
تروي كتب السير أنه حين دبّ الخلاف بين ملك إشبيلية (المعتمد بن عباد) وأمير المرابطين (يوسف بن تاشفين) أشار على المعتمد بعض خُلّصه بالتحالف مع ملك "ليون، وقشتالة" (ألفونسو السادس) لكن سيد إشبيلية كان له رأي آخر؛ إذ رد على مستشاره ذلك الرد الذي تحول أيقونة للأنفة والكبرياء من جهة، والوطنية والوفاء للانتماء من جهة أخرى.. قال المعتمد بن عباد: والله لأن أرعى الإبل عند يوسف بن تاشفين أحب إلي من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو...!
 
كان ابن عباد يعيش ازدهار وتألق دولة ابن تاشفين.. لكنه كان يعي -أكثر- الأطماع التاريخية للقشتاليين في إشبيلية؛ بل وفي الأندلس كلها.. من هنا كان جوابه جاهزا، وكان خلاصاته واستنتاجاته سريعة.. مستعد لخسارة ملكه؛ لكنه ليس مستعدا لاحتلال وطنه..!
 
ذات التجربة؛ التي وقعت قبل تسعة قرون ونيف، تكاد تتكرر اليوم؛ وإن اختلفت السياقات والتداعيات.. ذات الشرعية التي مثلها الأمير ابن تاشفين -في لحظته- بمشروعه الإسلامي الوحدوي؛ يمثلها اليوم -في سياقه- المشير حفتر؛ من خلال مشروعه الوطني الليبي.. ونفس الخيار الذي طُرح لابن عباد ورفٓضه (التحالف مع صاحب أطماع تاريخية) ها هو يطرح لفائز السراج؛ غير أن أنفة ووطنية سيد إشبيلية غابتا كلا عن مقاربات السراج.. أي مسوغ للتحالف مع محتل (بصيغة اسم الفاعل) سابق؛ يشهد الجميع أنه يمثل واحدا من أسوأ نماذج الاحتلال في التاريخ الإنساني..؟!
لم يعد سرا تشبث أردوغان بسيرة جدوده من العثمانيين؛ خصوصا في علاقاتهم بالعرب؛ تلك العلاقات التي بُنيت دائما على التبعية العمياء للسلطان (أدام الله عزه) ويستخدم أردوغان في سبيل ذلك كل الطرق المتاحة له؛ بغض النظر عن البعد الأخلاقي أو العقلاني لها... لا يهمه تناقضه ولا عريه من الأخلاق؛ يركب أي طريق يؤدي إلى هدفه؛ ففي سوريا ركب "الطائفية" وفي العراق ركب القومية (قضية التركمان) وفي ليبيا اليوم يركب الأيديولوجيا (الإخوان)...!
 
الخيط الوحيد الناظم بين أدوات أردوغان هو الحنين إلى تاريخ عبد الحميد الثاني وآبائه.. إنه محاولة جادة لبعث "ولاية طرابلس الغرب".. وبالرغم أن عيون الرئيس التركي -لا شك- على ثروات ليبيا وعلى خيرات ليبيا؛ رغم ذلك فإن عاطفته على شيء آخر؛ إنها على سفر من التاريخ لا يريد له أن ينتهي؛ إنها على علاقة العرب ب"الأستانة" أو "إسلامبول" تلك العلاقة القائمة على التبعية العمياء؛ والتي ينبغي -في ذهن العثمانيين- أن تظل قائمة أبدا.. وإن إعلان السراج ل"تحرير طرابلس" من "إسلامبول" لإعادة صريحة لنسق تلك العلاقة..!
 
لن يتوانى أردوغان عن فعل أي شيء من أجل نفخ الروح في إرث أحفاد "أرطغرل".. لكن الغريب أن تنطلي هذه الخدعة على أي عربي ألمّ -أو يلم- بشيء من التاريخ؛ تاريخ العثمانيين مع العرب؛ ذلك التاريخ الذي حمل ستة قرون من استباحة البلدان والأعراض والأموال...!
 
لم يكن الدين الذي سوغ به العثمانيون حكمهم للعرب غير أداة ووسيلة؛ فالحقيقة أن "العقيدة الجامعة" للعثمانيين (قدامى وحديثين) هي "عقيدة قومية" تقوم على ثنائية أساسها تفضيل العرق التركي على سواه، وازدراء العرق العربي دون غيره، يظهر ذلك تاريخيا؛ حين نستعرض كيف مات المقاتلون العرب في حروب السلطنة؛ دون اعتبارهم -من لدن الأستانة- أبطالا، أو شهداء؛ لأن تلك الصفات لا تليق بالعرب (أمة البدو والجهل).. بل هي صفات محصورة للعرق النقي (الترك).. وذات "الازدواجية المنافقة" تنطبق على أردوغان؛ الذي يترأس إحدى أصلب وأفحش العلمانيات في العالم، ويقود أكثر جماعات العرب تطرفا دينيا...!
ومع أن أردوغان مستعد من أجل هدفه هذا (بعث ولاية طرابلس الغرب) لدفع أي ثمن؛ لما يمثله له من معنى وحق تاريخيين؛ فإنه لا يبدو اليوم يخسر أي شيء؛ فالدماء العربية (الليبية والسورية) والأموال العربية (القطرية) مثلت غنى عن أي دم تركي، أو أي مال تركي... والأغرب من كل هذا، سكوت الجزائريين والتونسيين على هذا الاحتلال الفج والوقح؛ وهم الذين اكتووا -تاريخيا- من فحش وظلم الاحتلال العثماني...!!!
 
 أحمد ولد الحافظ
كاتب وروائي