الاستاذ المصطفى ول أگليب يكتب : الطبقة السياسية بين التأثير والتأثر والحضور والغياب

أربعاء, 27/01/2021 - 09:17

الاستاذ المصطفى ول أگليب 
 الطبقة السياسية بين التأثير والتأثر والحضور والغياب . 
      المراحل الأساسية 

نص المداخلة .

في البداية أشكر مجموعة ملتقى الرأي على تناول مثل هذه المواضيع ، وعلى اثارة مثل هذه القضايا التي تعيد للوعي " يقظته" وللفكر " صحوته" 
واشكر اذاعة التنوير التي وفرت المنبر ورعت الحوار .

ولكنني اجد في النفس حرجا من الحديث في موضوع يوجد في المجموعة متخصصون فيه ، ومفكرون منظرون ، ويوجد فيها سياسيون مارسوا الفعل السياسي عبر حقب متعددة قيادة وتوجيها وتأطيرا .
ومن أجل الخروج من هذه البداية المترددة أوضح أنني لااستخدم في هذه المداخلة مفهوم الطبقة بالمعاني والدلالات الواردة في أدبيات الاجتماعيين والاقتصاديين وفي كتابات بعض الفلاسفة وإنما المقصود بالطبقة السياسية ها هنا ((الجماعات السياسية التي كرست وقتها وجهدها لادارة الشأن العام ، من موقع السلطة ،أو السعي إلي التأثير في تلك الإدارة اعتراضا وتوجيها من موقع المعارضة)).
وانطلاقا من هذا التعريف فإن الطبقة السياسية في موريتانيا قد مرت بثلاث مراحل فارقة في تاريخها السياسي مع أنني سأتجنب مسلك التأريخ للأحداث ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، باحثا عن الخصائص والصفات : 

             الطبقة السياسية زمن تأسيس الكيان   
 
المرحلة الاولى مرحلةتأسيس الكيان السياسي الجامع الموحد ، وماسبق ذلك من ارهاصات مبشرات أو من معوقات مثبطات.  
 
                       زمن التمهيد 

وقد كان المناخ السائد _ زمن التمهيد _ لتأسيس الكيان الجامع مناخ تعددية حزبية، مما اتاح الفرصة وفتح المجال أمام كل مكونات الطبقة السياسية للتعبير عن المواقف والمشاريع أو الهواجس والتخوفات ، وقد انقسمت الطبقة السياسية  -في هذه المرحلة _ إلي  ثلاثة مواقف أساسية:
-موقف امتاز اصحابه بنوع من الواقعية السياسية المهادنة أو التابعة ، وقد اعتبر اصحاب هذا الموقف  أن النجاعة السياسية والتأثير في الاحداث تتطلب الكثير من الواقعية في التعامل مع مكونات المجتمع التقليدي ومع الدولة المستعمرة التي تشرف علي إدارة شؤون الإقليم الموريتاني وشؤون المنطقة من حوله، وأن تأسيس كيان سياسي مستقل عن المشاريع الإندماجية يقتضي الإتكاء علي سلطة المستعمر لحماية الكيان الوليد وهذا ماتم التعبير عنه من طرف حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني (1947) ثم حزب التجمع لاحقا .
-وفي مقابل الموقف السابق وتزامنا معه ظهر موقف آخر أكد أصحابه أن ممارسة العمل السياسي ينبغي أن تقود إلي فك الارتباط بالمستعمر الفرنسي ، وأن أي مشروع سياسي لايعبر عن الخصوصية الثقافية للبلد وعن عمقه الحضاري هو مجرد تبعية للأجنبي ينبغي رفضه ومقاومته ، وقد امتاز اصحاب هذا الموقف بالمبدئية والمثالية في الطرح والتوجه ، ولكنهم مع ذلك كانوا فاعلين مؤثرين.
وقد تم التعبير عن هذه الرؤية من طرف حزب الوفاق الوطني (1948) ثم  حركة الشبيبة(1956) وحزب النهضة (1958)لاحقا.
وفي -زمن التمهيد-ظهرت هواجس الخوف من الاقصاء والتهميش التي تم التعبير عنها من طرف بعض مكونات الطبقة السياسية يومئذ من طرف حزب الاتحاد العام لاصولي ضفتي النهر ، ثم من طرف حزب التكتل الديمقراطي لغرعول (    1956)بعد ذلك.
وقد امتازت الطبقة السياسية - زمن التمهيد- بالانقسام علي نفسها وبتعدد المقاربات والمشاريع وبالتأثر بصراع المحاور وبالعوامل الخارجية ولكنها مع ذلك كانت فاعلة مؤثرة، مستخدمة الوسائل المتاحة لتحقيق مشاريعها والدفاع عنها

                        تأسيس الكيان:  

لقد تسلم اصحاب الرؤية الواقعية المهادنة، الذين أدرك المستعمر أنهم لن يشكلوا خطرا على مصالحه ونفوذه، زمام السلطة الجديدة.
بعد أن قرر المستعمر الرحيل ومنح الاستقلال لهذه البلاد، وذلك لاسباب يضيق المقام عن شرحها.
وقد اعتبرت النخبة السياسية المدنية التي تسلمت زمام السلطة بقيادة المرحوم الرئيس المختار ولد داداه أن التعددية الحزبية لاتلائم مجتمعا قبليا متعدد الجهات والأعراق والقوميات.
وتسعي بعض دول الاقليم إلي احتوائه والسيطرة عليه.
وأن البلاد في مرحلة التأسيس أحوج ماتكون إلي سلطة مركزية تقود مسار التحولات المتوقعة وتضع أسس التنمية، مدعومة في قراراتها من طرف حزب للدولة يوجه ويؤطر.
وقد كانت السلطة الجديدة بارعة في اقناع الاحزاب المنافسة عن طريق الحوار ، فظهر حزب الشعب سنة 1961 بوصفه حزب الدولة الأوحد المعترف به قانونيا.
ولم يبق من الطبقة السياسية خارجا عن نطاق الاجماع سوى حزب النهضة فكان الاعتقال والسجن والحظر وسائل للضغط على قيادة الحزب لتغيير القناعات والتوجهات.
إلا أن طبيعة الممارسة السياسية تستعصي علي الترويض المطلق وتأميم كل الأصوات ، خصوصا في مجتمع يمتاز بالتعدد والتنوع ، وهو لا يزال في طور نمو الوعي .
 وبعد سنوات من الحوارات المعمقة بين بعض الطلاب العائدين في اغلبهم من دول المشرق العربي، وبعد دراسة المعطيات والبدائل ، ظهرت معارضة شبابية خارج الأطر القانونية المعمول بها في تلك المرحلة.
وقد بدأت هذه المعارضة عروبية الميول والانتماء ولكنها بعد أحداث 66 وهزيمة 67، تحولت إلى معارضة يسارية أممية وكان ذلك سنة 68 وقد اطلقت على نفسها اسم الحركة الوطنية الديمقراطية، وكان ذلك بعد مراجعات فكرية، انطلاقا من ان مجتمعا كمجتمعنا، متعدد الأعراق والقوميات ، لايقبل تصورات أحادية التوجه ، لاتنظر إلا إلي جانب واحد من الصورة في مجتمع مركب لايقبل الاختزال في بعد واحد من أبعاد هويته.
داعية إلى التعريب وفك الارتباط  بالمستعمر ومراجعة الاتفاقيات معه وتأميم الثروة الوطنية فلامست بذلك الوجدان والضمير.
إلا أن الحركة تبنت نموذجا تحليليا تفسيريا لم يكن يتلاءم مع الواقع الاقتصادي لمجتمع بدوي رعوي مدنه قليلة، ومصانعه تكاد تكون منعدمة، وشغيلته محدودة التأثير.
وبغض النظر عن المأخذ السابق فقد دفعت نضالات هذه المعارضة الفاعلة النظام إلى الاستجابة لبعض مطالبها الجوهرية .
وهي استجابة اربكت الحركة وجعلت حزب الكادحين الذي انشأته بعض مكوناتها سنة 73 يدخل في حوار مع النظام ، وهو ماقاد إلي اعلان قيادة الحزب انضمامها إلى حزب الشعب سنة 1975م فانقسمت الحركة على نفسها واصبح مناضلوا الأمس خونة وعملاء ، وتمت تسميتهم بالمنبطحين .
 وقد أصيب جماهير الحركة بكثير من اليأس والاحباط، دفعها    إلى عدم الثقة بالسياسيين مرة أخرى .

    "الطبقة السياسية زمن الانظمة الاستثنائية"

المرحلة الثانية من مراحل تشكل الطبقة السياسية هي المرحلة التي صاحبت الانظمة العسكرية الاستثنائية ، دفاعا عنها وتسويغا لحكمها أو رفضا لها ومواجهة معها.
وقد سوغ الحكام العسكريون إطاحتهم بأول نظام مدني عرفته هذه البلاد، وهي الاطاحة التي تمت سنة 78 بثلاث مسوغات:
1-إخراج البلاد من الحرب.
2-تقويم الوضع الاقتصادي.
3-العمل علي إقامة مؤسسات ديمقراطية تفتح المجال أمام الشعب لتسيير شؤونه بنفسه .
 وقد استعان الحكام الجدد، ببعض مكونات الطبقة السياسية لادارة شؤون البلاد ، لافتقاد أولئك الحكام إلى الخبرة السياسية المطلوبة.
وذلك عن طريق التوجيه والمشورة من خلف الستار أو عن طريق المشاركة في الحكومات المتعاقبة.
وقد قادت المآلات السياسية في هذه المرحلة إلى تشكيل مؤسسة سياسية تشبه الحزب الواحد هي هياكل تهذيب الجماهير، وقد كانت لهذه المؤسسة وظيفتان أساسيتان :
-وظيفة التأطير والتوجيه وجمع المؤيدين والانصار.
-ووظيفة الرقابة والمتابعة ذات الطابع الأمني للخصوم والمعارضين.
وقد انخرط في هذه المؤسسة بعض أطياف الطبقة السياسية قيادة وتأطيرا.

                    
                       الحركات السياسية 

إلا أن الحركات السياسية التي ظهرت بداياتها زمن الحكم المدني _أوظهر بعضها على الأقل في تلك الفترة _ استطاعت المحافظة علي الصوت المعارض مسموعا وعلي المشاريع المجتمعية البديلة حاضرة ، ولم تكن معارضة ديمقراطية معترفا بها ولكنها مع ذلك، كانت فاعلة مؤثرة قادرة علي الاعتراض والتوجيه، مستخدمة ماكان يعرف في أدبياتها بالمناشير ، للتعبير عن مواقفها من القضايا الوطنية الكبرى.
وقد تلجأ أحيانا أثناء الانسداد السياسي وخصوصا عندما يتم استهدافها إلى الاحتجاجات الطلابية والاضرابات العمالية وهو مايهيئ في الغالب الظروف لتغيير رأس نظام الحكم وخريطة التحالفات السياسية.
وقد سيطرت هذه الحركات على الشارع الطلابي ، وعلى قطاعات عمالية فاعلة، عل تفاوت بينها في ذلك.
ولامبالغة-إذا قلنا-إن الحركات السياسية أصبحت مدارس نضالية لاكتساب مهارات القيادة، واتقان أساليب الحوار والخبرة في تأطير الجماهير وتوجيهها والدفاع عن حقوق المستضعفين والمهمشين وتبني القضايا العادلة.
 وكانت تلك الحركات متمايزة في برامجها واهدافها .
 ولكن الممارسة السياسية في هذه المرحلة كانت نوعا من المجازفة والمخاطرة التي لايمكن أن يقدم عليها إلا الحالمون بغد أفضل ، اصحاب المبادئ والمثل الذين يعتبرون ممارسة السياسة اسمى الفضائل، انطلاقا من أن السياسي، الذي يستحق أن يوصف بهذا الوصف هو ذلك الذي يخدم "الكل" وقد يضحي في سبيل ذلك بمصالحه ومنافعه الذاتية.
ونتيجة لخطورة ممارسة السياسة في هذه المرحلة اعرض الكثيرون عنها لأنها لم تعد جلبا للمصالح والمنافع.
إلا أنه من المآخذ على الحركات السياسية -في المرحلة الإستثنائية- والتي كانت تمثل أهم مكونات الطبقة السياسية، أن خوفها من أن تخترق المخابرات صفوفها، وعدم إيمان أغلبها بالعمل الديمقراطي الحزبي جعلها تبني تنظيمات تقوم على إصدار الأوامر ، وتفضل أصحاب الثقة على أصحاب الكفاءة.
ومن سلبياتها كذلك أن بعضها لم يستطع التخلص من صراعات المنشئ والمنبت ، فجاءت إلى هذه الأرض وهي تحمل خلافات المؤسسين واخطاء الزعماء ، مما جعلها تقوم بنقل وترحيل المشاكل والأزمات إلى بلد لم يشارك في صناعتها.
ومن سلبياتها أيضا أن بعضها قد تآمر ضد بعضها الآخر، تحريضا للانظمة على ضرب الخصم السياسي المنافس أو على الأقل التزاما للصمت عند تعرضه للتصفية والاستهداف.
وانطلاقا من ذلك فإن تلك الحركات لم تستطع أن تضع ميثاق شرف يحدد المشتركات ويضع للممارسة السياسية مجموعة من القواعد الاخلاقية ، فكان لكل واحدة منها زمن سعد وأزمنة نحس.

             الطبقة السياسية زمن التعددية الثانية   

إذا جازفنا -منهجيا-واعتبرنا مرحلة الحكم المدني بمثابة الأطروحة، واعتبرنا الانظمة العسكرية الاستثنائية بمثابة نقيض الاطروحة ، فإن مرحلة التعددية الثانية ستكون بمثابة الجمع والتركيب.
لأنه في مرحلة التعددية الثانية سيقع نوع من التعايش القلق بين رؤساء قادمين من المؤسسة العسكرية بعد أن خلعوا بزاتهم دون أن يستطيعوا التخلص من "عقلية الأمر والطاعة" واحزاب مدنية تطمح إلى ممارسة سياسية ديمقراطية تخضع لقواعد واضحة ومحددات ثابتة.
ومن المعلوم أن فتح الباب أمام التعددية السياسية في هذه المرحلة الثانية لم تحدث بسبب اقتناع النظام الحاكم يومها بجدوائية تلك الخطوة، بل دفعته إليها عوامل خارجية تمثلت في حدوث تغييرات جذرية في انظمة الحكم الشمولية في تلك المرحلة، خصوصا في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي.
وربط المساعدات الاقتصادية من طرف الدول المانحة بالنسبة لدول العالم الثالث بالانتقال نحو الحكم الديمقراطي.
ثم إن نظام الرئيس معاوية كان يعيش أزمة علاقات مع الدول الغربية ودول الخليج نتيجة لموقفه من الحرب علي العراق .
يضاف إلي العوامل الخارجية عوامل أخرى ذات طبيعة داخلية فعلى المستوى الاقتصادي عرفت البلاد موجة من الجفاف أتلفت كل شيء ، وصاحب ذلك فساد إداري مستشر.
وقد اصدرت مجموعة من المثقفين والسياسيين ضمت 125  شخصية وطنية رسالة طالبت من خلالها بالتحول نحو التعددية السياسية محددة مجموعة من الخطوات التي  ينبغي اتباعها، داعية إلي اشراك قوى المعارضة في انجاز ذلك التحول.
إلا أن الرئيس معاوية كان يريد ممارسة ديمقراطية ترضي الغرب وتمتص الغضب الداخلي ولكنها لا تجعله يفقد السلطة وقد كان الاعلان عن فتح المجال أمام التعددية الحزبية-في مرحلتها الثانية في البلاد، في خطاب رئيس الدولة بمناسبة عيد الفطر المبارك 1991، وتجسيد ذلك الاعلان على أرض الواقع بعد ذلك ، مناسبة لعودة الجميع إلى ممارسة السياسية من جديد.
بعد أن ابتعد الكثيرون عن تلك الممارسة في المرحلة الاستثنائية . 
 وبذلك اتسعت الطبقة السياسية -في هذه المرحلة _ 
وتنوعت بل اصبح الاشكال هو:كيف يمكن التمييز بين السياسيين وغيرهم .
 وكان الدافع إلى هذا الاقبال المتزايد على السياسة هو ادراك الجميع أن ممارستها قد تقود إلى التعيين والحظوة والتقرب من ذوي المراتب التجلة .
وقد بدأت الطبقة السياسية في هذه المرحلة تعيش أزمنة متعددة في زمن واحد.
والتقت اجيال السياسة من جديد في زمن يحيل إلى كل الابعاد .
 وكان الامتحان الصعب-في مرحلة التعددية السياسية _ موجها إلى الحركات السياسية قريبة العهد بالعمل السري، والتي ضحت بالغالي والنفيس من اجل مقارعة الانظمة الفردية.
لقد كانت تلك الحركات تتحدث باسم الجماهير ونيابة عنها مؤكدة في منشوراتها أن الانظمة القائمة انظمة استبدادية تفرض نفسها على الناس.
والآن وقد فتح الباب أمام تشكيل الاحزاب فهي مطالبة باثباث شعبيتها وحضورها ومدى تأثيرها.
وقد أدركت بعض الحركات جدية الموقف، وخطورة المرحلة، وصعوبة الامتحان، ولذلك فقد اختارت الالتحاق بتحالفات معارضة جامعة وذلك لسببين:
الأول اخفاء الحجم الحقيقي لمنتسبي الحركة.
الثاني الحصول علي حلفاء أيام الضربات المتوقعة، لأن الديمقراطية قد تكون مجرد واجهة تخفي الاستبداد وحكم الفرد.
اما بعضها الآخر فقد اختار تشكيل احزاب أغلب المنتسبين إليها المؤمنون بالخط الفكري للحركة.
وقد أوضحت النتائج المتحصل عليها في المناسبات الانتخابية اللاحقة صواب موقف المندمجين في التحالفات الكبيرة.
كما أن التعددية السياسية الحزبية قد اعادت للمؤسسات التقليدية وظيفتها السياسية أو على الاصح توظيفها السياسي.
فبدأ الكثيرون من المثقفين والسياسيين يعودون إلى القبيلة والعشيرة طلبا للترشح أو للدعم والنصرة.
وكانت تلك طعنة موجهة إلى الممارسة السياسية الحزبية بعد أن استطاعت الحركات السياسية والايديولوجية أن تجعل من الانتماء السياسي والفكري رابطة اقوي من كل الروابط الأخري.
      
                  من اهم مميزات التعددية الحزبية الثانية        
                                         
ويمكن ان نقول بصورة عامة بأنه من اهم مميزات التعددية الحزبية في هذه المرحلة ، صعوبة التمييز بين الأحزاب على أساس برامجها مع أنه كان من المفترض أن يحدث ذلك التمييز والتمايز ، وذلك لاختلاف الأهداف والغايات، و التمايز بين القواعد الاجتماعية لكل حزب والجماعات السياسية القائدة والموجهة له .
إلاأن ذلك لم يحدث فتشابهت البرامج او تقاربت وتمت صياغتها في الغالب بطريقة تلفيقية وذلك لسببين رئيسيين:
-الاول محاولة جذب اكبر قدر متوقع من الناخبين .
-الثاني أنه في الحزب-غالبا-ماتتعايش مجموعات سياسية متعددة المشارب والمرجعيات ، فيتم تمثيل كل واحدة منها في فقرة من فقرات الحزب أو محور من محاوره.
بل إن عدم التمايز انعكس كذلك على تسميات الأحزاب التي استخدمت في الغالب  المفردات التالية لصياغة اسمائها:التكتل، الاتحاد، العدالة،التنمية،التقدم،التجمع، التحالف،العمل.........إلخ.
ورغم أن دستور 91 قد اعتبر ان الباب مفتوح أمام تشكيل الاحزاب دون تحديد العدد ، ولاشرط الا الخضوع للقانون ،وكانت الغاية من ذلك تمييع الممارسة السياسية حيث تفقد المصداقية والجدية، رغم كل ذلك ، فإن الواقع العملي للممارسة السياسية سيطرت فيه الثنائية الحزبية في كل مراحله تقريبا:
-حزب يقوم مقام حزب الدولة تدعمه السلطة القائمة وهو بمثابة الفرقة الناجية.
-وحزب معارض رئيس يمثل رأس الحربة في مغالبة السلطة ومنازلتها.
وكانت بقية الاحزاب إما احزاب حقائب _كما أطلق عليها البعض _ أو أحزاب عقائد ينتمي إليها المؤمنون بفكر الحركة ولكن تأثيرها ظل محدودا _ وذلك مايظهر غالبا من خلال نتائج الانتخابات، مع بعض الاستثناءات.
كما أنه كان من مميزات "الحزبيين" في هذه المرحلة "الترحالية السياسية" رحلة صيف مغاضبة نحو المعارضة ورحلة شتاء مراضاة نحو النظام.
ومن مميزات الأحزاب أنها احزاب موسمية لاتظهر أنشطتها إلا موسم الانتخابات ، أما بعد ذلك فتطوي الخيام وتوصد المقرات وتسكت مكبرات الأصوات.
مع أن أحزاب المعارضة استطاعت -أحيانا- أن تمارس نضالا سلميا مدنيا من خلال المسيرات والمهرجانات والاعتصامات.
ثم إن التعددية الحزبية التي كان يراد من ورائها الخروج من عنق الزجاجة لم تمنع-خصوصا في زمن الرئيس معاوية-من استمرار ممارسات العهود الاستثنائية:
مثل استهداف الخصوم واعتقال المناوئين وحل الأحزاب واحتكار وسائل الاعلام وانحياز الإدارة.
ومع ذلك فقد اعتاد المواطنون في هذا البلد-وذلك من ايجابيات التعددية الحزبية-على الممارسة الديمقراطية، فبدأ يتراجع منطق احتكار الحقيقة، بفضل الحملات الانتخابية وكان المهزمون في الانتخابات يقبلون النتائج اختيارا أو جبرا
واصبحت الاختلافات السياسية تدار بطريقة لا تصل مرحلة استخدام العنف .
وقد شاركت الطبقة السياسية في كل ذلك المسار سلبا أو إيجابا .
ذلك حديث ارتقى صاحبه قمة الجبل لينظر إلى المراحل التي مرت بها الطبقة السياسة من عل ، فلم يسمي اسماء الحركات ولم يذكر تواريخ الاحداث إلا نادرا ، وذلك من اجل تحقيق مستوى من الموضوعية التي يصعب تحقيقها في مجال الانسانيات وبالاخص في مجال السياسة . 
وقد توقف الحديث عند 2005 و زمن التمهيد الذي جاء قبلها ابتداء 2003 , لأن الحديث عن حاضر لا يزال ممتدا ولم ينقشع غباراحداثه بعد ، ولا يزال الفاعلون فيه مشاركين في رسم خرائط السياسة ومشاهدها ، يحتاج إلى وقفة تأمل لا ينشغل صاحبها بماض قريب ولا بعيد ، وقفة تشخص وتصف الواقع ثم تحلله وتزيح الستار عن تناقضاته الصاخبة والصامتة ، ثم تستشرف وترسم معالم المستقبل واتجاهاته المتوقعة ، لعل وعسى .