ولد ابه : الشيخ الددو مزور وصاحب غايات دنيوية وتاجر بالتجزئة

اثنين, 18/01/2016 - 17:14
كاتب المقال سيدي محمد ولد ابه

تدخل محطة البنزين فيلاحقك شاب قصير القامة ممتلئ الجسم، مقنع الوجه، يجهد في إقناعك بشراء وريقات يسميها "الرقيى الشرعية"، ويلح في ترديد اسم صاحبها الشيخ محمد الحسن ولد الددو لعل ذلك يقنعك بدفع خمسة آلاف أوقية مقابل خمس ورقات!!! تستعيذ بالله من بعض طرق جمع المال، إذ من علامات الساعة.. سلفي حجاب... 

تصرف مفتول العضلات، بعد عناء، وتدخل زحمة السير فتطالعك لافتة عملاقة تنعكس ألوانها المضاءة على ابتسامة الشيخ إياه وهو يروج لمنتجاته في شراكة مربحة مع شركة اتصالات... تفرك عينيك، وتنظر من جديد لتتأكد أنه هو وقد أتقن مبادئ الإعلان والترويج.. صورة جانبية لوجه الشيخ بمسحة جد تلطفها ابتسامة خفيفة، ونظرة إلى البعيد.. لحية كثة، وعمامة بذؤابة، مع لاقط صوت مثبت فوق جيب دراعة رائعة التطريز. لم يترك شيء للصدفة... روعيت كل قواعد الإعلان؛ فكتب اسم المنتج بحروف ذهبية في رأس اللوحة. روعي في الكلمات التجانس، وانسيابية الموسيقى " حكم وأحكام مع الددو"، وتم الاكتفاء باسم الشهر خوف اللبس والإطالة. ثم جاء البسط بعد الإجمال بأحرف فضية تحاكي تطريز الدراعة.."حكم وأحكام مختارة من محاضرات وأقوال العلامة الشيخ الددو في خدمة واحدة". لقد تخيرت الشركة لمشتركيها من محاضرات وأقوال العلامة، تحت عنوان خدمة الرسائل الدينية. وهو استخدام للدين لأغراض سياسية. فلو أرادت الشركة تقديم "خدمة الرسائل الدينية" مجردة من الأغراض السياسية لكتبت إلى المجلس الأعلى للفتاوى والمظالم طالبة ترشيح شيخ من شيوخه لتقديم "خدمة الرسائل الدينية"، لكن الشركة أرادت حقيقة الترويج لزعيم روحي لحزب سياسي لا تخفي تمويلها، في السر والعلن لأنشطته، وتوظيفها كوادره في مناصبها العليا، بل في مندوبياتها الجهوية...

      تستمر اللوحة في استخدام تقنيات الإعلان الهادفة إلى رواج السلعة، فتستخدم الحروف الذهبية من جديد، وفي حجم كبير لترشد مستهلك حكم وأحكام الشيخ إلى طريقة شراء الخدمة.."للاشتراك أرسل 1 إلى 1224 مجانا". ثم تعود إلى الحروف الفضية صغيرة الحجم لتشعر المستهلك، على استحياء بثمن الخدمة، وطريقة إلغاء الاشتراك.."يتم خصم 35 أوقية فقط عند استلام رسالة الخدمة. لإلغاء الاشتراك أرسل 2 ل1224." تتمنى الشركة لو أن زبائنها الكرام لا ينتبهون إلى هذا الإشعار الأخير فاستخدمت تقنيات الإشهار لجعله هامشيا، فوضعته قبالة وجه الشيخ المليء بالوقار عله يصرف نظر الزبون عنه. وحين يصر الزبون على قراءة الإشهار تقحم الشركة كلمة في الجملة تقلل من قيمة ثمن الخدمة.."35 أوقية فقط..." هذه ال"فقط" قصد منها تضليل المستهلك بإيهامه أن الثمن زهيد مقارنة بقيمة الخدمة التي يمكن للزبون الحصول عليها عن طريق الرقم المجاني الذي يضعه المجلس الأعلى للفتوى والمظالم تحت تصرف المواطنين، والمقيمين  مجانا، أو بالاتصال على أحد الفقهاء الذين لا يسألون على حكمهم وأحكامهم أجرا.

      تساءل أحد الظرفاء ما الفرق بين "خدمة العللاء"، و"خدمة العلماء"، فخصم من رصيده 35 أوقية فقط، فقد حصل على حكمة وحكم...

      تسلمك زحمة السير إلى طريق المطار فتشاهد بعض الناس يجري خلف سيارة V8 رباعية الدفع يطل من سقفها شخص يلوح بكلتا يديه فتتساءل أي رئيس تستقبله البلاد؟ حتى إذا اقتربت تبين لك أنه المعروضة رقيته بخمسة آلاف في محطة البنزين، الملصقة صورته على اللافتة إشهارا لحكمه وأحكامه ب35 أوقية فقط. تقرر ترك الشارع له، بمحطاته، ولوحات إشهاره، وتعود إلى البيت لتشاهد التلفاز فيطل عليك في خدمة "فقه العصر"، تغير المحطة، فتجده في برنامج "مفاهيم"، تغيرها من جديد فيلاحقك ب"الجواب الكافي"...

      تغلق التلفاز، وتفتح جهازك بحثا عن معهد ديني تستقي منه معارفك بدل الاعتماد على خدمة الرسائل، والبرامج الدينية، فتقع على عنوان يبهرك.."مركز تكوين العلماء". هذا أعلى من مستواك، فأنت تريد معرفة متواضعة. لكنك تفاجأ بأن مدة الدراسة في مركز تكوين العلماء 17 سنة فقط!!! 17 سنة وأنت تدفع لتتخرج عالما في عرفات، عند الداية 11... يأخذك الفضول لتزور مواقع جامعات إسلامية عريقة مثل الزيتونة، والقرويين، والأزهر لتكتشف أن أيا منها لا يدعي تكوين العلماء، مع كثرة ما خرجوا منهم، ولا تدوم الدراسة فيها كل هذه السنين، ويتكفلون بطلابهم...

      تصرف النظر عن المعاهد الدينية، وتبحث عن جامعة حرة تنتسب إليها، فتجد "جامعة عبد الله بن ياسين" بتخصصاتها المتعددة، وأسلمتها لكل العلوم والدورات، وتحصيلها للرسوم عن كل شاردة وواردة. استثمار آخر للشيخ يضاف إلى الرقيى الشرعية، وخدمة الرسائل الدينية، وفقه العصر، ومركز تكوين العلماء. يصدح المؤذن داعيا إلى الصلاة من يوم الجمعة... تجد الشيخ على المنبر مكفرا الشيعة، ومستنفرا المسلمين إلى الفتنة...

      تعود إلى بيتك وصورة الشيخ لا تفارقك؛ ناظرا إلى البعيد في لوحة الإعلانات، ملوحا بكلتا يديه لأنصاره اللاهثين خلف سيارته الفارهة، ناثرا أحكامه وحكمه في البرامج الدينية المختلفة، وصابا جام غضبه على أهل القبلة من الشيعة وهو واقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم!!!

      تتذكر أن صديقا دعاك هذا المساء لعقد قران كريمته، تلبي الدعوة، فتفاجأ بالشيخ إياه محاطا بمريديه من حملة النقالات الذكية جيدة التصوير، صافية التسجيل. يتصدر الشيخ المجلس ملقيا خطبة طويلة كان زورها في نفسه لمثل هذه المناسبات، يستبدل أسماء الأشخاص، ومناقب القبائل، لكن "ظهر الشور" يظل هو هو؛ الغلو في مدح الأشخاص والتزيد في تقريظ قبيلة صاحب الدعوة... والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"أحثوا التراب في وجه المداحين." تضيع صلاة المغرب والشيخ منشغل بالشهادة لصاحب الدعوة بالجنة... في اليوم التالي تمتلئ مواقع الحزب الرسمية، وشبه الرسمية،  والتي تقسم ولاءها بينه وبين حزب آخر طعامه أدسم، بعناوين عريضة، تتصدر الأخبار، وتنير السراج.."الشيخ يعقد قران كريمة...". ويسمع الشيخ بقران جديد، فيشد الرحال إليه مع جوقة الهواتف الذكية، لكنه يفاجأ بقرار أهل المناسبة إسناد مهمة عقد القران إلى شيخ آخر أقرب منهم رحما. وسكتت مواقع الحزب عن عقد القران، وتصيدت الشيخ الذي نافس شيخها، فشهرت به بعد أيام في حملة مسعورة تذرعت بحكاية الشيخ لاجتهاد مرت عليه قرون عديدة ولم يثر حوله أي جدل، ولم يفت به الشيخ وإنما رواه استطرادا من باب رواية رأي المخالف للأمانة العلمية...

تعود إلى البيت منهكا، وقد ملأ الشيخ عليك يومك في تجليات مختلفة، الخيط الرفيع الجامع بينها جمع المال في محطة البنزين، ولوحة الإعلان، وبرامج التلفزيون، والمركز، والجامعة، وعقد القران... تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتتوسد يمناك، وتغمض جفونك، فإذا بالشيخ يقص عليك آخر أحلامه!!!

يدور الحلم حول عثور الشيخ مع مجموعة من أصحابه على كنز في الصحراء، فيقترح عليهم قضاء ديونهم بالكنز. لكن سلفيا يقترح تجديد دولة الإسلام به على يد عمر... تدور أحداث الحلم في الأجواء بين اسطنبول والخرطوم. وقد نام الشيخ في الطائرة و كان يقرأ حتى وصل ختام سورة النمل. ولا يرو الشيخ الحلم إلا بعد ثلاث ليال!!!

يرمز الكنز إلى التعلق بالمال السهل الذي يجنيه صاحبه دون عناء، على أريكة برنامج، أو من عرق مفتول عضلات يتصيد رواد محطات البنزين... أما الحديث عن قضاء الدين فهو رسالة واضحة للمانحين. واقتراح السلفي إنفاق الكنز لاستعادة دولة الإسلام وشاية بالخصوم السياسيين. فالشيخ، وصحبه من الإخوان أصحاب غايات دنيوية بشهادة مفكرهم الشنقيطي، أما السلفيون فهم دعاة إحياء الخلافة. لكن الإخوان مستعدون للمشاركة إذا تأكد نجاح الدعوة السلفية؛ فقد استمرؤوا قطف ثمار جهود غيرهم، والتنصل منه حال الفشل.

الشيخ إذن شركة استثمار بمواصفات عالمية؛ تتاجر في التجزئة: الحكم والأحكام ب 35 أوقية فقط، والرقيى الشرعية بخمسة آلاف، وتستثمر في الاتصال، والإشهار، والتلفزيون، والمعرفة الدينية، والدنيوية، وخطب الجمعة، والمحاضرات، والاستشارات الشرعية، وتبيع الأحلام، وتنظم الحفلات والأعراس... أهلا بكم في ددو. كو. لمتد. هدفنا إرضاؤكم...

 بقلم : سيدي محمد ولد ابه [email protected]