بين جمال ولد الحسن ومحمد ولد الطالب

سبت, 21/05/2016 - 00:52

كانت صباحات العام الدراسي 1989 في ذلك المدرج الفسيح بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة انواكشوط صباحات مختلفة، كان طلاب السنة الأولى آداب متعطشين للأدب الشنقيطي ولإطلالة فريد عصره ونسيج وحده الدكتور جمال ولد الحسن فما إن يدخل المدرج صباحا حتى تشرئب له الأعناق وتخشع الأصوات.

كان الدكتور جمال يسبح بالطلاب في بحر لا ضفاف له من العلوم والمعارف، و رغم أن شنقيط هي المجال التاريخي والجغرافي والثقافي للدرس فإن التداعي الحر هو سيد الموقف والدرس غير نمطي و لا تقليدي بل متطور المنهج ثري المحتوى يقوم على التعاطي والتشارك:

أذاكر جمعهم ويذاكروني :: بكل تخالف في مذهبين

كخلف الليث والنعمان طورا :: وخلف الأشعري مع الجويني

وأوراد الجنيد وفرقتيه :: إذا وردوا شراب المشربين

وأقوال الخليل وسيبويه :: وأهلي كوفة والأخفشين

نوضح حيث تلتبس المعاني :: دقيق الفرق بين المعنيين

وأطوارا نميل لذكر دارا :: وكسرى الفارسي وذي رعين

ونحو الستة الشعراء ننحو:: ونحو مهلهل ومرقشين

وشعر الأعميين إذا أردنا :: وإن شئنا فشعر الأعشيين

ونذهب تارة لأبي نواس :: ونذهب تارة لابن الحسين

وكان الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا حاضرا بعينيته ورائيته ومضمون نونيته وكان أثيرا عند الدكتور جمال وله منزلة في قلبه لا تضاهيها إلا منزلة الفتى محمدو ولد محمدي فما ينفك يردد بيتا له أعجبه:

حول المليحة خيّمْ واغدونَ ورحْ :: ثمّ اغدونَّ ورحْ ثم اغدونْ ورحِ

أذكر من طلاب ذلك القسم الشاعر النابه سيدي ولد أمجاد والفتى النابه محمد ولد الطالب والأديب محمد الحسن ولد محمد المصطفى وفتى حسنيا شاعرا والبعض لا أزال أحفظ وجوههم و و وجوههن وإن غابت عني الأسماء فاختلاف النهار والليل ينسي، وربما غشي القسم الشاعر أبوشجة فهو غير بعيد في قسم التاريخ، تبنه جمال لذكاء وشاعرية محمد ولد الطالب وقال له ذات لقاء في وادي عبقر:اصدع بما تؤمر، ذات مرة طلب الدكتور جمال من مجموعة من الشعراء الشباب يومئذ تضمين المثل الحساني "ما طاحت اسْمَ اعلَ اتْراب" شعرا ووعد من يجيد ذلك بعلامة مميزة ، فكتب محمد ولد الطالب:

تخال الريم من خطل الشباب :: قلوب الناس رهنا للعذاب

وتطمع بالوصال على ابتعاد :: وتمعن في الصدود على اقتراب

ودار الدهر دورته وجاءت :: صروف هن تنعاب الغراب

فلما صار ود الريم سهلا :: وحبل الوصل منها في اجتذاب

صرفت القلب عنها نحو أخرى :: "ولم تقع السماء على التراب"

وكانت في دمشق لنا ليال..

كامل الود

نقلا عن صفحة المدون اكس ولد اكس اكرك