تاريخنا..بين القبِيلَة والقَبَلِيَّة ! / محمد تقي الله الأدهم

اثنين, 23/11/2020 - 17:34

تاريخنا..بين القبِيلَة والقَبَلِيَّة !

يفشل الباحثون مرارا،في محاولتهم لتقديم تعريف جامع مانع لمفهوم القبيلة ؛ويتيهون أثناء عملية إسقاط البنيوية والانقسامية ،ومايعرف بمفهوم الهامش ،على مجتمعات الرُحَّل ، طبقا لأبجديات وقواعد الأنتربولوجياالسياسية..
وبالنظر إلى صعوبة المبحث ووعورة المسلك المؤدي في نهاية المطاف إلى " العصبية " في الكتابات الخلدونية ، و" السيبة" في خلاصات عبد الله العروي؛ فمن الوارد النأي عن أزمة التعريفات والتحديدات، والحديث بلغة سطحية ومبسطة ، تختصر الطريق ،وتضمن الوصول الآمن السريع إلى الهدف المنشود من تسطير هذه الحروف.
لنقل بمنتهى البساطة : إن القبيلة مجموعة  تنتمي إلى نسب واحد ، وتتكون من عدة عشائر وبطون ، تستقر  في حيز جغرافي محدد ، تجمع أفرادها عواطف ومبادئ مشتركة وثقافة متجانسة …
قال الماوردي :"  القبِيلَة هي ماانقسمت فيه أنساب العرب كقريش وكنانة… فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن تجمع الأفخاذ، والعمارة تجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر ، والشعب يجمع القبائل; فإذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوبا..."
ولنتذكر  حرب البسوس وداحس والغبراء ويوم ذي قار؛ ولنصل مسرعين إلى الحسم والتجاوز من خلال القرآن الكريم والحديث الشريف:
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 
وجاء في الحديث النبوي
{يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ}
تلكم هي القبِيلَة (بكسر الباء) ، أما القبَليَّة (بفتح الباء) فهي مصدر الخلاف بين الناس ومنطلق التفريق في المجتمع، ومبعث قطع أواصر التلاحم والمحبة والأخوة .
العصبية القبَلية منافية لعلم الأنساب الذي يعرف الناس بعضهم ببعض ، ويُكرَّس التقارب والمحبة والتعاون ،وينفي تمزيق النسيج الاجتماعي بدعوى التفوق العرقي لجنس أوقبيلة أو شعب.
هل يُعقل أن تمر ستون سنة تحت مظلة الدولة ، ونحن عاجزون عن كتابة تاريخ قريب ؛خوفا من سطوة القبَليَّة!
لماذا يتم طمس مواقف خالدة لرجال ونساء … تكمم أفواه ، تُكَسر أقلام ، حفاظا على السطوةالقبلية!
يُضرب الباحث ضربا مبرحا إن ترجم جملة -من مرجع أجنبي -لاتروق لأبناءالقبِيلَة !
يُفتي العالم بدقة وصحة شجرة النسب ،كي لايثير غضب شيخ القبِيلَة !
تخرس النخبة بل تتنابز وتتبادل الشتائم إذا تعلق الأمر بما يكدر صفو الوفاء القَبَلِي!
يحفظ الصغار عن ظهر قلب ( اتهيدينة) القبِيلَة ، ولا يعرفون مفردات السلام الوطني!
في مقرر التاريخ بتعليمنا الابتدائي، تُغيَّب أسماء مشهورة، وتضاف أخرى حفاظا على التوازن الجهوي والتقاسم القبلي والتعايش العرقي !
لك الله ياوطني …
عندما يروي أحدهم قصص وملاحم المقاومة معتزا بعبق دم الشهداء ، يبادر آخر للنفي والرفض محيلا إلى السطو والقتل والفتنة !
وحين يعمد الأخير إلى بسط دور المحظرة والعلماء في دحر المحتل ، يتهمه الأول بالخنوع والدونية والاستلاب …!
وفي أوج الجدل الأعمى ،يصمت الحق ،وتلتهم القبلية أمجاد شعب وتاريخ أمة …
وإذا تجاوزنا إلى حقبة التأسيس ومابعدها ،فلن نعدم المفارقة من خلال:
 ⁃ رافضين ومنكرين لأي دور أومكانة للمؤسسين باعتبارهم عملاء وخونة…
 ⁃ مقدَّسين ومنزهين لعمل وأداء الجيل الأول.
 ⁃ منافحين عن الاكتتاب والتوظيف والفساد- إلا من رحم ربك - من منطلق القبِيلَة  أو الجهة .
 ⁃ مرابطين  في الفضاء الأزرق بأسماء مستعارة ،للذود عن حمى القبِيلَة وتلميع أطرها وسب أعدائها .                                                                    
  فكرت كثيرا - ولم أُنَجِّمْ - وأزحت الأصداف بحثا عن الجوهر،فوجدت أن سبب هذا الضياع وهذه "السيزيفية" كامن في هيمنة  القبَلِيّة.
نحن بحاجة- في ليالي نوفمبر-  إلى رفع البطاقة الحمراء  في وجه من يُرَوَّجون نشر الرسائل الصوتية لترسيخ القَبَلية وإذكاء النعرات ……
أدعو السلطة التشريعية لسن قوانين ووضع ضوابط ، قبل الغرق وفوات الأوان .